أخبار مختارة

من صلب الوثيقة – كيف يُعاد بناء القضاء والنيابة !!

سيف الدولة حمدناالله

يُشكر للدكتور حمدوك أنه أول صاحب صوت يتجاوز ربط إصلاح الأجهزة العدلية بتعيين رؤساء للقضاء والنائب العام، ويربط ذلك بضرورة إحداث إصلاح شامل بالمحكمة العليا والمحكمة الدستورية وفق ما ورد بلسانه عند لقائه بأبناء الجالية السودانية في أبوظبي، ذلك أن الرئيس في هذين الجهازين ومهما أوتي من عزيمة ومعرفة وتصميم، لا يستطيع تحقيق الإصلاح المنشود وكوادر التنظيم لا تزال تسيطر على هذه الأجهزة، بيد أن هذا التصريح يحتاج إلى تصويب طفيف في العبارة حتى يستوي المطلوب ويتحقق الهدف المنشود.

ونبتدر التعليق بأن عملية إصلاح القضاء والنيابة، ليست من إختصاص الحكومة التي يرأسها السيد حمدوك (وإن كان له دور في ذلك نُشير إليه لاحقاً)، كما أن التعبير الدقيق بحسب مطلوبات الوثيقة الدستورية أنها ليست عملية (إصلاح)، والصحيح أنها عملية (إعادة بناء) للأجهزة العدلية (القضاء والنائب العام) وقد ورد ذلك بالمادة الخامسة (مهام الفترة الانتقالية) من الوثيقة والتي تنص في بندها الثامن على إلتزام أجهزة الدولة بالقيام بعملية “إعادة بناء المنظومة الحقوقية والعدلية بما يضمن إستقلالها”.

كما جعلت الوثيقة الدستورية من مهام الحكومة الإنتقالية “تفكيك بنية التمكين الذي جاء به حكم الإنقاذ” وقد ورد ذلك بالبند السادس عشر من نفس المادة.

والحال كذلك، فإن إعادة بناء القضاء والنائب العام أمر حتمي ومُلزِم للحكومة الإنتقالية، ولا يتوقف الأخذ بهذه النصوص أو إغفالها على إرادة أو رغبة الحكومة في القيام بهذا الواجب، وإذا ما تعارض تحقيق هذه الأهداف مع القناعات الفكرية لأي صاحب منصب في أي جهة ذات صلة بتنفيذ ما ورد، بما في ذلك رئيس القضاء أو النائب العام أو أي عضو بالسيادي أو الوزراء، عليه التنحي من مقعده لا أن تُنحّى له هذه الأهداف، والقول بذلك بهذه الثقة يُستمَد ممّا نصّت الوثيقة الدستورية في صلبها (المادة الثالثة) التي تقول أن الوثيقة هي القانون الأعلى بالبلاد وتسود أحكامها على جميع القوانين، ويُلغى أو يُعدّل من أحكام القوانين ما يتعارض مع الوثيقة بالقدر الذي يُزيل التعارض.

تبقى فقط الإجابة على السؤال: ماذا تعني عبارة “إعادة بناء أجهزة العدالة” وماذا تعني عبارة “تفكيك التمكين” الواردتين بالوثيقة فيما يلي جهازي القضاء والنائب العام ؟

المعنى اللغوي والقانوني الواضح لعبارة “الإصلاح” أنها تعني الترميم، فيما تعني عبارة “إعادة البناء” أن يتم التشييد من جديد، وقد شهد السودان تجربة مُماثلة في إعادة بناء القضاء، وقد حدث ذلك عقب إضراب القضاة في عام 1983، فيما عُرِف بقرار “البِنية القضائية”، الذي شكّل بموجبه الرئيس الأسبق جعفر النميري لجنة برئاسة نائبه عبدالماجد حامد خليل، قامت بإعادة تسكين القضاة بالدرجات المختلفة من واقع ملفات خدمتهم، وفي بحثها عثرت اللجنة على حالة لأحد قضاة الأحوال الشخصية عمل بالقضاء لسنوات طويلة بمؤهل ليسانس آداب قسم جغرافيا، وتمّ عزله.

القضاء هرم مقلوب، يتم بناؤه من أعلى إلى أسفل، ويبدأ بنائه بتشكيل محكمة عليا من ذوي الخبرة والدراية والمقدرة على إستنباط القواعد والأحكام وتفسير القانون، وهو ما كان عليه الحال في عهود ما قبل الإنقاذ، وأهمية المحكمة العليا تكمن في أنها الجهة التي تُرسي السوابق القضائية التي يسير على هديها بقية القضاة على سبيل الإلزام، لتأتي أحكامهم مُتسِقة في القضايا المُتشابهة بحيث لا يتوقف مصير المتهم على قسوة قلب القاضي وشططه أو ما يملأ قلبه من عطف ورحمة.

ثم يتوالى بعد ذلك بناء وتشكيل المحاكم الأدنى من بين الجديرين والمؤهلين وذوي الإستقلال من القضاة ووكلاء النيابة الحاليين وتعيين آخرين من بين الراغبين الذين حُرِموا من الإلتحاق بالقضاء والنيابة خلال حكم الإنقاذ، وتتوفر فيهم ذات الشروط والمعايير المذكورة.

عند عملية إعادة البناء، سوف تظهر حالات لقضاة جرى تعيينهم أثناء حكم الإنقاذ بلا مؤهل في القانون، وآخرين عملوا قضاة وفي ذات الوقت مُخبرين لأجهزة أمن الإنقاذ، وبينهم أصحاب الولاء (العلني) للتنظيم السياسي المخلوع، ومن إلتحق بالعمل السياسي والتنفيذي في أجهزة الإنقاذ عن طريق الإعارة أثناء فترة ولايته بالقضاء والنيابة.

“إعادة بناء” أجهزة العدالة هو المعنى الآخر لعبارة “تفكيك التمكين” اللذان نصّت عليهما الوثيقة الدستورية، وقد كان القضاء والنيابة أكبر مسارح لعمليات “التمكين” التي قامت بها الإنقاذ لكوادرها لأسباب واضحة ومعلومة، فقبل أن تُكمل الإنقاذ شهرها الثالث في الحكم كانت قد قامت بفصل نحو ثلث عدد القضاة العاملين من مختلف الدرجات، ثم تقدم عشرات من القضاة الآخرين بإستقالاتهم من العمل إما إحتجاجاً على عزل زملائهم أو عزوفاً منهم عن العمل في قضاء يفتقر لأدنى درجات الإستقلال، وقد إنتهى الحال بإفراغ القضاء من ثلثي كوادره في العمل.

ثم قام النظام بتعيين كوادر التنظيم من بين المحامين كما إستقطب عدد من أبنائه من القانونيين المُغتربين بالسعودية واليمن ودول الخليج وقام بتسكينهم في مختلف الدرجات بأجهزة العدالة، ثم فتح الباب لتعيين طلائع كوادر التنظيم الشباب في أسفل السلم بذات المعيار “التمكين”، والذين بلغوا اليوم وبعد مضي كل هذه السنوات أعلى المراتب بالمحكمة العليا ومحكمة الإستئناف.

حتى لا نظلم شرفاء وأبرياء من الزملاء، نبادر بتوضيح حقيقة أن هناك عدداً من القضاة لا علاقة لهم بالتنظيم كما ان كثيرين ممن واصلوا العمل بالقضاء والنيابة بقناعات مختلفة، وقد أبلى كثير منهم في أعمالهم وكانت لهم مواقف مشهودة ومعلومة. كما أن هناك من دخل الخدمة بالقضاء والنيابة من بوابة “التمكين” ولكنهم أثبتوا مهنيتهم وإستقلالهم، وهؤلاء جديرين بالاستمرار في عملهم.

تبقى بعد ذلك الإشارة الى الدور المطلوب من حمدوك ومجلس وزرائه، وهو التمسُّك والإصرار أمام مجلس السيادة على تحقيق هذه الأهداف بالسرعة المطلوبة.

الأمل ان يُعهد بعملية إعادة بناء السلطة القضائية والنيابة إلى لجنة من قانونيين يتم إنتقائهم بمواصفات يُراعى فيها الإستقلال والحياد، وأن تكون اللجنة برئاسة رئيس القضاء والنائب العام – بحسب الحال – بعد إكتمال تعيينهما، وأن يُعهد إلى هذه اللجنة، بالمرة، تعيين المجلس الأعلى للقضاء ومجلس النيابة العالي وفي ذلك مخرج لما غفلت عنه الوثيقة من بيان للكيفية التي يتم بها تشكيل المجلسين.

[email protected]
نشر بتاريخ 8 أكتوبر، 2019

‫18 تعليقات

  1. الان على الحكومة
    اما فصل غير المؤهلين بسرعة
    او تعين قضاة المحكمة العليا والنائب العام
    جميعا …. ذلك ان الوقت ليس فى صالح الشعب
    والثورة …

  2. قطعت جهيزة قول كل خطيب
    مولانا جاب التائهة
    ليس أمام مجلسى السيادة و الوزراء سوى تنفيذ ما ورد فى الوثيقة الدستورية.
    و أيضا لا نظلم ساطع و ابتسام السنهورى.

  3. كلامً فارغ

    عاوزين عملي
    كلام خلاص شبعنا منو

    ادونا الزبدة

    جاي

    بعد شهر تشرح لينا
    ياخي اتعلمو تحترمو الشعب
    وتطلعو اول بي اول تقول الحاصل

    حاول طور نفسك شًوية
    حسي الناس في ثورة حصلت

    طيب الكيزان الفي واسرحو ذي ماعاوزين
    شركات شغالة
    عاوز اهرب مافي مشكلة اهرب طوالي
    ونحن بنتفرج

    في عنصرية واضحة
    وحمدوك مفرمل
    بجدع في الكلام

    رئيس وزراء هو بختار الوزارء
    مش قحت

    قحت محتكرة توزع للملتزم ب كلام قحت

    دة كلام فاضي
    طلعتو من البشير
    وقعتو في قحت

    حمدوك اختار هو
    الوزير ماعجبو من الموجودين حاليا اطردو

    غير كدة
    ابقي ضحك علي الدقون

    1. قال سوداني أصيل قال!
      يبدو إنو كان قُلَّة لما قرا المقال.. وبعد الانتهاء من القراية بِقى قادوس….. وما عليك، يا مولانا سيف، إذا لم تفهم البقرُ!!

  4. عندما ينتقد مولانا فإنه يكون حادباً على مصلحة الشعب و هو في قرارة نفسه يعلم أن الحرية و التغيير و السلطة المدنية بقيادة حمدوك ، نتاج ثورة الشعب و أن الشعب السوداني مشارك في المسؤولية (بعدت أم قصرت هذه المسؤولية حالياً ، فإن تنظيمها و تفعيلها مع مرور الزمن سيثبت عظمة شعبنا المارد)

    الأفكار التي وردت في المقالة توضح للشعب الحقائق و تدعم حكومة حمدوك و بالأحرى ليس لنا طريق غير هذا لنجاح ثورتنا و تحقيق أهدافنا و إستمرار ذلك بعد فترة الحكومة الإنتقالية.

  5. سعادة المستشار طرح طرحا نظريا و لكن المشكلة هي في التطبيق ’.
    يحتاج التطبيق الى أشخاص من نفس البيئة القضائية و من المشهود لهم بالنزاهة و بعيدا عن الحزبية فمثلا قامت لجنة ازالة التمكين و هي غير مؤهلة بتقديم قائمة لفصل عدد من القضاة و وكلاء النيابة.
    الوضع اشبه بالفئران التي اتفقت على وضع الجرس على القط لتنبيههم و لكن المشكلة من سيعلق الجرس على القط.

  6. اين كنت عندما تم التوقيع علي الوثيقة الدستورية .؟؟
    الوثيقة الدستورية مخالفه للدستور ولذلك حتي هذة اللحظه لم تشكل المحكمة الدستورية .. راجع الوثيقة يامولانا .
    الكل يعلم ان هذة الثورة قام بها شباب دفع حياتة من اجل حرية سلام وعدالة وقدم نفسه فداء لذلك . انتهي دورها بسقوط النظام وفتحت الطريق للرفقاء اصحاب الخبرات والسياسين لمواصله المسيرة مسيرة الحريه والسلام والعدالة
    كان امل الشعب بعد سقوط الدكتاتور والشرزمة ان ياتي رجال يحملون الامانه وينشرون العدل بين الناس كما تنشر الشمس إشعتها علي الارض وكنت اتسال دائما اين السياسيين الذين كانوا يطلعون في وسائل التواصل الاجتماعي يهتفون ضد العسكر يكتوب ضد الكيزان يفضحون عمائلهم يهتفون ضد الظلم ضد العسكر ضد القهر . اين انتم .. لماذا هذا الصمت .. وحتي الذين تم قبولهم لهذة المناصب من تلقاء أنفسهم لم يقدموا شئيا والغريب يصرحون به علانية أمام الملاء ان الدوله العميقة لا زالت تسيطر في اتخاز القرار ؟؟ تبا لكم ولهم ..
    والان جاءوا بالخزل والهرب والجبن الانسحاب وتقديم الاستقاله ؟؟ اذا كنت انت لست قويا لماذا وافقت اولا لماذا .. اين سلاحك اين انت من دم الشهداء اين انت من ربك ..
    من يريد العمل من اجل حرية سلام وعداله والقصاص مرحبا به
    نحن نريد رجالا ..
    المجد للشيطان معبود الرياح
    مَن قال “لا” في وَجْه مَن قال “نعمْ”
    مَن علَّم الإنسانَ تمزيقَ العدمْ
    وقال “لا” فلم يمتْ وظلَّ روحًا أبديةَ الألمْ.

    1. الوثيقة الدستورية مخالفه للدستور؟؟؟؟؟؟؟؟ اي دستور؟؟!!! ينطبق فيك القول: لا يدري ولا يدري انه لا يدري فذلك جاهل فاجتنبوه يا mizo

      1. ماتقعد تنظر سسسسساي وترد بدون علم راجع الوثيقه وتعال ناطي .. في الوثيقه فقرة تنص علي عدم فتح بلاغ جنائي في اي عضو من اعضاء المجلس العسكري ؟؟؟؟ وهذا مخالف للدستور لان القانون لا يحمي المجرمين فهذة الفقرة ضد الدستور ؟؟ سالت سؤال ياريت ترد يامثقف يامحترم . لماذا لم تشكل المحكمه الدستورية حتي الان ..
        ولماذا لم يشكل المجلس التشريعي ( البرلمان ) حتي الان رقم نص الوثيقه يامحترم ينص علي تشكيل المجلس التشريعي بعد ٦ شهور من التوقيع علي الوثيقه يامحترم ..

      2. يبدو أننا دخلنا حوش البقر………..
        وما عليك، يا مولانا سيف، إذا لم تفهم البقرُ!!

        1. بقر ياعجل .. إتحداك وإتحدي البقر وإتحدي مولانا اذا لم يكن في الوثيقة الدستوريه ماهو مخالف للدستور ..
          سؤال لك ياعجل والي مولانا ..؟
          لماذا لم يتم فتح بلاغ جنائئ . / ضد / الكباشي . رغم اعترافه بفض الإعتصام .؟؟ جاوب وخلي مولانا يجاوب ..
          وراجع الوثيقة ياعجل حتي لاتقل كما قال بني إسرائيل ( البقر تشابه علينا)

  7. اولاً قلت (كما جعلت الوثيقة الدستورية من مهام الحكومة الإنتقالية “تفكيك بنية التمكين الذي جاء به حكم الإنقاذ” وقد ورد ذلك بالبند السادس عشر من نفس المادة).
    ثم قلت (كما أن هناك من دخل الخدمة بالقضاء والنيابة من بوابة “التمكين” ولكنهم أثبتوا مهنيتهم وإستقلالهم، وهؤلاء جديرين بالاستمرار في عملهم).
    قمة التناقض !؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..