مقالات وآراء

الخرطوم تنهي “امتحان الحرب” فمتى تبدأ سؤال السياسة؟

مراقبون يتوقعون فتح الأبواب أمام مختلف القوى لإعادة تقييم مواقفها على ضوء المعطيات الجديدة

 

 

ملخص

كيف يمكن أن ينعكس تأثير التطورات الميدانية الأخيرة على المشهد السياسي السوداني، وهل تفتح عودة الخرطوم الأبواب لتوافق طال انتظاره بين الفرقاء السودانيين؟

جاء الإعلان عن تحرير العاصمة السودانية الخرطوم وخلوها من قوات “الدعم السريع” خلال وقت تعاني الساحة السياسية في البلاد تصدعاً وتمزقاً وشللاً سياسياً تحت زخم الحرب وغبار المعارك طوال العامين الماضيين، فكيف يمكن أن ينعكس تأثير التطورات الميدانية الأخيرة على المشهد السياسي السوداني، وهل تفتح عودة الخرطوم الأبواب لتوافق طال انتظاره بين الفرقاء السودانيين؟

عقب إعلانه “الخرطوم حرة” بيوم واحد، جدد الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة، تأكيد عدم رغبة الجيش في الانخراط بالعمل السياسي أو القيام بأية أدوار سياسية خلال المرحلة المقبلة، لكنه سيعمل على تهيئة الظروف المواتية لتولي حكومة مدنية منتخبة مقاليد السلطة في البلاد.

وذكر بيان لمجلس السيادة عقب لقاء البرهان المبعوث الألماني الخاص للقرن الأفريقي هيكو نتشكا أن الطرفين بحثاً السعي إلى إجراء حوار شامل للسودانيين، وتشكيل حكومة تكنوقراط تعمل على تهيئة البلاد للانتخابات ضمن خريطة الطريق التي أعلنت عنها الحكومة أخيراً.

ووفق البيان، أكد المبعوث الألماني استعداد بلاده لدعم جهود إعادة الإعمار في السودان، والإسهام مع الشركاء الدوليين في عمليات البناء والإعمار لما بعد الحرب.

ومنذ أيام أعلن الجيش انتصاره على قوات “الدعم السريع” واستعادة سيطرته على كامل العاصمة الخرطوم بعد عامين من الحرب، فيما شوهدت أرتال من تلك القوات وهي تتجه نحو جنوب ولاية الخرطوم، لتعبر جسر جبل الأولياء نحو ولاية النيل الأبيض وكردفان ودارفور.

ليست النهاية

يوضح عضو المجلس القيادي لتحالف القوى الديمقراطية المدنية (صمود) والأمين السياسي لحزب البعث القومي كمال بولاد أن دخول الجيش العاصمة الخرطوم، على رغم أنه تطور كبير ومهم في مجرى الحرب الراهنة فإنه ليس نهاية لها، لا سيما أن هذه الحرب لديها خصوصية في تاريخ السودان الطويل مع الحروب، كونها اندلعت في مركز الدولة وعاصمتها وتمت بتخطيط سياسي محكم من تيار سياسي إسلاموي يعد من أكثر تيارات النظام الإسلامي السابق في السودان تطرفاً، بهدف الوصول إلى السلطة داخل البلاد.

وأشار بولاد إلى أن “هذه الحرب ومنذ يومها الأول كانت تستهدف وصول ذلك التيار إلى السلطة، ولا علاقة أو ارتباط لها بقضايا الهامش كما في حروب الريف السوداني السابقة، إذ إن مصالح هذا التيار الإسلاموي ارتبطت بالسلطة خلال ثلاثة عقود، وأصبحت متجذرة وممتدة لأجيال لم تعد معها قادرة على العيش خارج السلطة، وهو ما يمكن أن يفسر الإصرار على استمرار الحرب على رغم آلاف الضحايا وسط المدنيين والتخريب الكبير للبنية التحتية، ومآسي النزوح واللجوء لملايين السودانيين في أقسى الظروف”.

وتابع “ما زال الإسلامويون يقاتلون من أجل إيجاد معادلة تؤدى إلى عودتهم إلى السلطة على جماجم المدنيين وأطلال بيوتهم، وفي المقابل ستظل القوى المدنية السياسية ترفع راية إيقاف هذه الحرب العبثية واستعادة الحكم المدني وعزل الإسلامويين الذين أسقطتهم ثورة الشعب السوداني، فضلاً عن افتضاح فسادهم وتخريبهم للمجتمع السوداني وتأجيج حروبه وقتل معارضيهم خلال ثلاثة عقود حكموا فيها منفردين، وعلى رغم ذلك لفظهم الشعب”.

ويرى بولاد أن “المهم الآن هو ضرورة وصول الأطراف المتحاربة إلى اتفاق لإيقاف الحرب في كل أنحاء البلاد، لأن تجارب الحروب في السودان علمتنا أنها يمكن أن تنحسر في مناطق ثم تشتعل في مناطق أخرى بصورة أشد ضراوة”، مردفاً “إذا لم يستفيد الجيش من تقدمه ويعود إلى التفاوض مع ’الدعم السريع‘ وجميع حاملي السلاح في السودان للوصول إلى صيغة الاتفاق الذي يخاطب أسباب وجذور الأزمة ويوقف الحرب ويبنى جيشاً موحداً بعقيدة وطنية واحدة، والعودة إلى العملية السياسية وإعاده البناء، ستظل الحرب مستمرة لوقت طويل”.

ويوضح بولاد “من المهم تحديد مهام الانتقال والاتفاق على مدته وصولاً إلى التفويض الانتخابي الشعبي بعد تهيئة شروطه”، لافتاً إلى أن “هذا المشروع هو ما يتبناه تحالف ’صمود‘ وطرحه على القوى السياسية خارج التحالف وكل من قيادة الجيش و’الدعم السريع‘، بهدف التوافق على خريطة طريق برعاية إقليمية ودولية متفق عليها”.

فراغ سياسي

من جانبه، يرى المتخصص في مجال العلوم السياسية الجامعي الأمين نور الدائم أن “تحرير الخرطوم حدث مهم وفاصل بما له من أبعاد ودلالات عسكرية وسياسية مرتبطة بطبيعة الصراع الدائر نفسه، من ثم من المتوقع أن تظهر ارتداداته وأصداؤه وكل ظلاله على الوضع السياسي الداخلي في البلاد خلال الشهرين المقبلين”.

ويشير نور الدائم إلى أنه وبمثل ما يتوقع أن يغير تحرير الخرطوم من معادلات وموازين القوة العسكرية بين الجيش وقوات “الدعم”، فإنه كذلك سيفتح الأبواب أمام القوى السياسية لتعيد تقييم مواقفها السياسية على ضوء المعطيات الجديدة.

وفي شأن التوقعات بتقارب محتمل بين تحالف القوى الديمقراطية (صمود) الذي يضم قوى سياسية وجماعات مدنية مناهضة للحرب، اعتبر نور الدائم أن مثل هذا التقارب بات خلال الوقت الحالي مرهوناً بطبيعة نيات وتوجهات وأهداف قيادة الجيش خلال الفترة المقبلة، ويعتمد كذلك وبدرجة أقل على مواقف القوى السياسية الداعمة لخط الحسم العسكري بالداخل.

ويرى أن “التحدي الحقيقي والأكبر أمام قيادة الجيش بعد أن تعززت قبضتها على السلطة بإعلان تحرير الخرطوم، هو في سرعة العمل على ملء الفراغ السياسي والدستوري الذي تعيشه البلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام، خلال وقت تتنازع القوى السياسية المبعثرة بالداخل والخارج، وهي تعاني تمزقاً قاتلاً شل قدراتها على التأثير الجماهيري والفعل الإيجابي”.

ويلفت الأمين إلى أن عوامل الثقة بين أطراف الساحة السياسية بما فيها قيادات الجيش أنفسهم، ما زالت هشة وقد تصطدم أية جهود لترميم تلك الثقة مجدداً بعقبة تضارب الرؤى والمصالح، لذلك يبقى الأمل في أي تقارب مرتبطاً بوجود وسيط موثوق لدى الجانبين، وبحجم التنازلات التي يمكن تقديمها ومدى ملاءمة الأجواء الإقليمية والدولية المحيطة.

ولا يستبعد المتخصص في مجال العلوم السياسية أن يحفز تحرير الخرطوم وخلوها من قوات “الدعم السريع” الوساطات والمبادرات والتحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية، وبخاصة أن تحرير العاصمة من شأنه أن يسهم في تحفيز الحوار السياسي في السودان، مما يعزز فرص إطلاق عملية سياسية شاملة بمشاركة جميع الأطراف.

ويشدد على أن السودان الآن في حاجة إلى التوافق على حكومة انتقالية تحظى بقبول داخلي ودعم دولي وتكون قادرة على إعادة ترميم العلاقات مع المجتمعين الدولي والإقليمي، حتى تتمكن من توفير الخدمات الأساس وإعادة الإعمار.

هل من حوار؟

ومن جانبه، يعد الناشط والباحث السياسي إسماعيل عبدالعظيم أن استعادة الخرطوم بعد عامين من المعارك والدمار وحسم المعركة وفق المعطيات الراهنة، لن يؤثر في المشهد السياسي فحسب بل على كل مستقبل العمل السياسي داخل البلاد، وستكون له تداعياته وإسقاطاته التي ستعجل بعودة عجلة النشاط السياسي إلى الدوران من جديد.

ويرى عبدالعظيم أن “السودان ليس في حاجة إلى استتباب الأمن فحسب، ولكنه يتطلع كذلك إلى الاستقرار السياسي والدستوري والاقتصادي والاجتماعي الذي يعززه النصر العسكري الذي تحقق، وذلك عبر الشروع بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسس من العدالة والشفافية والمشاركة بما يضع حداً للحرب في كل السودان، ومنع فتح جراح جديدة بانتقال المعارك إلى مواقع أخرى في غرب السودان، واستمرار هدر موارد البلاد البشرية والمادية”.

ويتوقع الباحث السياسي أن تشهد الأشهر المقبلة تصاعداً في الدعوات لإطلاق حوار سوداني داخلي تشارك فيه جميع الأطراف السياسية لإكمال إنهاء الحرب وإسكات صوت البندقية في كل أنحاء البلاد، بما يمهد لعملية سياسية ترتب الأوضاع لمرحلة انتقالية متوافق عليها، مشيراً إلى أن ذلك يستوجب استباقه ببرنامج وطني من أجل تحقيق الاستقرار السياسي الضامن لبناء نظام حكم مستقر وديمقراطي.

وتبنى البرهان خلال وقت سابق خريطة طريق تتضمن إطلاق حوار وطني شامل لكل القوى السياسية والمجتمعية، والترحيب بكل من يرفع يده عن المعتدين وينحاز للصف الوطني، وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة لاستئناف مهام الفترة الانتقالية والعمل على تجاوز تبعات الحرب.

وتحول الصراع على السلطة في الخرطوم، الذي بدأ كأزمة سياسية خانقة تغذيها الصراعات والتجاذبات السياسية حول إدارة الفترة الانتقالية، إلى حرب دامية بين الجيش وقوات “الدعم السريع” ما زالت مستمرة منذ نحو عامين مخلفة أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.

والأحزاب السياسية السودانية متهمة من جانب كثر بتاريخ طويل من الخلافات وتعطيل مشروع الدولة الوطنية، بانخراطها في دوامة صراع على السلطة منذ انتخاب أول حكومة وطنية عام 1953، إذ غرقت البلاد في دوامة لا تنتهي من الصراعات.

اندبندنت عربية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..