مقالات وآراء سياسية

الفدرالية والديمقراطية : تحديات تواجه الأحزاب السياسية السودانية

ادم بركة دفع الله

فالأحزاب السياسية هي العمود الفقري للديمقراطية وهي المسؤولة عن صياغة السياسات وتنفيذها. وعليه ، فإن استثمار الجهود في إصلاح الأحزاب السياسية امر غاية الضرورة .
إن موضوع اصلاح الأحزاب السياسية في السودان يأتي في وقت بالغ الأهمية ، حيث يسعى المدنيين جاهدين لبناء أكبر جبهة لهم لتعمل على وقف الحرب واستعادة التحول الديمقراطي لبناء مستقبل جديد بعد معاناة الحروب والاضطرابات المستمرة في السودان .
الحرب الأخيرة الجارية قد خلقت زخماً جديداً للتغيير وأبرزت الحاجة الملحة لإعادة النظر في بنية الدولة و نظامها الإداري والسياسي ، خاصة دور الأحزاب فيه.
فشلت هذه الأحزاب في بناء دولة جامعة منذ الاستقلال ، وفشلت في خلق مشروع وطني يتجاوز تحديات ما بعد الاستعمار وبل أصبحوا يتهربون منها وصاروا كأنهم ورثة للمستعر ويرحلون هذه التحديات من جيل إلى جيل حتى اندلعت حرب ١٥ أبريل ، بما في ذلك الجيش والأحزاب السياسية ، فشلت في بناء دولة عادلة ومتساوية لجميع السودانيين ، وبناء مؤسسات دولة قادرة على تلبية احتياجات المواطنين وتوفير الخدمات الأساسية.
لذا ضرورة إصلاح الأحزاب السياسية لتتماشى مع المتغيرات الجديدة في المشهد السياسي السوداني وهناك اسباب جوهرية لهذا الفشل ، خاصة الأحزاب السياسية تتحمل الجزء الأكبر منها .
السؤال لماذا حملناها القدر أكبر وذلك لاسباب كثيرة ولكن اعتقد منها الاتي :
– غياب أسس الديمقراطية وطبيعة مركزية الأحزاب ، في بلد متعدد ومتنوع ولم تستطع هذه الأحزاب أن تعترف بهذا التنوع وبل كانت مشاريع بعض الأحزاب متعارضة مع الواقع السوداني المتنوع وتعمل على تقسيم السودانيين على الاساس اللغة او الدين أو العرق والثقافة مثل مشاريع الأحزاب التي تتبنى الرؤية العروبية او الافريقية والأحزاب المتبنية الرؤية الإسلامية كحل لمشاكل السودان. لذلك فشلت في ان تستوعب هذا التنوع ، الثقافي ، العرقي ، الديني والغوي في السودان
– ومن الأسباب أيضا غياب المشاركة في مراكز صنع القرار في الأحزاب لأن بغياب الديمقراطية وتمركز الموارد والتمويل بطرق غير شفافة وقانونية. مما جعلت مراكز القرار في يد قلة متحيزة تحيز جهوي او قبلي او طائفي او ديني مما ادت الي انشطارها وانقسامها وبل دفعت اخرين من عضويتها حمل السلاح لشعورهم بالتهميش والاقصاء وخاصة عندما يكون الانقسام حزب السلطة. الحركة الإسلامية مثالا عندما اختلفوا خرج يحي بولاد وفي مفاصلتهم الكبرى في ١٩٩٩م خرج عدد منهم اسسوا حركات مسلحة خاصة في دارفور وكردفان
– وايضا من الأسباب غياب الحوار والتفاهم حتى بين أعضاء الحزب الواحد وبين القوى السياسية فيما بينها لأنها مبنية على ايدلوجيات متقاطعة ومصادمة مع الوقع المتنوع السوداني ولم تقوم على قواسم مشتركة لمصلحة الوطن والشعب وكانت كلها اقصائية في برامجها ومشاريعها السياسية
وهنا -يستحضرنا الدستور الدائم- لذلك اصلاح الأحزاب السياسية في السودان ضرورة في جوانب كثيرة الهيكلية منها والتنظيمية حتى في بنيتها الفكرية التي تقوم عليها الأحزاب ، لتدرك الواقع الجديد.
– لذا يجب على الأحزاب السياسية أن تجري مراجعة شاملة لبرامجها وهياكلها التنظيمية لضمان تلاءمها مع التحديات الراهنة وتطلعات الشعب السوداني.
وأن تعمل على توسيع قاعدة عضويتها وتعزيز مشاركة في صنع القرار بطريقة ديمقراطية وانهاء الاحتكار من خلال إجراءات حيث تتفادى وتتجنب التحيز القبلي والطائفي لتكون بذرة بناء للوحدة الوطنية .
– يجب عليها أن تلتزم بمبادئ الحوكمة الرشيدة ، بما في ذلك الشفافية والمساءلة والعدالة والمساواة في تمثيل .
– وعليها أن تعمل على بناء مؤسسات حزبية قوية قادرة على تنظيم الأنشطة الحزبية وتطوير الكوادر وتحفيز الحوار والتفاهم بين اعضاءها وبين مختلف القوى السياسية والمجتمعية للوصول للقواسم المشتركة.
– يجب على الأحزاب أن تعمل على تطوير برامج سياسية شاملة تتناول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتبحث إمكانية تبني نظام فدرالي يحقق التوازن بين المركز والولايات ويعزز اللامركزية الإدارية حتى داخل الأحزاب وتفعيل دور المجتمع المدني في الرقابة على أداء الأحزاب والحكومة.
– وعليها ان تتجاوز الخلافات التاريخية بتغيير اديولوجيتها المتعارضة والمصادمة مع واقع التنوع السوداني وتتبنى أفكار جامعة وأن تعمل معًا من أجل مصلحة الوطن والشعب.
– أن إصلاح الأحزاب السياسية هو عملية مستمرة تتطلب التزامًا طويل الأمد من الجميع كما يجب على المجتمع المدني والمواطنين أن يمارسوا دورهم في الرقابة والمساءلة.
– ويجب على أن تعمل على توفير التمويل اللازم لأنشطتها بطرق شفافة وقانونية بمشاركة أعضاء الحزب بالتمويل . يجب على الأحزاب أن توفر برامج تدريب للكوادر الحزبية لرفع كفاءتهم.
– أن تعزز دور المرأة والشباب في الحياة السياسية.
– ختامًا ، ندعو جميع الأطراف السودانية إلى التكاتف والتعاون من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل ، وبناء سودان جديد يعتمد على الديمقراطية والعدالة والمساواة .

 

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. استاذ ادم بركه تحيه طيبه
    بالرغم من أننى اتفق معك تماماً فى ضرورة إعاده صياغه الاحزاب السودانيه بما يشبه عملية تكوين جديد لها من حيث المضمون والأيديولوجية لتواكب تيارات الصراع المتلاطمه دوماً بفعل ديناميكيات عديده ( الهويه العرق القبليه اختلاف الرؤى حول اساسيات الحكم مثل الديمقراطيه والحقوق والتوزيع العادل للثروات والتبادل السلمى للسلطه) وغيرها الكثير. بالرغم من ذلك إلا أننى اختلف معك وبشده حين توجه سهام النقد لكل الإخفاقات وكل النزاعات والحروب منذ الاستقلال والى الان تحملها للأحزاب لأنها وفقاً لما ذكرت اقتباس (فشلت في بناء دولة عادلة ومتساوية لجميع السودانيين ، وبناء مؤسسات دولة قادرة على تلبية احتياجات المواطنين وتوفير الخدمات الأساسية) والرد على ذلك هو أن بناء اى دوله بالشكل الذى ذكرته يتطلب وجود احزاب ذات قواعد وسند شعبى كبير تمتلك رؤيه سياسيه واقتصاديه طموحه عن الكيفيه والآليات التى يمكن من خلالها بناء دولة ترقى لمصاف الدول المتقدمه، ويقينى ان مثل هذه البرامج السياسيه والخطط التنموية لن ترى النور طالما ان الحد الادنى من الحريات غير متاح. هنا يأتى السؤال الأهم هل أُتيحت للأحزاب الفرصه الكامله فى جو ديمقراطى لأنتاج وتنفيذ اى خطه تنمويه توصلنا إلى شكل الدوله المنشوده؟ الاجابه بالطبع لا فقد عطلت الديكتاتوريات العسكريه التى حكمت السودان لمده ٦٠ سنه الحياة الديمقراطيه والحريات وحلت الاحزاب فأصبحوا قادتها وعضويتها هاربين مشردين وملاحقين من قبل الاجهزه القمعيه، تتصيدهم الات الموت والتعذيب فى السجون والمعتقلات. فكيف بالله عليك ان تجعل من الضحيه مجرماً تحمله وزر فشل الدوله وتغض الطرف عن المجرم الحقيقى الذى دمر الوطن بكل كياناته الحزبيه والسياسيه من خلال وأد الديمقراطيه واحتكار السلطه وقمع الحريات ؟؟؟؟؟؟ دعوتك للأصلاح الحزبي بناءاً على المقدمه والمعطيات التى ذكرتها ( إقرارك بفشل الاحزاب فى بناء الدوله الحديثه ) لن تؤدى إلا لمزيد من التعقيد فى رؤيه الموقف ، فهذه المعطيات هى نفسها التى برر بها المجرم البرهان انقلابه على المكون المدنى، وهى نفس التدليس الذى استند عليه المقبور النميرى فى انقلابه على الحكم الديمقراطى. ومن هنا أنا ادعوك لتسمية الأشياء بمسمياتها. الديكتاتوريات العسكريه هى سبب فشل الدوله .

    1. أتفق معك يا أستاذ ود الباوقة الديمقراطية و الحكم الرشيد لا يعيشان ابداً في دولة يعلو فيها الطموح الشخصي والانتهازي وفرض الرأي بالقوة لتحويل الحكم لصالح فئات محددة ولو كان ذلك على حساب الأغلبية الصامتة والمهمشة دوماً من الأبرياء والضعفاء والمساكين والوطن برمته… نظام الحكم في السوداني منذ الاستقلال وحتى اللحظة إما عسكري خالص وإما عسكري يلبس ثوب مدني… وحقيقة غائبة على كاتب المقال ما اتيح من وقت لحكم الدكتاتوريات لو اتيح ربعه للقوى المدنية لاختلف الحال ولكن آفة النخب السياسية والعسكرية عدم الوقوف ولو لحظة في محطة تجارب الحكم الفاشلة ومراجعتها ونقدها والتعلم من الأخطاء ولكن الكبرياء الزائفة والمدمرة تمنع كل من أخطأ في حق الوطن من قول:كنا على خطأ ويجب محاسبتنا بل اصرارهم على الإستمرار في نفس الطريق الخاطئ وتبربر بالفشل وتخريب المجرب وصنع شماعة العملاء والصهيونية والعلمانية والمؤامرات الخارجية بل حتى الثورات لم تنجو من الاهتامات ليعلق عليها الفشل الناتج عن انانيتنا السياسية وعدم البحث عن أسباب الفشل التي نصنعها بأيدينا من خلال تمسك البعض بالحكم ولو على جثث الأبرياء … وأهم من ذلك عدم المحاسبة والافلات من العقاب بعد سقوط كل نظام بثورة شعبية او نتيجة لفشله في الحكم بالإضافة إلى عدم بناء مؤسسات دولة قوية ومستقلة يدلاً عن أنشأ قوات تخدم اجندة عرقية وحزبية (خاصةً المؤسسات الأمنية والعديلة والتشريعية) تحت مظلة دستور دائم يحترم وحدة الوطن ويتعرف بتنوعه الاثني والثقافي ونبذ روح العنصرية والجهوية والايدولوجيات المتطرفة التي تقوم على مبدأ فرعون..لا أُريكم إلا ما أرى.. أما الوضع الراهن المعقد فيحتاج إلى تنازلات مؤلمة من أجل الوطن والابرياء من كل الأطراف المتصارعة على الحكم ( جيش ودعم واحزاب ومليشيات قديمة وجديدة وحركات مسلحة-مصالحة ومعادية للحكومة- واعلام وكل من تدخل في الصراع من القوى الخارجية) ومواقف حاسمة يسجلها التاريخ وليس أمنيات وكلام متحيز عبر الميديا وصفحات الجرائد يصعب تحقيقها او اصطفاف لفظي يشجع هذا الطرف او ذاك من أجل مصلحة شخصية ينتظر الظفر بها حال الفوز على الوطن (نعم حال الفوز على الوطن لأننا نرى تدمير البنية التحتية وقتل الأبرياء والضعفاء والنهب والتشريد وهتك الأعراض وتعطيل كل عوامل الحياة الطبيعية للإنسان بقوة السلاح دون وجه حق) وهل القرى والمدن والحقول والمزارع والمصانع والمدارس والمستشفيات والمنازل والطرق ميادين حرب؟؟؟؟؟؟؟وهل وهل…..؟؟؟؟ للسلام المستدام ثمن ولكن ربما يكون أقل من ثمن الحرب المدمرة إن صدقت النوايا!!!!!!!!! والحرب بوتيرتها الحالية ربما تؤدي إلى تفكيك الدولة والسلم المجتمعي وحينها يصعب الحل!!!!!
      وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم ….
      ونسأل الله أن يحقن الدماء ويكتب لنا الأمن والأمان والاستقرار والسلام والتسامح والعدل والعيش في وطن مزهدر بأيدي أبنائه..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..