
حرية الرأي والتعبير بشتى أشكالها هي متلازمة لحالة توازن النفس و الفكر عند الأشخاص الأسوياء ، و كل مُغالط و مشتط في هذا المجال لا بد أن يكون في خلفياته الحياتيه و ماضيه التليد أو البعيد ما يفيد أنه يوماً ما عانى من الإضطهاد ، و بالخصوص الإضطهاد الفكري ، و لو تبدى ذلك في صور بسيطة تحكي عن ممارسات يومية عادية داخل الأسرة أو خارج نطاقها في زمن الصغر ، فتسلط الآباء و الأمهات من المؤكد أنه سينتج أبناء غير قادرين على التعبير عن أنفسهم بوضوح ، و تراهم دوماَ جانحون إلى المناطق المظلمه ولا يعجبهم سفور الضوء و شعاع الحقيقة ، مصابين دوماً بداء الخجل و الإرتباك و الخوف من الآخر و الركون إلى دوائر الشك في كل شئ ، فالريبة و الرهاب بمعنى الخوف المرضي من كل ما يُعتبر عادياً و غير مُخيف ، هو بالأساس نتاج رواسب نفسية يعاني منها الطفل في الصغر ، و هي أمور متعلقة بالتربية النفسية و التدريب التربوي داخل البيت و المدرسة في مسائل الإعتماد على النفس و الإعتداد بها في غير غرور و لا خيلاء و ذلك لا يتأتى إلا إذا أفسح الأبوين و المعلمين في المدارس و لا سيما الكِبار في المجتمع المحيط ، المجال للصغار حتى يُعبِّروا عن أنفسهم بشتى الطرق المنطقية و المطابقة لقواعد السلوك القويم المتفق عليه على المستوى الإنساني ، و ذلك في مجمله يجعلنا نتطرق إلى أساليب و أدوات إتاحة هذا المطلب الفطري الهام لدى أطفالنا و التي يأتي في مقدمتها مبدأ الحوار و المجادلة المتزنه و المفيده ، و ليعلم الكبار من الآباء و المعلمين الذين يعتقدون أن كثرة الجدال و النقاش التي يمارسها تجاههم أطفالهم ليست إلا ( لماضة و قِلة أدب ) .. متناسين أن الحوار و الجدل المتوازن هو أسمى أدوات المعرفة و أهم أولويات البناء النفسي و الفكري لدى الأطفال و هم إذ يقومون بذلك إنما يدفعهم دافع فطري في خِلقة رب العالمين قد جُبلوا عليه ، و أيي محاولة لكبته أو هدمه في دواخلهم ستقود إلى تعويق نفسي و سلوكي لا بد أن يظهر يوماً ما سلباً في حياتهم المستقبلية ، فضلاً عن ما سينتج عن ذلك من إخفاقات حقيقية على واقع تجاربه و ممارساته الحياتيه ، أما الطامة الكبرى و المشكلة الحقيقية فتتمثل في كونه سيطبق نفس المبادئ و المعايير التي تربى عليها على أبنائه في المستقبل مما سيخلق شبه منظومة متواترة لمجموعة من الأشخاص مقدرة في أعدادها يُعانون من إشكالية الحرمان من حرية التعبير ، و بذلك يكون الإيمان بحرية التعبير و إبداء الرأي بشتى الوسائل و السبل هو في الأصل مبدأ فطري إنساني ، رعته الأديان و في مقدمتها الإسلام ، ثم قدسته المنظمات الدولية و أولته الأمم المتحدة إهتماماً أدى إلى تدوينه كقانون أممي دولي ، و وِفق مؤشراته يُقاس رُقي و نماء المجتمعات و الأنظمة السياسية ، هذه المفاهيم البسيطة عن حرية الرأي و التعبير ، بعض ما يجعلنا ننحاز إلى الخيار الديموقراطي حتى و إن شابته شوائب الدهر و أفعال البشر لأنه يُعري نفسه و يفضح إخفاقاته بفضل ما يكفله من ( حرية الرأي و التعبير ) .. ليصبح أمر التقويم ممكناً طالماً إنكشفت مواطن الخلل.
هيثم الفضل