ليس إعفاءً لولاية الخرطوم من المسئولية..!

كَتَبَ السيد/رئيس تحرير صحيفة الأهرام اليوم الغرَّاء في عددها رقم (1296) الصادر يوم الخميس المُوافق 15 أغسطس 2013 موضوعاً بُعنوان (الحيطة القصيرة)، تناول فيه إحدى أزماتنا السودانية المُعاصرة المُتمثِّلة (بوجهة نظره) في استهداف الأشخاص الـ(مسئولين) في القضايا العامَّة، وركَّز بنحوٍ خاص على تحميل الرأي العام، مسئولية الدمار المُترتِّب على الفيضانات والسيول والأمطار التي ضربت أنحاءً واسعة من العاصمة للسيد والي ولاية الخرطوم، مُوضِّحاً بأنَّ المسئولية جماعية و(مُتراكمة) و(تاريخية) أسهم فيها (وُلاة) ومسئولين سبقوه في هذا المنصب، وخصَّ في هذا الجانب الفوضى التي صاحبت قطاع الأراضي بالخرطوم وتوزيعها، والفساد التاريخي المُرتبط بتنفيذ الطُرُق والمصارف والسماسرة المدعومين من بعض الـ(مسئولين)!.
من المنطق عدم تحميل السيد والي الخرطوم (وحده) مسئولية سوء التخطيط العام بالولاية وتخطيط الأحياء السكنية القائمة بها، لا سيما الجديدة منها، باعتباره استلم أمر الولاية عقب اكتمال توزيع وبناء غالبية أحياءها السكنية وورث أوضاعاً مُختلَّة ومُتراكمة، ولكن ما الذي فعله السيد الوالي خلال الفترة التي استلم فيها زمام الأمر؟ لقد صرَّح في أكثر من مُناسبة سواء العام الماضي أو مع بدايات العام الحالي (قبل موسم الأمطار والفيضانات)، سواء كان تصريحاً (شخصياً) و(مُباشراً) أو على لسان أحد مسئوليه، بأنَّهم في ولاية الخرطوم (استعدُّوا) تماماً لموسم الأمطار ووضعوا خططاً (مُحكمة) لمُجابهته! فأين هي هذه الخطط لا سيما وأنَّ الحدث يتكرَّر سنوياً؟ وهل قامت ولاية الخرطوم سواء السيد الوالي شخصياً أو الجهة المسئولة بولايته بمُراجعة وتقييم الخطط والإجراءات السابقة الخاصَّة بهذه الظروف؟ وما هي أُسُس ومعايير المُراجعة والتقييم ومن الذي وضعها وما نتائجها والمُعالجات المُقترحة ومدى مُلاءمتها وفاعليتها؟ وهذا ما يجعل للسيد الوالي نصيباً (وافراً) من هذه المسئولية. وعموماً فإنَّ المسئولية لا تقع على عاتق شخص بعينه، وإنماً تقع على كل من يتقلَّد منصب والي ولاية الخرطوم!
ولعلَّ آثار السيول والأمطار والفيضان التي لم تقتصر على العاصمة الخرطوم وضواحيها وإنَّما شملت مناطق وولايات أُخرى، تقودنا لجُزئية هامَّة وخطيرة جداً تتعدَّى هذه الآثار (رغم قساوتها ومرارتها) إلى إجراءات، سابقة وآنية، ذات خطورة أكبر على المدى الطويل، تتمثَّل في من ساعد على تمركُز السودان وأهله في ولاية الخرطوم؟ وما ترتَّب على هذا الوضع الـ(مُختَلْ) من انعكاسات شملت أكثر من صعيد، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو بيئياً أو ثقافياً واجتماعياً. فقد سبق للبعض وصف ما جرى في الخرطوم بـ(الثورة العُمرانية)، حينما تمَّ توزيع الأراضي السكنية على حساب أراضي زراعية لمجموعات كبيرة من المُواطنين من مُختلف مناطق السودان، دون دراسة حول مدى قُدرة الخرطوم (المدينة) على استيعاب هذه الكمِّيات الهائلة من البشر، ومدى ومُلاءمة طرق ومسارات الصرف الصحِّي وتهيئة الخدمات الضرورية، بل ومُلاءمة الأراضي بالأساس لإقامة مساكن عليها. وتمَّ تكريم والإشادة بمن أشرف على هذه الكارثة! ولم يُفكِّر من قام بهذا وشجَّعه لماذا جاء من جاء إلى الخرطوم؟ وكيف ستسير الحياة حينما يهجر الجميع مناطقهم للتمركُز في العاصمة؟ وما انعكاس هذه الهجرات الضخمة على الوضع الأمني العام للبلد وللخرطوم في آنٍ واحد؟ بجانب انعكاسات هذه الهجرة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والصحِّي والبيئ؟
ثمَّة مُصطلح اسمه التنمية المُتوازنة سعت العديد من الدول ? ساسة ومُفكِّرين ? نحو تحقيقه وبلورته لواقعٍ مُعاش، وهو يعني العمل على ترقية المُستوى العام للدولة بشكلٍ مُتوازٍ في كل مناطقها في آنٍ واحد، وبمُعدَّلات تنمية مُتقاربة إنْ لم تكُنْ مُتساوية، وبما يُحقِّق مبادئ العدالة الاجتماعية والإنسانية من جهة، وضماناً لتنميةٍ اقتصاديةٍ (حقيقية) من جهة ثانية. وما جرى عندنا في السودان بصفةٍ عامَّة ? بالرغم من تصريحات المسئولين ? يتنافى تماماً مع مضامين ومظاهر هذه التنمية! فالناظر لواقعنا يرى بوضوح حجم التدهور المريع في الاقتصاد و تغير التركيبة الاجتماعية في السودان، حتى وإنْ بَدَتْ للعامَّة بعض مظاهر المدنية الحديثة، من تعالٍ في البُنيان وبعض الشوارع الجانبية المُسَفْلَتَة المحصورة في الخرطوم (المدينة) دون طرق مناطق الإنتاج الحقيقية (مع ملاحظة الجبايات التي تُؤخَذ لأجل تعبيدها) وبمُواصفاتٍ غير مُطابقة! فالدولة بهذه التصرُّفات (غير المدروسة) أسَّست لواقعٍ (مُخْتَلْ)، يدعم تمركُز السودان كله حول الخرطوم، مما ساهم في تحجيم وتراجُع عجلة التنمية الحقيقية وتوقُّفها نهائياً!.
فالخرطوم اتَّسعت لدرجة إسكان البشر في مجاري السيول وتعريضهم لهذه الـ(بهدلة) سنوياً!! وأضحت مُتاخمة لولايات نهر النيل والجزيرة وشمال كردفان إنْ لم تدخل حدودها لتلك الولايات فعلياً، بعدما تكدَّس كلَّ أهل السودان في الخرطوم بحثاً عن حياة كريمة عقب نضوب مصادرها بمناطقهم التي أضحت خواء وخالية من مظاهر الحياة، وفقدت الدولة مناطق للإنتاج وأيادٍ عاملةٍ كانت تُساهم في دفع عجلة التنمية وإجمالي الدخل السنوي السوداني، الذي أصبح يعتمد في نسبة كبيرة منه على الجبايات والرسوم الباهظة الظاهرة والمُستترة. هذا بخلاف ما يُشكِّله وجود هذه الأعداد الهائلة من البشر من ضغطٍ بيئي وصحِّي على الخرطوم العاصمة التي لا تسمح قدراتها التصميمية المُقامة منذ أمدٍ بعيد ولم يجر تطويرها وتوسعتها بطريقةٍ علمية وبـ(أمانة)، لتستوعب المزيد من البشر والتعاطي معهم بالشكل الأمثل، ودونكم ما تُشاهدونه سنوياً من كوارث وما نراه ماثلاً الآن!.
الملاحظ لحركة الهجرة من الأطراف نحو الخرطوم العاصمة يجد بأنَّ من أهمَّ أسباب ترسيخها وتعميقها هو توزيع الأراضي السكنية (كما أسلفنا) على الوافدين دون دراسات مُتعمِّقة ومُتخصِّصة، وأنَّ غالبية هذه التوزيعات السكنية كانت في ضواحي الخرطوم، ولا تزال الدولة في مسارها الخاطئ هذا دون مُراعاة للانعكاسات السلبية المُترتِّبة على ذلك، على الصعيدين البيئي والصحِّي، مع ما نشهده خاصةً من أمراض وأوبئة في ظل الغياب الكامل للوسائل والمرافق الصحِّية سواء في المناطق المُتأثِّرة بالسيول والأمطار أو غيرها، فضلاً عن انعدام أو ضعف الخدمات الأخرى اللازمة لحياة الإنسان ومكانته كمخلوق كرَّمه الله عزّ وجل على كثير من المخلوقات، بالإضافة إلى غياب الوعي واتساع رقعة الأمية والجهل حيث يعمل كثيراً منهم في مهن هامشية ? أطفالاً ونساءً ورجال ? وتضيقُ فرص تعليم النشء وربما تغيب تماماً، مما أدَّى إلى اتساع دائرة مُعاناة أولئك المُواطنين. بخلاف ما شكّلته تلك التجمُّعات من مُهدِّدات أمنية أثقلت كاهل المُواطنين والسُلطات على حدٍ سواء! وعلى ذلك أضحت المُعاناة مُشتركة للوافدين (النازحين من الأطراف) من جهة، ولسُكَّان الخرطوم المُقيمين بها من جهةٍ ثانية، وللسُلطات من جهةٍ ثالثة.
بلدٌ بهذه المساحة الشاسعة يتم إسكان أهلها في مجاري السيول والفيضانات، يتم تضييق القائم منها منذ فترة ما قبل الاستقلال ببيع المُتنزَّهات والميادين المُخصَّصة للأحياء منذ أيام الاستعمار؟! تبيعها السُلطات (بما فيها سُلطة الوالي الحالي) بغرض الاستثمار! ومن ذلك إقامة الأبراج الضخمة دون إتاحة الخدمات المُرتبطة بها كمواقف السيَّارات ومواقع التخلُّص من النفايات بشكلٍ آمن وصحِّي، مما جعلها تشكل مصدراً جديداً للتلوُّث والأمر ولا يحتاج لاستدلال أو استشهاد، وهي ناتجة عن التقليد المدني الأعمى دون تهيئة مُتطلَّباته ودون دراسة ووعي! بلدٌ بهذه المساحة الشاسعة وتبلغ أسعار الأراضي به حدوداً خُرافية كالتي نراها الآن؟ ألم يتساءل السيد والي الخرطوم ومن معه من مسئولين عن الأسباب؟ أين المُستشارون والخُبراء والبروفيسورات الذين تزدحم بهم مرافق الدولة والـ(ولاية) ويتقاضون مُخصَّصاتهم من قوت وعرق أبنائها من هذه المُفارقات والتجاوُزات؟ أما آن الأوان لمُعالجة هذه المظاهر الأليمة والمريرة التي يدفع ثمنها أبناء السودان وستدفع الأجيال القادمة ثمنها مُضاعفاً دون ذنبٍ جَنَتْه أو جريرة ارتكبتها؟
كان بإمكان السيد والي الخرطوم و(مُعاونيه) تقديم مُقترحات قومية و(وطنية) لتخفيف آثار ما يجري سنوياً ضمن ما قدَّموه من خطط وإجراءات (حسب زعمهم) لاحتواء آثار الفيضانات والسيول والأمطار والتي لم نر منها شيئاً (علمياً ومدروساً بعناية) حتَّى الآن، ولم يتعدَّ الأمر سوى انتظار الكارثة حتَّى وقوعها ثمَّ التحرُّك ببطء ودون فعالية بعدما نفقد الممتلكات والأرواح وهو أمرٌ ظل يتكرَّر سنوياً. نعم كان في الإمكان تلافي كل هذا، أو على الأقل تخفيفه إذا ما تقدَّمت الولاية بمُقترحات علمية وعملية ومدروسة بعُمق يُعدَّها (مُتخصُّصون) و(عارفون) لتدعم تحقيق أسباب العيش الكريم للمواطنيين، بدلاً من الاستمرار في توزيع الأراضي السكنية لهم!.. ولنا عودة بحول الله.

د. فيصل عوض حسن
[email][email protected][/email]

صحيفة الأهرام اليوم السودانية عدد اليوم السبت

تعليق واحد

  1. انا استغرب كيف يكون والى الخرطوم وهى عاصمة البلاد وواجهتها عبارة عن… طبيب بيطري؟! ليس له ادنى علاقة بالتخطيط والهندسة ولكن نرجع نقول لاعجب فحكومة المؤتمر الوثــني قائمة على حساب الولاءات بدلا من الكفاءات ومبداء التمكين في السلطة بأي ثمن
    ولذلك نجدها فاشلة في ادارة كل شئون البلاد من كل النواحي

  2. كل المسئولين في النظام هم وافدين علي الخرطوم لذا كانت الخطط الإسكانية الكثيرة والإستيلاء علي أراضي سكان الخرطوم ( ملك حر ) وشيوع سواء أكانت سكنية أم زراعية أو علي ضفاف النيلين هؤلاء المسئولين قاموا ويقومون بجلب أهاليهم وذويهم إلي الخرطوم لمساعدتهم في الإنتخابات وتغليبهم علي سكان الخرطوم , ومن جهة أخري إستجلبوهم ليقوموا بحمايتهم إذا ما كان هناك إنفجار شعبي ضدهم فالمسألة أصبحت مسألة قبيلة أو قبلية.لذلك تم إسكانهم في مناطق هي متميزة حتي لم يتحصل عليها سكان الخرطوم الأصليين , لكن قدر الله أن تأتي هذه الكارثة علي المساكين الذين يسكونون علي أطراف الولاية وهم غالبيتهم فقراء عانوا ما عانوا في ولاياتهم,,,من الطبيعي علي الوالي ألا يعرف جغرافية الخرطوم لأنه وافد جاءها معدم والآن يمتلك المنازل الفخمة والمؤسسات الكبيرة والمزارع وغيرها وما ينطبق علي الوالي ينطبق علي أكبر رأس في الحكومة.
    أقصد بسكان الخرطوم الأصليين ( كل من سكن فيها قبل مائة سنة علي أقل تقدير. وأي واحد يشوف نفسه وين كان قبل مائة سنة وما عندو ملك حر أي واحد جاء إليها بعد هذا التاريخ فهو وافد كان عمر البشير ولا غيره جاتكم داهية !!).وسكان الخرطوم هم الجريفات وأم دوم وبحري وأمدرمان القديمة والفتيحاب وقري الجموعية من أمدرمان شمالا حتي جبل أولياء جنوبا شرق وغرب النيل الأبيض كذلك الكلاكلات وبري واللاماب والحماداب وود عجيب والعزوزاب وسوبا أي واحد ما عندو أهل في المناطق دي هو وافد وافد وافد بلاء يخمكم مليتوا علينا الخرطوم … الواحد يشتري بيت في كافور ولا في المنشية وعامل فيها ود خرطوم … اللعنة عليكم جبيتوا لينا الكوارث والمصائب .. كانت هذه السيول تجري إلي النيل بدون عوائق قبل مجيئكم ونزلتوا علينا زي الجراد … الله يسود وجوههكم… كلامي ده موجه بالذات للمسئولين في النظام الفاسد كالوالي وأشباهه. هذا الوالي المعفن يغير في خريطة الخرطوم كما يشاء دون ردع من أحد … وإن شاء الله لنا معه حساب قادم.

  3. *ما تنسى كمان: وزير ألأستثمار طبيب اسنان… وزير الزراعه والرى(ألأتنين) برضو طبيب شنو ماعارف .. وزير الداخليه السودانيه جعلتى وقالو كان رئيس اتحاد الكلاب ألأرتريين فى مصر …وزير الخارجيه صاحب مصانع اسمنت وبائع حديد وادوات مبانى .. واتفرّج كمان ياسلام
    *بس كمان ما تنسو انو احيانا انجح الوزراء هم اللى بيجو من خارج المجال .. فى وزارة المعارف مثلا كان انجح وزراء المعارف من بعد عبدالرحمن على طه : زياده ارباب (عليه الرحمه) .. ومنصور خالد ثم دفع الله حاج يوسف (الى حد ما) (متعهماالله بالمزيد من الصحة والعافيه) “ثلاثتهم قانونيون” .. لكن تانى ما تشكر لى الراكوبه فى الخريف (هرجله فى هرجله + هرجله)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..