حواكیر دارفور ولا عمائر الخرطوم

أسامة ضي النعیم محمد
نقلا عن الدكتور ادریس یوسف أحمد عن حقیقة الحواكیر (الاراضي المجتمعة) : (الاقامة في دارفور كانت بموافقة من سلاطین الفور الذین منحوھم أراضي أو حواكیر للرعي علیھا . الحواكیر أو الدور في دارفور (الحاكورة) أو الدار أو (برو) ھنا تعني قطعة
الارض ، المعلمة بحدود ، أُحتكرت أو خُصصت لشخص أو جماعة ، لممارسة السلطة علیھا وھي أیضا لمنفعة المجموعة التي
أُحتكرت لھا) .
یغلب في منح ( الحاكورة) الجانب الاقتصادي ، المنفعة المقصودة تعني زیادة القوة العاملة لنطاق ھیمنة السلطان ، زراعة أكبر مساحة أو الرعي علیھا لتحقیق مردود مادي، یعود ذلك بمنفعة لمالیة السلطان ، تعظیم الولاء للسلطان الذي منح الحواكیر وتحقیق
الامن الغذائي بین المجموعات ، یصبح الدفاع وتنمیة الحواكیر شأن عام، والعكس صحیح عند اھمال الحاكورة .
اتفاقیات دارفور بنسخھا المتعددة من أبوجا والدوحة الي اتفاقیة سلام جوبا ، لم تھتم بإعادة الحواكیر كمورد اقتصادي للمجتمع ومالیة الدولة ورابط اقلیمي ، عدتھ شأن شخصي لا یخرج عن منفعة الفرد لامتلاك حاكورة لبناء قطیة یسكنھا ، غاب في روح تلك الاتفاقیات البعد الاقتصادي للحواكیر كمصدر دخل للقبیلة والفرد والدولة ، زیادة مساحات الاراضي التي یمكن زراعتھا وتلك التي
تصلح كمساحات للرعي في فضاءات الحواكیر حكمة غابت في صحائف اتفاقات دارفور .
تطویر الحواكیر الي مزارع ومراعي ضخمة تعمل علي أحدث نظم الادارة في الزراعة والري ورعایة الانعام ، شأن عند اتفاقات
دارفور بعید لا یجب أن ینافس رغبة الموقعین في الحصول علي وزارة في الخرطوم ، حصرت تلك الاتفاقیات مھمة الحواكیر في رداء ضیق ، ذلك الفھم ساوى بین اعادة الحواكیر الي أھلھا وتطویر ادوات الزراعة والرعي وبین حصول الفرد علي قطعة أرض سكنیة في الخرطوم، خرج ذلك الطموح الفقیر بمفھوم الحواكیر من منفعة اقتصادیة للقبیلة وللسلطنة بمختلف مسمیاتھا ، الي شأن
شخصي یستعاض عنھ بمنح الفرد قطعة أرض في ھوامش مدن العاصمة القومیة ، ذلك یسلخ تعدد المنفعة الاقتصادیة للحاكورة ویحولھا الي دار تأوي أسرة یعیلھا رب الاسرة براتب ینتظره من المخدم ، تتخلي الاسرة عن المساھمة في نفیر الزراعة وفزع الرعي وحمایة القبیلة والمحافظة علي ارثھا حین تستبدل الحاكورة بقطعة سكنیة وعمل براتب شھري أو یومي .
حدثت مجاعة عام 1306ھجریة (1889-1888م) بسبب ھجر الحواكیر ، تدافعت القوة العاملة وتخلت عن الزراعة والرعي ویممت شطر البقعة ، ضرب الجفاف والتصحر الحواكیر البور وجاع الناس في عاصمة الدولة المھدیة ، بعضھم كان طعامھ الحیوانات النافقة ومات الاطفال والعجزة وتناقص عدد السكان بالملایین .
الدعوة لتوطین أصحاب الحواكیر في عمائر بعاصمة البلاد یكرر ظروف عام1306ھجریة ، یتحول سكان تلك العمائر الي عمالة بالراتب الشھري ، زیادة الراتب لملاحقة ارتفاع الدولار یصبح خاضعا لدعم دولي من الخارج یتدفق أو یُمنع كما نسمع الان ، تغیب وظائف الزراعة والرعي عن الحواكیر في دارفور ، تمدد تلك الحواكیر الي مزارع ومراع ضخمة یعطلھ تفكیر النافذین لاعداد
عمائر سكنیة في الخرطوم لشغلھا بعمالة تنتظر الراتب الشھري ، ستھب الریاح علي الحواكیر البور وتحولھا الي صحاري جرداء وتغیب الاشجار ویضرب الجفاف الاقلیم .
الحواكیر مفھوم متقدم للمحافظة وتطویر مھنة الانسان القدیمة في الزراعة والرعي وتقویة عماد السلطنة والدولة ، حاكى السلطان أو الحاكم في ذلك الزمان ما كان یدور حولھ من أمم ، الحواكیر ھي دوقیات تشابھ ما ھو في بریطانیا العظمى ، ھي اقطاعیات كما في مصر الخدیوي ، ھي كما المزارع الجماعیة في الاتحاد السوفیتي القدیم ، وحدات سكانیة اقتصادیة تردف الفرد والسلطان بالمال والغذاء ، تحقق الامن المجتمعي والغذائي للسلطنة أو رقعة الحكم ، أحدث مثال لھا في السودان ھو مشروع الجزیرة وعلاقات
الانتاج بین أضلاعھ ، التخلي عن الحواكیر ووقف تطویرھا والاستعاضة عنھا بعمائر سكنیة في الخرطوم ، ذاك تفكیر نخبة سودانیة
غابت عنھا حكمة الاجداد .