مقالات وآراء سياسية

المثقف السوداني أمل الثورة

هشام عثمان الشواني

منذ بدايات ثورة السودان في ديسمبر 2018 بدا واضحا للجميع أن ثمة تحديات خطيرة ومحرجة للغاية سوف تفرض نفسها على مستقبل جميع الإتجاهات الآيدلوجية والاحزاب السياسية السودانية.هذه التحديات الجوهرية مرتبطة بمستقبل هذه الإتجاهات الحزبية اوالآيدلوجية والتحولات البنيوية اللازم حدوثها, كذلك تحديات اخرى ذات صلة بطبيعة المستقبل السياسي والاجتماعي المطلوب للسودان ليتقدم نحو مستقبله كدولة حديثة قوية ومجتمع راشد وحر ؟ ايضا هناك تحديات حول العمل السياسي والفكري وإتصاله مع الجماهير السودانية لاسيما قاعدة الشباب الواسعة والتي أقحمتها الثورة والعولمة في الشأن العام وخلقت لها قنوات تأثير وتواصل في المجال العام .

إن هذه التساؤلات تندرج تحت تصانيف عديدة او تخترق مستويات عديدة بين مستوى المعرفة و مستوى الدراسات السوسيولجية والاقتصادية ومستوى نقد الخطابات الآيدلوجية. إننا إذن بصدد الدخول في مناقشات تحليلية فلسفية وإجتماعية تاريخية وكذلك مناقشات نقدية لجميع الخطابات الآيدلوجية الُمُنتجة خلال حقبة مابعد الإستعمار و لانستطيع عزل هذه الأسئلة والمناقشات من سياق الواقع السوداني وطبيعة النخبة السودانية لأن عوامل هذا السياق هي العامل الحاسم في مقدار تحقيق وعي كلي جديد بهذا التغيير وبالتالي مستقبله.

النخبة السودانية اليوم مسؤولة عن إيجاد الإجابات المناسبة وتوجيه المسار الثقافي والفكري والسياسي للثورة السودانية نحو أفق التغيير المطلوب وفي ذلك فإن مهمتها الأولى تتمثل في فهم ماحدث . مالذي حدث بالضبط ؟  ماحدث ليس ربيعا عربيا. انها موجة حركة جماهيرية جديدة تشتعل في المنطقة وتنطلق من السودان والجزائر لتؤكد ماذهبت إليه نتائج نهايات الموجة السابقة في مصر وتونس وهو الحقيقة الآتية : ماحدث ليس تطلعا منظما ومؤسسا ومفكرا فيه و واعيا تجاه الديمقراطية ومن هنا يأتي رفضنا لمفهوم الربيع العربي كتعبير عما حدث ففي هذا الإطار الديمقراطي الليبرالي تمت صياغة عبارة الربيع العربي التي وجدت رواجا منقطع النظير في وسائل الإعلام الغربي المهيمنة التي أحبت أن تفهم الأموركتطلع نحوها هي نفسها , نحو ديمقراطيتها ونحو عولمتها ونحو إنخراط جدي في العالم الجديد.

ماحدث هو شئ اعمق من التطلع الليبرالي للديمقراطية والحريات السياسية والاجتماعية . و على النخبة السودانية فهم ماحدث جيدا على ضؤ التاريخ القريب والواقع المحلي الدقيق  لتصل لنتيجة اننا نشهد حراكا مفتوحا غير حاسم ولكنه متراكم ومتصل على حراكات اخرى مستمرة وكأننا نعبر مراحل مخططة في حركة التاريخ . ان ماحدث هو بداية النهاية لحقبة مابعد الإستعمار بكل محمولاتها الفكرية ونسقها المعرفي وبداية الميلاد لحقبة اخرى غير واضحة المعالم بعد .

في مقال آخر تحدثت عن فهم الثورة السودانية داخل هذا الإطار لنهاية مرحلة مابعد الإستعمار ولكنني هنا احدد طيبيعة التحديات الحرجة التي تواجه النخبة السودانية وأهمها :-

  • أن تشرع فعليا في عدم تكرار الفشل الذي كان يحدث دائما بعد كل ثورة شعبية . وطالما كانت الثورة كما وصفتها مسبقا فإنها تفتح الباب على مصراعيه لمساءلة جذرية نقدية يقوم بها المثقف تجاه كل تركة المرحلة السابقة بداية من المحددات التي شكلت المجال السياسي السوداني منذ بدايات تشكله الحديث المبكر في أوائل القرن العشرين ثم مرحلة مناهضة الإستعمار في حراك الإتحاد السوداني وحركة اللواء الابيض ومؤتمر الخريجين ثم بدايات تكوين الاحزاب السودانية التقليدية ثم الحديثة. ثم مرحلة مابعد الإستقلال وكيف إتسمت بصراعات حزبية وإستقطابات آيدلوجية في عهود ديمقراطية ضعيفة و كيف نجحت المؤسسة العسكرية في بسط سيطرة لعقود طويلة وبتحالف مع حركات آيدلوجية في قيادتها مدنيون
  • فهم هذا المسار السياسي برمته وتعيين محددات العقل السياسي الكامن ورائه. تلك المحددات س تتكشف مع التحليل التاريخي بإستصحاب التحليل السوسيولوجي الأشمل للسياق الاجتماعي لتطور الدولة السودانية ونموها الديمغرافي وطبيعة تشكلات الهياكل الاقتصادية والاجتماعية مع السياسة وكأننا أمام دراسة ضرورية اجتماعية و تاريخية ودراسة في الإقتصاد السياسي لفهم التطور التاريخي للدولة السودانية .
  • الممارسة السياسية العملية بافق جذري جديد مع تسويات سياسية مرحلية ضرورية يتم التنظير لها ولضرورتها . ان هذا النظرة المستقبلية لن يقوم بها السياسي التقليدي ابدا بل سيسعى لممانعتها والتهرب من دفع تكلفتها العالية ولكن هذا ماليس منه بد للمثقف المسؤول.

إن هذا المهمة الفكرية تحتاج إستعدادا نفسيا وثقافيا و وعيا مسبقا بماهية عمق هذا التحولات ولكن البناء النفسي المسيطر بعد إنتصار الثورة يشهد بعض جوانب التكرار المأساوي الهزلي لمايحدث قديما . إن الإحتفاء المُبالغ فيه بهزيمة الإسلام السياسي يبدو كإحتفال تشفي ساذج فالإسلام السياسي هو جزء من الحركات الآيدلوجية التي سادت في مرحلة مابعد الإستعمار والتي تحتاج جميعها للمراجعة والنقد. في المقابل نشهد تكرارا لأخطاء النخبة السودانية في الوقوع في سردية ثورة ليبرالية تنظر لما حدث كتطلع واعي للديمقراطية والحكم الراشد. ان تحقق هذا التطلع ليس خيارا واعيا ولكنه دائما ما يتحقق حين تجتمع مصالح الجميع. فالديمقراطية لاتبدو كهدف نهائي للتحولات الاجتماعية الرهيبة التي تحدث وبدأت وتيرتها في التسارع. بل الديمقراطية إذا نجح السودانيون في بناء نموذجها المناسب والواقعي ستكون بمثابة الإطار السياسي الذي يحتوي مسار الصراعات الاجتماعية ويديرها ويعبر عنها في حد ادنى من العنف وحد اعلى من الإستقرار. ان مشاهدة النخبة السودانية وهي تقع أسيرة لحالات الفرح والإبتهاج امر لاينبئ بالخير لأن ماهو ضروري للمثقف اليوم هو أن يزعج السلطة ويزعج الفرح ويقلق مضاجع الغافلين.

كانت النخبة السودانية منقسمة تاريخيا على نفسها وعبر حقب عديدة إستمر هذا الإنقسام على أسس آيدلوجية و أسس إثنيات وهويات جزئية ( إقليمية او عرقية ) ولكن الأمل اليوم معقود على النخب الجديدة في الا تكرر ما كان يحدث قديما وتبدأ ذلك النقد المتعدد ونقصد به تلك الحركة النقدية المتعددة الإتجاهات التي نرى أنها وحدها القادرة على تجاوز التكرار وتفتح أمام السودانيين إمكانية تحقيق معرفة صحيحة غير متوهمة او منحازة بشكل سافر تقود بدورها للمستقبل .

 

هشام عثمان الشواني

تعليق واحد

  1. ليه ما نفرح يا كوز .. انتو 30 سنة فرحانين وبتقولوا للناس جبناها بضراعنا والدايرة يختبر ضراعه .. طيب الشعب السوداني أهو جابها بضراعه ليه ما يفرح؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..