مقالات متنوعة

هل يتماهي القرآن الكريم مع نفسية القارئ، أم هو الهوى؟

صديق النعمة الطيب

ما سر العُبُوس الدائم على محيا كل من يطالب بتحويل كتاب الله الذي قال فيه عزَّ من قائل (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) إلى دستور وتشريعات قانونية جامدة لعسكرة الناس بآية السيف التي قالوا أنها نسخت كل آيات المودة والرحمة مع المخالف، ولماذا يساورهم احساس (مُر) بأن هذا الدين في خطر عظيم، وأن الله تعالى والعياذ بالله عاجز عن حفظ دينه وقد أوكل لهم هذه المهمة الخطيرة، رغم أن هذا القرآن مرَّ بأهوال أمراء الفسق والعهر والغلمان والقيان وهجمات المغول والتتار، ثم وصلنا نقياً طاهراً كما نزل أول مرة!!

ثم بالمقابل ما سر الابتسامة العريضة والوضاءة عند أهل التصوف، وما سر انحيازهم التام للمحبة (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، حتى قال قائلهم (الما عندو محبة ما عندو الحبة)، بل ذهب ابن العربي إلى أن قال (أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبة، فالحب ديني وإيماني)، ولماذا اشتهر الانسان السوداني بهذا التسامح والحب في كافة بقاع العالم، والقرآن هو هو لم يتغير ولم يتحور!!!

ليس القصد من هذه المقابلة القيام بعملية تقييم للفريقين وأيهما على حق، فتلك مهمة القارئ، ولكن أود فقط من خلالها أن أحرك العقول لمساءلة المسلمات، جرياً على نهج أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، سبحانك ربي ما أعظم نزعة الشك في حصولها على اليقين، والتي قال فيها الغزالي (من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال)، وهذا هو الشك المنهجي المحمود الذي ينتج المعرفة، بينما الشك المذهبي هو المذموم، حيث أنه ينتهي بالشك في كل ثوابت العقل، وبالتالي تصبح معه المعرفة (عدمية) مستحيلة.

من الآيات القلائل التي أجمع على تفسيرها المفسرون هي (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)، حيث أنهم قالو بأن (به) هنا تعود إلى القرآن الكريم، والآية تشير إلى أن الجهاد بالقرآن، ليقفز السؤال مباشرة، لماذا حصر (السلف) مفهوم الجهاد في القتال؟ ثم جعلوا القتال ذروة سنام الاسلام، دون أن نسأل ما الفرق بين الجهاد والقتال، تأمل يا صديقي قوله تعالى (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ).

مفهوم الجهاد في هذه الآية هو أن نقيم الصلاة وأن نؤتي الزكاة وان نعتصم بحبل الله، هذا هو الجهاد بكل بساطة ونقاء، فلا تخف أيها المسلم من (عقلك) ومن طلاسمهم وأقوالهم الاصطلاحية العصيِّة على الفهم، أنت لست بمكلف أن تقاتل غيرك للقيام بهذه الفروض، فمهمة الرسول نفسه صلوات ربي عليه اقتصرت على البلاغ (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) وبالتالي ليس مطلوباً منك لعب دور (الإله) والعياذ بالله، فأمرهم أمر دنيا حرفوا معنى القرآن من كونه آيات للتعبُّد الرُّوحي الخالص، وللصلاة الرُّوحية المتحررة من مغريات السلطة وجشع المال والسياسة، ومن اتصال العابد بربه بلا وسيلة ولا رهبان ولا أحبار ولاشيوخ ولا أزهر ولا هيئة علماء ولا افتاء ولا اخوان، إلى دستور جامد وفتاوى ملزمة ومسودة قانون للحكم، يملكون هم حصراً مذكراتها التفسيرية، فجعلوا من القرآن وسيلة للوصول إلى الحكم، كما فعلها سلفهم من قبل حين رفعوا القرآن على أسنة الرماح، وكما يفعلها اليوم اسلاميو مصر وتونس والسودان وايران والسعودية وطالبان وداعش والنصرة والقاعدة.

استنطقوا الصمت التشريعي في النص القرآن، وحملوه حملاً على البوح بما تهوى أنفسهم، متخذين بذلك إلههم هواهم (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ )، في مخالفة صريحة جداً لما أُثر عن الرسول الكريم صلوات ربي عليه وسلامه (إنَّ اللهَ فرضَ فرائضَ فلا تُضيِّعوها ، و حَدَّ حدودًا فلا تعتَدوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها وحرَّمَ أشياءَ فلا تنتَهكوها وسَكتَ عن أشياءَ لَكم رحمةً فلا تبحثوا عنْها)، هكذا هو الدين بكل بساطة بعد أن نخلصه من رُكام التراث الذي غيَّر معالمه.

إبتسم أيها المسلم وأضحك، أضحك الله سنك ولا تتجهم، فإن تبسمك في وجه أخيك صدقة، ولا تهتم لفعل غيرك بعد أن وصلهم البلاغ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ). تدبر القرآن وافهمه كما شئت ولكن حذاري أن تحمل غيرك على فهمك فأنت مكلف في حدود ما تفهم فقط!!!

 

صديق النعمة الطيب

[email protected]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..