الوزير حسن والوزيرة إنعام.. عين السخط وعين الرضا

لا شك عندي أن نسبة عالية من السودانيين، يقدمون العاطفة على العقل، والعلاقات الشخصية على ما هو عام، بحيث أن من السهل على أحدهم أن يدافع وينافح عن صديق له مهما تناثرت الأدلة حول أن صديقه هذا على خطأ، بل ربما في بعض الأحيان يقرُّ أحدهم هذا بأن صديقه على خطأ ولكنه سيظل يدافع عنه بكل ما أوتي من قوة، وتحضرني هنا حادثة شركة كومون الشهيرة، حين اتهمها القيادي بالمؤتمر الوطني وعضو البرلمان محمد الحسن الأمين بأكل أموال الناس بالباطل بل وصفها بالمشبوهة التي تستجوب مساءلتها تحت طائلة قانون الثراء الحرام والمشبوه. وقد نشط في الدفاع عنها أثناء تلك الزوبعة قيادات من العمل الصحفي والإعلامي منهم الصحفي الأستاذ ضياء الدين بلال والأستاذ عادل الباز، وفي نقاش محتدم حول هذه القضية بين مجموعة من الصحافيين والكتاب والمثقفين، صرَّح عادل الباز بأنه يدافع عن الشركة لأن صاحبها صديقه.. هكذا قالها الأستاذ عادل الباز(بدافع عنو لأنو صاحبي)! الغريب في الأمر أن الأمر حُسم بمجرد أن أصدر رئيس الجمهورية أمره بتصفية الشركة ولزم الجميع صمتاً كريماً.
ما كان ما سبق إلا مدخل لموضوع يدعو للاندهاش من التركيبة العجيبة والمواقف المتباينة لبعض الناس، والذي لا أجد له تفسيراً إلا سيطرة العاطفة على عددٍ كبير من االعاملين في المجال العام في السودان خصوصاً في جبهة المعارضة، عوضاً عن العقل المتزن الناصح الذي يضع الأمور في مكانها الطبيعي وتتسق وفقاً لذلك المواقف مع المبادئ دون شبهة(Conflict of interest)! فعند اعلان حكومة ولاية الجزيرة، برز اسم ناشطة معروفة وشهيرة وذات باع في الأسافير وعلى الأرض، وهي الأستاذة انعام عبدالحفيظ، حيث تسنَّمت مقاليد وزارة الثقافة بالولاية المذكورة، فهنأها نفر من أصدقائها بالمنصب المذكور متمنين لها طول الإقامة وتجويد العمل، وشدَّ آخرون على يديها مؤكدين أنها (قدها وقدود)! وعندما حدث الأمر نفسه مع الأستاذ والكاتب حسن اسماعيل وذلك بتعيينه وزيراً للحكم المحلي بولاية الخرطوم، انهال عليه القوم باللوم بل والشتائم كونه قبل بهذا المنصب، بل ذهب بعضهم إلى القول بأنه كان” أصلاً غواصة” وقد كان متوقعاً أن يميط اللثام عن غوصنته تلك على أي حال! لا خلاف أن المناصب الحكومية في زمان الانقاذ تورد صاحبها موارد التهلكة السياسية، بل تضع على عاتق من يتسنمها وزر سنين الانقاذ كلها، ولكن، أحلال على بلابل انعام الدوح، وحرام على طيور حسن اسماعيل الشقشقة؟!
الأستاذ حسن اسماعيل الذي انقسم في وقت سابق مع السيد مبارك الفاضل، تاركاً حزب الأمة القومي بقيادة الامام الصادق المهدي، كان أيام وجوده في الجامعات من بين أسلط كوادر حزب الأمة لساناً، وقد رأيناه في فترة التسعينيات وهو يصول ويجول في ساحات الجامعات كالأسد الهصور، مُلقناً الانقاذ ومنسوبيها دروساً في فن الخطابة والنقد اللاذع، وواجه الاعتقال عدة مرات مثل غيره من كوادر الأحزاب من طلاب الجامعات، وبعد حين، تحول لكاتب في الصحف اليومية مُتحرِّفاً اللغة السلسة البسيطة، دون أن يحيد عن ملاحقة الانقاذ وكشف الفساد ومواجهة الوزراء والمسؤولين بما ثقل من وثائق وما اتزن من تحليل.
أما الأستاذة انعام فقد كانت كذلك في الصف المناوئ للحكومة وكانت معلنة عن اتحاديتها التي لازمتها والتزمت بها من سني الجامعة، ولكن وعلى الرغم من الهدوء الذي تتسم به في مواقفها، فإنها لم تفتأ تكيل للحكومة وجماعتها من غليظ القول ومرَّه. فها هي عبر صفحتها في الفيس بوك تتضجر من ممارسات الحكومة، وذلك قبل أشهر قليلة من تقلدها لمنصبها الجديد حيث تقول: (الحكومة دي اشتاقت للمظاهرات ولا شنو؟ ما يجيبوا لينا الموية يجيب آخرتهم يا رب). كما أنها تؤكد في وقت سابق ودون مواربة أن خدمة البلد لن تكون أبداً عبر المؤتمر الوطني، حيث كتبت في موقع سودانيزاونلاين الشهير معبرة عن موقفها هذا في إشارة لحديث مع أحد أصدقائها ممن انضموا للمؤتمر الوطني: (إختار عمر أن ينضم للمؤتمر الوطني ليخدم بلده لا أشك في هدف عمر (خدمة بلده) ولكنني أجزم بعدم جدوى الوسيلة (وهي عبر المؤتمر الوطني) وكان هنا خلافنا). كما كتبت في مجال آخر مشيرة للحكومة: (نعم تلك الفئة لا ترى غير حقيقة وجودها هي فقط، أرادت أن تمسح كل القيم وكل التقاليد الجميلة التي تزيَن مجتمعاتنا وتربينا عليها، هي فئة باغية ظالمة ولكن لها أمد قريب)… كما قالت في موقع ثالث مشيرة لقانون النظام العام ومساوئه: (نسوا أنهم بذلك يكتبون مزيد من شهادات سوء أخلاقهم.. له الله وطننا استباحه ذوو الأخلاق الفاضحة). انتهت الاقتباسات. إذاً والحال كذلك وبما أن الاثنان ينتميان لأحزاب قريبة من النظام، وبما أنهما قد استوزرا مع الانقاذ، فدعونا نضع بعض الأسئلة لمن ابتهجوا فرحاً باستوزار الأستاذة انعام وجُئثوا فرقاً من استوزار الأستاذ حسن اسماعيل: ما الفرق بين الانتساب للمؤتمر الوطني ومن اختار أن ينضم لحكومة المؤتمر الوطني؟! ثم كيف لمن تثبَّت من سوء أخلاق قوم، أن يطيب له المقام في الجلوس بينهم، وما الذي تغير في الحكومة وقوانينها حتى يجد وزيراً فيها الاحتفاء ممن يدَّعون معارضتها؟ وما الذي يديم على انعام صفة المناضلة الشريفة وينزع عن حسن صفة المنازل الشرس؟ هذه الأسئلة وغيرها ليست فقط للاجابة، ولكنها بغرض رجَّ هذه المواقف النشاز التي تجعل من انعام منصورة وحسن مكسور، وبغرض إزالة الغشاوة عن عين الرضا التي يُنظر بها لانعام حتى تتساوى مع عين السخط التي تحدر لحسن!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لا فرق بين حاج أحمد و حاجة حميدة و الفرق في التبعات كما في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين.

  2. لا فرق بين حاج أحمد و حاجة حميدة و الفرق في التبعات كما في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..