الخرطوم – محمد الأقرع
تستمر هذه الأيام فعاليات معرض الخرطوم الدولي للكتاب بأرض المعارض بـ(بري). وتأتي هذه الدورة تحت ظلال أجواء الثورة التي أطاحت بنظام البشير، والتي دون شك انعكست على الفعالية حيث انطلقت ولم يسبقها الضجيج الإعلامي المعتاد عن عمليات مصادرة أو مطاردة لعناوين الكتب ومنع عرضها، تحت دواعي مخالفتها للقيم الأخلاقية والدينية أو كما كنت تبرر وقتها أجهزة الرقابة الثقافية .
وتشارك في هذه الدورة حوالي(200) دار من دور النشر المحلية والعربية، ومنذ أمس الخميس بدأ المعرض يستقبل أفواج مقدرة من القراء والباحثين عن مكامن الثقافة والعلوم، ولعل الكثير من المهتمين يعتبرون أن معرض الخرطوم للكتاب براح جيد للتلاحق الفكري والمعرفي .
وتتواصل فعاليات معرض الكتاب لمدة عشرة أيام بدأت في الثامن عشر من الشهر الجاري. وفي ليلة الافتتاح قال وزير الإعلام والثقافة فيصل محمد صالح أن الشعب السوداني هو من جعل هذا المعرض ممكناً بتضحياته، مشيراً أن الإعداد للمعرض هذا العام كان صعباً بسبب ظروف البلاد، لكنهم قرروا في وزارة الثقافة أن يمضي العمل مهما كانت الصعوبات. وأشار أن الفعالية سوف تستمر دون أي مصادرات أو منع للكتب الفكرية مؤكداً بأن البلاد في حالة تحول حقيقي .
مشاهدات ودعوات
عبق الكتب يعم المكان ويشكل الرائحة الأجمل هناك، تدافع الحاضرين يزداد تدريجياً ونوعياً خلال اليوم ففي الصباح تلمح أن غالبية الحاضرين من يافعي السن ومع تقدمات الوقت تبصر فئات عمرية أكبر سناً. تزين صور البروفسير مدثر عبد الرحيم جدران المعرض وبوابته بعد أن تم اختياره شخصية هذه الدورة تكريماً وتقديراً لما قدمه من إبداع وفكر أثرى به المكتبة .
في داخل صالات العرض ترى حركة دوؤبة للزائرين الذي يتحلقون حول الكتب ويخوضون غمار تقليب الصفحات و مفاصلات الأسعار.
محمد البشير أحد الزوار الذين تحدثون لـ(الراكوبة)، قائلاً: معرض الكتاب تظاهرة ثقافية ذات قيمة كبيرة خاصة مع أزمات البلاد المتمثلة جلها في الوعي الذي يعتبر هذا أحد روافده المهمة . وأوضح البشير بأن أكبر مشكلة تواجه هذه الدورة غلاء الأسعار. وقال: (نكون سعيدين حين نأتي هنا ونحصل على الكتب ولكن تهزمنا القيمة وارتفاع الأسعار)، وأردف: (من خلالكم أدعوا كل السودانيين لحضور معرض الكتاب باعتبار أننا إذا كنا نحلم في التغيير وحياة زاهية لن نجدها إلا هنا، فالفكرة تنبع وتستشف من كتاب).
ارتفاع أسعار الكتب يعتبر من أبرز السلبيات في المعرض، فالكثير من المشترين الذين أتلقينا بهم شكوا من الغلاء، قائلين أن جزء كبير من الكتب المطروحة فوق طاقتهم. فيما أقترح البعض أن تقوم الدولة في المرات القادم بتقديم دعم للناشرين الذين يلتزمون بعد ذلك في عرض الكتب بأسعار رمزية .
ووجد الجناح المخصوص لكتب المُجدد الإسلامي، محمود محمد طه، احتفاء كبير من الزائرين الذي تسابقوا على شراء كتبه كما شكل حضور ابنته أسماء علامة مميزة، خاصة وأنها أدارت بعض النقاشات حول القضايا الراهنة .
تغيير وقضايا.
ويشكك مراقبون عن وجود أوجه كثير للاختلاف هذا العام، بالمقارنة مع أعوام سابقة حيث يقول الكاتب والقاص الهادي راضي: يبدو أننا حالمون أكثر من اللازم بحيث نتصور اختلافاً يسم هذه الدورة عن الدورات السابقة من معرض الخرطوم الدولي للكتاب.
وحسب تصريحات السيد وزير الثقافة، فإن الترتيبات لهذه الدورة تمت قبل استلام مهامه كوزير ثائر، وتأكيداً على ذلك (حوامة) السيدة هدية – موظفة المصنفات- وأركان حربها، ليلة أمس بين دور العرض للقبض على عناوين الكتب الخارجة عن قانونهم. بالتالي يكون المعرض نسخة مما سبق من دورات ولكنها الأخيرة بالضرورة. وان كان ثمة اختلاف فهو غياب بنات الداخليات اللائي كان يتم حشدهن ليلة الافتتاح، وجناح الأطفال ومعرض تشكيلي ذا سمت ثوري .
الملاحظ أن الإقبال على شراء الكتب الدينية والأكاديمية كالعادة هذا العام، أيضا كان أعلى من اقتناء الكتب الأدبية والفكرية. وحول هذه النقطة يقول الهادي راضي أن الأمر يعود إلى البنية المعرفية لدى معظم القراء، التي تأسست وفقاً لمنهج دراسي معطوب ركّز في معظمه على مطلوبات نقلية تعتمد على مبدأ الحفظ والتلقين وأهمل المطلوب العقلي الذي يحتفي بالعلوم الرياضية، ومعلوم أن الآداب والفنون منطقها رياضي. أضف إلى ذلك إلغاء حصة المكتبة المدرسية التي كان عبرها ينمي الفرد ملكة الاطلاع في شتى ضروب المعرفة.
عموماً، معرض الكتاب مساحة جيدة للسياحة الفكرية، كما أنه يظل منتفس تلجأ إليه بعض الأسر للمطالعة والاستمتاع بالبرامج المصاحبة.
