حاضنة الفساد

في الحوار الذي أجرته معه “الصيحة” في وقت سابق أشار وزيرالاستثمار السابق، مدثر عبد الغني، إلى أن أي نظام بيروقراطي معقد يفرز مناخاً خصباً لنمو الفساد. وما أشار إليه الوزير هو تمامًا ما يعاني منه مناخ الاستثمار في السودان، إلا أن الرجل لم يعترف بذلك صراحة.. ما أقر به الوزير بصورة غير مباشرة هو أيضًا ما يقض المضاجع، ويشعل أوار القلق في النفوس التي ما عادت مطمئنة، والمزعج حقاً أن ترى أو تسمع مسؤولاً يجأر بالشكوى عن أمر بمقدوره أن يعالجه.
وزير الاستثمار ليس أول من اشتكى من كارثية البيروقراطية في مجالات الاستثمار وتعقيد الإجراءات في تقديم الخدمات للمواطنين، فقد سبقه النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق، علي عثمان محمد طه، حينما كان الرجل في قمة السلطة وتولى رعاية ملف الاستثمار بنفسه، ولكم سمعت مراراً وزير الاستثمار الأسبق الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، يشكو من هذه البيروقراطية القاتلة تارةً، ويتوعد باجتثاثها تارةً أخرى، ولكن لا هو ولا علي عثمان استطاعا أن يهزا شعرة في رأس (كباتن) البيروقراطية، فأوقن في كل مرة أن النظام البيروقراطي في السودان ليس مجرد ما جاء في نظرية عالم الاجتماع والسياسة الألماني (ماكس فيبر) من تعريف للبيروقراطية وتعقيد الإجراءات وحسب، بل إن الأمر عندنا في السودان لمختلف جداً، بل ويزداد يقيني أن بيروقراطيتنا تبدو وكأنها محمية بالنفوذ.
البيروقراطية من حيث التعريف، تشير إلى سلطة الموظفين وتطبيقهم القانون بالقوة في المجتمع الوظيفي، وتتصف البيروقراطية والبيروقراطيون بالروتين، وبطء التنفيذ، والتمسك بحرفية القواعد والجمود، مما يصب في عرقلة شؤون المواطنين. أما اصطلاحاً؛ تعرّف البيروقراطية بأنها المغالاة في التمسك بحرفية القواعد وشكليتها، وتعني أيضاً نظام الحكم القائم في دولة ما يوجهها كبار الموظفين المهتمين ببقاء نظام الحكم لارتباطه بمصالحهم الشخصية، وهو مفهوم سياسي ذو وجهين: إما أن يعبر عن الرشد والموضوعية اللذين يهدفان إلى تحقيق التنظيم المثالي الذي من شأنه تسهيل شؤون المواطنين، أو أن يكون في ضوء القوة والسلطة يعبر عن الروتين والبطء في الإجراءات والسيطرة على المجتمع والتحكم فيه لمصلحة أباطرة البيروقراطية وجهابذتها..
أعود وأقول إني لأعجب حد الدهشة أن تشكو الحكومة من البيروقراطية في ملفات الاستثمار الأجنبي والوطني، وتعقيد الإجراءات في عملية تقديم الخدمات للمواطنين سواء أكانت أراضٍ أو غيرها من الخدمات التي تعمل مؤسسات الدولة على تعقيد إجراءاتها بدلاً عن تبسيطها، وهذا يعني أن الحكومة؛ إما أنها لا تملك إرادة سياسية وبمكان من الضعف، وليس للضعيف إلا أن يشكو وحسب، وإما أن تكون غير راغبة في إنهاء البيروقراطية وفي هذه الحالة يدخل كبار المسؤولين والنافذون دائرة الاتهام على فرضية أن مصالحهم الشخصية ستنتهي بنهاية النظام البيروقراطي السائد، لذلك لابد من مقاومة أية خطوة إصلاحية تقضي على البيروقراطية (حاضنة) الفساد ..اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..