مقالات وآراء

الحزب الشيوعي وتجارب المشاركة في المجالس النيابية

صديق الزيلعي
رفض الحزب الشيوعي، في الأيام الأولى لعزل البشير، محاولات المجلس العسكري للتشريع لنظام مبني على الجمهورية الرئاسية، وان يكون المجلس العسكري هو رئاسة الجمهورية. وهذا موقف صحيح تماما من الحزب. بل قاد الحزب حملة من اجل التشريع لجمهورية برلمانية. وهذا ما تم، ولكن بشكل منقوص، كما ورد في الوثيقة الدستورية. والسبب الرئيسي لرفض الجمهورية الرئاسية هي تجربة شعبنا مع نميري والبشير. كما ان واقع بلادنا الذي يتميز بالتعددية والتنوع يستدعي ضرورة قيام نظام برلماني، كما جربناه في الديمقراطيات الثلاث، التي مرت بها بلادنا (1956-1958، 1964-69، 85-89). وأثبت واقع بلادنا انه لم يملك حزب في بلادنا الأغلبية المطلقة ليحكم لوحده (ما عدا فترة قصيرة هي فترة الحكم الذاتي). وتشكلت كل الحكومات من ائتلافات حزبية. هذه الحقيقة تجعل الجمهورية الرئاسة خطر حقيقي على الممارسة الديمقراطية. فأي شخص يتقلد منصب رئيس الجمهورية، وهو ينتمي لحزب معين أو فكر معين أو إقليم معين أو اثنية معينة، سيضر بمستقبل البلاد لأنه سيملك سلطات تجعله دكتاتورا، يحل ويربط كما يشاء حسب منظوره وانتماءه. ويكفينا الدمار الذي حدث خلال حكم النميري والبشير.
أنتج توازن القوى السياسي وثيقة دستورية هجينة ومليئة بالنواقص. ومن أهم نواقص الوثيقة انها توقفت في منزلة بين المنزلتين. فلا هي نظام رئاسي كامل الدسم، ولا هي جمهورية برلمانية حقيقية. وهذا الوضع الهجين هو من أهم أسباب المضي قدما بالثورة عن طريق التمسك بوحدة قيادتها، وتجاوز أخطاء الشهور الماضية. ومن أهم اشكال المضي بالثورة حتى تنجز أهدافها ان نتمسك بسلطات المجلس التشريعي المنصوص عليها، ونصر على ممارستها بشكل كامل. ومن هنا تأتي ضرورة مشاركة كل قوى الثورة في المجلس التشريعي، ومن ضمنها الحزب الشيوعي.
تجارب المجالس التشريعية، في كل العالم، توضح ان النواب هم من يعطون تلك المجالس قوتها. فكم من المجالس النيابية فقدت هيبتها لضعف أعضائها. ومن يتابع الاخبار السياسية حول العالم يرى دور النواب. فأنظر لمواقف نواب البرلمان البريطاني من رئيسة الوزراء السابقة والرئيس الحالي، وموقف الكونغرس من الرئيس الأمريكي. قد يقول قائل بان تلك أنظمة ديمقراطية بها فصل تام بين السلطات. نعم هذا صحيح، ولكن الأصوات الشجاعة يمكنها الصدح بالحق حتى تحت تحكم الديكتاتوريات. ومثال من تاريخنا قد يوضح ذلك. فقد رفض نواب من مجلس الشعب المايوي موقف نميري في قضية شركة باسيلي بشارة للنقل.
شارك الحزب الشيوعي في العديد من البرلمانات والمجالس التشريعية. وهذا عرض مختصر لاهم ملامح تلك المشاركات.
رغم رفض الحزب الشيوعي القوي (الجبهة المعادية للاستعمار آنذاك) لاتفاقية الحكم الذاتي (1953)، الا أنه شارك في الانتخابات، ونال حسن الطاهر زروق مقعدا. وكان له اسهامات معروفة وموثقة حول قضايا التعليم والتنمية وقانون النشاط الهدام. وللحقيقة والتاريخ هو أول نائب يتحدث قضية التهميش فقد طالب بالمساواة في الأجور بين العمال في الشمال والجنوب، كما دعا لتنمية ما اسماه بالمناطق المتخلفة.
لم ينل الحزب أي مقعد في اول برلمان بعد الاستقلال. ولكنه شارك بفعالية في تجميع الحركة الجماهيرية خارج البرلمان مع النواب لإسقاط حكومة عبد الله خليل. فقام حزب الامة بتسليم السلطة للجيش في نفس اليوم المحدد لسحب الثقة من الحكومة (17 نوفمبر 1958).
قرر الحزب خلال دكتاتورية عبود ان يشارك في انتخابات المجلس المركزي. سأنقل من بيان الحزب حول المجلس المركزي لمقارنته بوضعنا الحالي. جاء فيه بتاريخ 9/3/1963، ما يلي:
” ان الحزب الشيوعي يهمه أن يكون موقفه واضحا أمام الجماهير العمالية وكل الشعب في هذه النقطة بالذات، ذلك ان النظام برمته وليس بمشتقاته فحسب، هو نظام رجعي غير ديمقراطي ودكتاتوري، وليس هناك سوى السذج من يعتقدون في ان تولد الدكتاتورية نظاما ديمقراطيا في نفس الوقت.” ويضيف البيان: ” ان الديمقراطية الحقيقية لا يمكن ان تقوم إلا على أنقاض النظام الدكتاتوري. ومن هنا كان رأي الحزب الشيوعي الذي أعلنه في الكتاب الأسود بمناسبة الذكرى الرابعة للانقلاب العسكري، هو ان المجلس المركزي جاء أبعد ما يكون عن تحقيق الديمقراطية، بل هو نكسة خطيرة إذا ما قورن بالمؤسسات التي حققها الشعب قبل انقلاب 17 نوفمبر 1958. إن مجلسا يدعي بانه تمثيلي لا يقوم على مبدأ الانتخابات المباشرة لكل أعضائه، ولا يمارس كل الحقوق التشريعية، هو مجلس مزيف، إن مجلسا لا يملك حق النظر في الاتفاقات التي ابرمها النظام الراهن من معونات وقروض كبلت استقلال السودان، وأوردته موارد التبعية للاستعمار هو مجلس رجعي، إن مجلسا لا يملك تعيين أو إقالة رئيس الوزراء ومحاسبته هو مجلس لا حول له ولا قوة “. ثم يحدد الحزب الشيوعي هدفه بوضوح: ” ان الحزب الشيوعي حين يخوض اليوم معركة الانتخابات للمجالس المحلية يعلم حق العلم انه يخوضها في ظل نظام حكم رجعي دموي، ولا يمكن التعاون معه بأي حال من الأحوال، بل هو يخوضها بهدف تحويل المعركة الانتخابية والعمل داخل هذه المجالس من أجل مصالح الجماهير اليومية، والى تجميع قوى العمال والشعب في مؤسسات الجبهة الوطنية الديمقراطية.”
نال الحزب في اول انتخابات بعد ثورة أكتوبر على 11 مقعدا من المقاعد ال 15 المخصصة للخريجين. أدى نشاط واسهامات نواب الحزب لتحرك القوى التقليدية، وتآمرت لحله. وكانت خطب عمر مصطفي المكي ومحمد إبراهيم نقد أدوات تنويرية هامة لجماهير شعبنا.
فاز عبد الخالق محجوب، السكرتير العام للحزب، رغم حل الحزب ومنع نشاطه، في دائرة امدرمان الجنوبية (1968). وترشيحه كمستقل يوضح إصرار الحزب على وجود صوت له في البرلمان. ولعب عبد الخالق دورا متميزا، كان قمته خطابه حول الميزانية، والذي نشر في كتاب بعنوان (طريقان للتنمية).
نال الحزب في الانتخابات التي جرت بعد انتفاضة 1985 ثلاث مقاعد بالإضافة لاثنين من النواب الذين أيد ترشيحهم. وكون ما عرف بالمعارضة الديمقراطية والتي قدمت العديد من المشاريع والاقتراحات العملية لمواجهة قضايا ما بعد الانتفاضة. والملاحظ مشاركة الحزب رغم نقده لقانون الانتخابات الذي صاغه المجلس العسكري لصالح الجبهة الإسلامية. وكان قمة الأداء خطاب نقد حول الميزانية، والذي ارتفع بالنشاط المعارض درجات عليا من المسئولية والجدية.
شارك الحزب الشيوعي بثلاث نواب في المجلس الوطني للإنقاذ ضمن حصة التجمع الوطني الديمقراطي. تم ذلك رغم معارضة اقسام مؤثرة من عضوية وأصدقاء الحزب. وكان السبب هو الاستفادة من منبر البرلمان لإيصال رأينا للشعب حول كل قضاياه. وتسابقت الصحف لنيل تصريحات من سليمان حامد (أحد نواب الحزب)، وهذا يوضح ان الوجود في المجلس التشريعي له دور هام في إيصال صوت الحزب، مهما كانت طبيعة النظام. ويملك النواب الحصانة التي تمكنهم من الصدح بالحقيقة بأوضح العبارات.
من هذا العرض السريع والمختصر لمشاركات الحزب البرلمانية نصل للملاحظات الآتية:
• يري الحزب ان البرلمانات (بمختلف تسمياتها) هي أدوات هامة في عمليتي التنوير والتغيير.
• يدعو لتكامل الصراع داخل وخارج البرلمان من اجل انجاز التغييرات المطلوبة.
• يعتبر المقاطعة سلاحا سلبيا يضر بحركة الجماهير.
• يتمسك بالموقف اللينينية الرافض للموقف اليساري الطفولي الداعي لمقاطعة البرلمانات الرجعية والنقابات اليمينية.
لماذا ندعو للمشاركة في المجلس التشريعي:
• جاء نتاجا لنضال شعبنا وليس منحة من المجلس العسكري.
• وجود صوت الحزب واصوات قوى التغيير ضمانة لإجازة قوانين المرحلة الانتقالية.
• مراقبة نشاط الحكومة الحقيقي والمؤثر يتم من داخل المجلس.
• كل القوانين ستجاز من المجلس وغياب صوت أي تيار يعزل صاحبه من هذه العملية الهامة.
• بيانات الحزب الشيوعي مليئة بقضايا هامة تمس حياة شعبنا ومستقبل بلدنا، من الذي سيدافع عنها داحل المجلس حتى تصير قوانين ملزمة لكافة أجهزة الدولة.
• العمل السياسي ليس شركة تجارية تحسب العائد من أي عملية تدخلها وتصاب بالهلع من الخسارة.
• وعي جماهير انتفاضة ديسمبر قادر على التفريق بين ما ينفع الناس وبين الزبد.
خاتمة:
أكثر تعبير يختصر الموقف الراهن للحزب جاءني من الصديق أمين الفاضل:
” الحزب الشيوعي بعد ما لبنت اداها الطير”
(أواصل)

صديق الزيلعي

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. *تغيير بنية الفشل أهم من تحليته*

    ضرورة تغيير نوعية البرلمان أهم من تكرار بنية فشل البرلمانات السابقة.

    هذا الرصد القيم ينطوي على خطأ سياسي فادح اذ انه يوكد ايجابية المشاركة الحزبية في البرلمانات الرجعية، بينما واقع معيشة الناس يحث على التحول الثوري من جملة وتفاصيل النظام السياسي القائم منذ سنة 1899على تعزيز التبعية للتمويل الأجنبي والاستعمار الداخلي.

    هذا النوع اليميني من مرض الطفولة كان مرتبطاً بظروف معينة في ثورة فبراير 1917 تخلى عنها الرفيق لينين في ثورة أكتوبر 1917.

    الإحتفاء بضرورة المشاركة في المجالس الرجعية يعزز تكرار نفس السلوك الحزبي الذي فشل في كل دول العالم الليبرالية لأكثر من مائة سنة في إحداث تغيبرات مفيدة لاستقلال وتكامل وإثراء عملية التنمية.

    الأساس في الحساب السياسي/العقلاني لدور البرلمان في التغيير السياسي ليس تمجيد دور النواب ذوي الأصوات الشجاعة واشاراتهم إلى حاجات ومطالب الشعب، وكشفهم أو تعطيلهم خطوات النواب الرجعيين في البرلمان الرجعي، فهذه الأمور توكد فعاليتهم كنواب وطنيين وتقدميين في البرلمانات الرجعية، لكن مقالتكم تنحصر معهم في هذه الجزئية المغلقة، المكرر فشلها العام، رغم تنبيه المقالة لضرورة تكامل النشاط السياسي الجماهيري داخل وخارج البرلمان.

    غالبية تفاصيل موضوع الفعالية السياسية توجد خارج البرلمان.

    من أهم هذه التفاصيل ضرورة تغيير الطبيعة العامة للنظام البرلماني، إزاء ثلاثة بنى:

    1- بنية حرية السوق والاستغلال الطبقي،

    2- بنية الإستعمار الداخلي واستولاء المركز الحكومي على غالبية موارد الأقاليم، وتصرفه المجحف في هذه الموارد،

    3- بنية تأسيس الدور الطليعي للنساء في عملية التنمية.

    افتقاد المجلس المرتقب والحكومة المرتقبة للإمكانات القانونية والمالية الضرورة لتغيير وضع الدولة، تجعل تركيز مقالكم على فعالية وجود النواب الشجعان أمراً أكثر أهمية (في مقالكم) من أمر وجود برلمان فعال ! بينما المنطقي ان تركز الإسهامات التقدمية على التغيير المتكامل لجملة النظام السياسي بما في ذلك تكوين (البرلمان) على أسس جديدة.

    لوجود وتنمية نظام ديموقراطي متكامل، مهم أن يكون نظام التمثيل النيابي في البرلمان مفتوحاً لجميع فئات الشعب والمجتمعات العامة، وألا يقتصر على التمثيل الحزبي الكلاسيكي المتكرر فشله.

    تحقيق هذا الانفتاح يفرض مع وجود تمثيل حزبي، وجود تمثيل لشرائح الفئات المكونة للحياة المعيشية وهي فئات الرعاة، المزارعين، العمال، المهنيين، الحرفيين. وكذلك تمثيل مجتمعات العمل العام بداية بالمجتمع الأكاديمي، محتمع الحركة التعاونية، مجتمع المعاشات، مجتمع تنظيمات النساء، مجتمع تنظيمات الشباب، المجتمع العسكري، المجتمع التجاري، مجتمع الاعلاميين، المجتمع الديبلوماسي، المجتمع المدني، مجتمع المغتربين والمهاجرين، مجتمع الرياضة، الخ. وفوق ذلك يجب ان يتم تمثيل الأقاليم في مجلس رديف.

    انفتاح أسلوب هذا التمثيل وارتباطه بسلطة حقيقية يعالج، في ظروف السودان اليوم، أزمة طبيعة النظام البرلماني نفسه وبصورة أكثر فعالية مما كرسته مقالتي الرفيق لينين ضد مرض اليسارية وضد مرض الأوهام الدستورية.

    لتجويد هذا البناء الديموقراطي مهم ان تتكامل معه إجراءات محدودة ضخمة الأثر أهمها:

    1- قيام رؤوساء الأقسام في كافة المؤسسات العامة بانتخاب مديريهم وقيام مديري كل قطاع عمل بانتخاب وزيرهم،

    2- سيطرة الأقاليم على غالبية مواردها وعائدات صادراتها

    3- تحويل مؤسسات الإقتصاد إلى تعاونيات وشراكات عامة،

    4- إشراف هيئات الانتاج الكبرى وهيئات الاستهلاك الكبرى على ضبط السياسة المالية للدولة.

    5- الإنفتاح على هيئات الموارد العالمية الداعمة لأسلوب التنمية المستدامة والتبادل المتكافئي للمصالح.

    هذا التغيير المتكامل لطبيعة تكوين البرلمان ولطبيعة إدارة الإقتصاد، يزيد بإنتخاب جماعات العمل لمندوبيها في المجلس عدد الأعضاء المعبرين عن مصالح الجماهير، ومن ثم بتم تجنب البنية التي فشلت بها كل العهود البرلمانية في الفترات التي تلت سنوات 1954، 1956، 1964، و1985، وهي العهود البرلمانية التي أكلها الطير رغم وحود نواب شجعان في برلماناتها.

    الزيت: بالنسبة لقضية التغيبر العام لكينات ومهمات الدولة، فإن تغيير طبيعة المجلس ودوره أهم من تغيير بعض مداولاته، وتغيير البنية الفاشلة للمجالس والنظام البرلماني أهم من تحليتها.

  2. ما قاله الزيلعي هو الموقف الصحيح الذي يجب على الحزب الشيوعي اتباعه في ما يتعلق بالموقف من المجلس التشريعي.
    اما صديقي الماركسي جدا المسمي نفسو جعفر المنصور فأهمس لهو في أذنه أن دع الطفولية اليسارية يا زن………

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..