أهم الأخبار والمقالات

علم السودان يرفرف بحرية بعد أن كان حمله جريمة في عهد الإنقاذ.

منوعات الراكوبة

الخرطوم: حواء رحمة
كان الشعب في ذكرى عيد استقلال يسمع لرائعة الفنان محمد وردي (اليوم نرفع راية استقلالنا) عبر الإذاعة والتلفزيون الذي كان يعتمد على صور أرشيفية، ثم تعلن الحكومة عن عطلة ليوم واحد احتفالاً بهذه المناسبة، لا تصاحب ذلك أي مظاهر احتفالية، بل تُخصص حفلات خاصة لكبار رجالات الدولة بالقصر الجمهوري بحضور الرئيس المخلوع وغيرها من الوزارات؛ يحتفلون ويرقصون وينام الشعب محتقنا بالغيظ، وذلك لأن الحكومة تمنع التجمهر والندوات الخاصة بالمناسبات الوطنية العظيمة خوفاً من تحولها إلى منصات انطلاق لتغيير النظام. كان علم البلاد يعلَّق على الوزارات فقط ولا تجد الشوارعُ والأحياءُ حظها من رفرفة العلم، بعكس ما يحدث في دول أخري حينما تحتفل بذكرى نيلها لاستقلالها.
كان حمل العلم جريمة إبان انطلاقة التظاهرات الرافضة لاستمرار نظام المخلوع البشير والمطالبة برحيلة، كانت حملات جهاز الأمن تستهدف التجمعات والتظاهرات داخل الأحياء، حتى وصل بها الأمر إلى مطاردة كل من يحمل علماً في يده ويتم اعتقاله بتهمة التحريض ضد النظام. كان الثوار والثائرات يعملون على إخفاء العلم والبوسترات واللافتات والمنشورات في حقائبهم، أو حتى تصل بطريقة أو بأخرى للمواكب، حتى جاء فجر الانتصار، وأصبح العلم يرفرف في كل مكان وتحمله كل فئات الشعب كباراً وصغاراً وقد تحرر العلم أخيراً.


حملة (حنبنيهو)
أثناء اعتصام القيادة العامة كان الفنانون والرسامون والتشكيليون يقومون برسم علم السودان على خدود الثائرين والثائرات، والأطفال، كان هذا المشهد يعبر عن حرمان هذا الشعب من ممارسة وطنيته وحريته، وقد أحس أخيراً أنه تحرر من قبضة النظام المهووس الذي كان يعتقل حتى حملة الأعلام، حملة (حنبنيهو) التي بدأت في الأحياء عقب الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، أحدثت تغييراً في مفهوم الوطنية لدى الكثير من الشباب الذين تم تغييبهم طوال سنوات حكم الإنقاذ، والآن في أكثر من حي ومدينة تجد العلم مرسوماً شامخاً أو مرفرفاً بحرية، وعلى امتداد شوارع العاصمة أصبح العلم هو المشهد الأبرز.
علم أسير فوق تاتشر
كل السودانيين يذكرون ذلك العلم الذي اعتقل صاحبه وقامت قوات نظامية بسحله على عربة تاتشر بصحبة آخرين، وظل العلم مرفوعا وخد الشاب الشجاع يلامس سخانة الحديد والشمس من فوقه تلسع جسده! رغم الضرب والإهانة لم يتخلَّ عن رمز النضال، بل ظل مرفوعاً. تلك الصورة التي جسدت الجسارة والقوة والإصرار على الكفاح من أجل الخلاص أصبحت أيقونة من الأيقونات التي رسمت ملامح الثورة.
ضبط العلم جريمة
لم يكن السودانيون يعلمون بأنه سيأتي يومٌ ويصبح العلم من المعروضات في البلاغات التي تفتح في مواجهة المتظاهريين! هذا ما حدث إبان انطلاق الثورة، قبل أن يتحرر العلم من قبضة النظام ويرفرف بحرية لحظة وصول الثوار إلى مقر القيادة العامة للجيش. كان الثوار يلوحون به مبتهجين، وانهمرت دموعهم من شدة الفرح، فكانت بداية النصر والخلاص من عهد الظلام. لقد رأى الكثيرون كيف كانت الأعلام ترفرف مع الأضواء ويتوشح بها الصغار والكبار. الشهداء موشحون بالأعلام. كم من ثائر سقط شهيداً يرتدي العلم شاهراً علامة النصر! الأخ الصغير للشهيد معاذ عبدلله، من منطقة جبل أولياء، كتب ذات مرة: “أخي استشهد وهو يرتدي العلم، لم يسقط علم السودان وقد فداهُ بروحه”، وظل يكتب عن أخيه ويفتخر بأنه على الرغم من سقوطه برصاصة في الرأس، إلا أنه لم يترك العلم؛ لقد سطر اسمه في تاريخ الوطن. ليس الشهيد معاذ وحده من مات وكان كفنه علم بلاده التي ناضل من أجلها، لقد كانوا أرواحاً دفعت ثمناً غالياً لأجل عبور السودان نحو المجد.


أحلام تتحقق
“منذ أن جاءت حكومة الإنقاذ مارست على الشعب السوداني أصنافاً من العذاب، وحرمتهم من الاحتفال بالمناسبات الوطنية، بما فيها الاستقلال الذي كان حكراً عليها”؛ بهذه العبارات تحدث إبراهيم يعقوب (موظف)، وأضاف: كان يتم رفع الأعلام على الوزارات والمرافق والمؤسسات الحكومية، كما تقام احتفالات يتم فيها تمجيد الإنقاذ، وفي ذات الوقت يتم تغييب الشعب السوداني عن هذه المناسبة الهامة، لقد عشنا عهداً من الحرمان من الحقوق حتى أبسطها. عباس سيد أحمد قال: علم السودان ظل شامخاً بالرغم من أنانية النظام الهالك الذي حاول سرقة البلاد حتى علمها، إلا أن الجيل الواعي (الشفت) لقن الإنقاذ درساً في الوطنية فحتى الأطفال أصبحوا يحبون الوطن ويهتفون باسمه وينادون بالمدنية بصوت طفولي جميل. في ذات السياق قال علي عبد الكريم: علمنا لن يسقط وسيظل مرفوعاً، ما دمنا نملك إرادة هذا الجيل (الراكب رأس) ، وهاهي الأعلام ترفرف متحررة من قبضة النظام الذي لم يحترم قادتُه إرادة هذا الشعب الذي ثار من أجل كرامته ومن أجل حقوقه المشروعة التي كفلها له القانون والدستور، لقد ولَّى عهد تكميم الأفواه والشعب قالها بصوتك عالٍ: (تسقط بس)، وقد سقطت حكومة الظلم والذل التي تجبرت وتكبرت على هذا الشعب الحكيم”، وأردف: المطلوب من الحكومة الجديدة أن توفر لهذا الجيل حقه في التغيير والسماح له بالتعبير عن أحلامه التي رسمها على كل جدران يحلم بوطن فيه مساوة وعدالة.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..