بذرة خبيثة وشجرة طيبة!

معاوية يس *

لعله مما يوغر صدر المرء ويؤلم قلبه أن لا يصغي المعنيون بالأمر إلى نصحه. ويزيد القلب إيلاماً أن يرى المرء بلاده مقبلة على فاجعة لشدّ ما حذر منها، ودعا إلى تفاديها. وهاهو السودان مقبل بخطى وئيدة صوب حروب جهوية لن تيقي ولم تذر شيئاً في نظام المحفل الخماسي الذي يتدثر بعباءة الدين المسيس. ها هي ذي الحرب مستعرة الأوار في جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين تمثلان جنوب السودان الشمالي. وتلك هي دارفور في الغرب تغلي بانتظار تجدد القتال في إطار تحالف جديد بين الحركات المناهضة لمحفل الإسلاميين الزائفين. وتلك هي حلقة الربط المفقودة ولاية شمال كردفان تتهيأ للالتحاق بتمرد الجهات لتحكم الخناق على المحفل الذي لن تصمد ميليشياته في وجه مقاتلي القبائل والمناطق المهمشة بحق الذين سيزحفون مدفوعون بغبائنهم ومراراتهم التاريخية لتصفية إرث من التجاهل والعنصرية والسرقة المنظمة للموارد والأموال ظل مستمراً منذ العام 1989.
هل هو مصير نريده لبلادنا العزيزة؟ لا. لكن تجاهل النصح الذي ظللنا نسديه وأسداه كثير من الحادبين على الوطن غيرنا هو النتيجة المنطقية لهذه المقدمة التي استمرت طويلاً من احتقار الهوامش، وظلم المهمشين، والتلاعب بالعرقيات، والشعور بالغبن والاستلاب، حتى أضحى كثيرون يشعرون بأن الانتماء إلى التراب والنيل والصحراء بات بيد الجلاد الذي سرق ونهب واحتكر وقتل وأباد، صار ثملاً من شدة شعوره بالنشوة من نجاحه الخارق في شراء الوقت، والتذاكي واستغفال الآخرين. مقاتلون مقبلون بذلك القدر الكبير من الحسابات المستحقة للتسوية لن يوقفهم مانع من تصفية تلك الحسابات، فهم مقتولون جوعاً وتهميشاً وغدراً إذا لم يموتوا بسلاح ميليشيات المحفل الخماسي الذي يعتقد بأنه لا تزال ثمة فسحة من الوقت للعب بورقة الشريعة المسيّسة و"التمكين" بالحيلة والخدعة واستحلال حرمات الله.
الحق أن العاقل ليس بحاجة إلى نصح، إنما هم الحمقى الذين يجب علينا أن نستمر في إسداء النصح إليهم، ليس حرصاً منا على نجاتهم، لأنهم لن يكونوا بمنجاةٍ من رب العباد الذي لم يراعوا حرماته، بل هو حرص على مصير ما تبقى من السودان ومن بقي من أهله الذين أفنتهم حروب الإبادة العبثية والتهجير القسري والنزوح الداخلي والتشريد والفقر المدقع. وهي مثل بقية النصائح السابقة لن تجد أذناً صاغية لدى المحفل المتأسلم الذي أعماه البَطَر بما نهب من أموال، وبما ابتنى أقطابه من قصور، وبما اكتنزوا من الكسب الحرام.
صحيح أن جبهات الحروب الجهوية والأهلية التي يشهدها السودان الشمالي تشهد هدوء في الوقت الراهن، ليس بفعل ما تدعيه أجهزة إعلام المحفل الحاكم من انتصارات وغنائم، وإنما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة. الحق أن كل الدلائل تشير إلى أن مناهضي الحكومة من أهل المرارات والغبن يجمعون شتات صفوفهم، بحسب ما تنبئ به اجتماعاتهم المتواصلة في لندن وكمبالا ونيروبي، وبحسب ما تدل عليه اتصالاتهم التي تنقطع بعضهم ببعض في معاقلهم في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان وشمال كردفان. وترسخ هذه المرة، خصوصاً بعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، الاقتناع في أذهانهم بأن الحل الأوحد للأزمة التي أوجدها استئثار محفل المتأسلمين بالسلطة والثروة ومصير البلاد يتمثل في قتال يأتي على الأخضر واليابس، حتى تخرج من رحم الفوضى الآتية أصوات العقلاء المنادين بأسس عادلة منصفة لبقاء وحدة الشمال السوداني، بعدما فرّط المحفل الحاكم في وحدة السودان القديم في مقابل أوهام بإعفاء رئيسه من مقصلة المحكمة الجنائية الدولية، ورفع العقوبات الأمريكية عن كاهل نظامه.
ربما كان مؤيدو المحفل الخماسي راضين بحلمهم المتواضع في الاستئثار بمثلث يشمل ولايات الوسط والشمال القصي، يتخلصون فيه من كل الأعراق والقوميات التي يعتبرونها غير عربية، ولو قبلوا أن يتكرموا عليها بصفة الإسلام فهو قطعاً ليس من ملة الإسلام المسيس الذي يبيح النهب والقتل والفساد المالي والتهتك الأخلاقي. لكنهم ? من أسف- ضيعوا فرصة تحقيق حلمهم الهوان بتماديهم في إهانة شعوب السودان وقبائله، وانتزاع مواردهم وثرواتهم، وتعمد حرمان مناطقهم من التنمية والمشاريع والمصانع، علماً بأن بعض تلك المناطق يساهم في موازنة الدولة المركزية بما يفوق 70 في المئة.
بات محل شك أن يقبل بعض أرجاء ذلك "المثلث" البقاء في تحالف مع نظام المحفل بعدما أضحت نذر الحروب الأهلية تهدد ثلاثة أرباع السودان القديم، وبعدما أكد حكماء قبائل الشمال النيلي أن أنتماء أقطاب المحفل الحاكم إليها لا يلزمها بتأييد سياسات المحرقة والإبادة التي يتبعونها.
لم تبق تلك السياسات الخرقاء مجالاً لدعوة إلى تحكيم العقل، وضبط النفس. فقد غرس حكام السودان تلك البذرة الخبيثة وليس عليهم أن يتوقعوا أن تنبت شجرة طيبة. سيخسر السودانيون الأبرياء الذين لا هم لهم بالسياسة، ولا مطمع لهم في سلطة، ولا تسوّل لهم أنفسهم سرقة قوت إخوتهم وأطفالهم وبناتهم. سيدفع كثيرون منهم الثمن بأرواحهم ودمائهم. وستخسر أجيال مقبلة من السودانيين التعليم والصحة والمرافق والاستقرار ريثما تكتمل شرائط التوافق الوطني والإجماع على شكل الوحدة الشمالية العادلة المنصفة. ثمن لا مندوحة من أن يدفعوه. هكذا تصنع الشعوب مستقبلها، انطلاقاً من حاضرها. وكم سيكون مؤلماً عناء التخلص من أوجاع الماضي التي سيخلفها المحفل الحاكم بعد اندحاره. مهما طال الليل فسيطلع الفجر… ومهما طال شعور الشعب بالحزن على ما آلت إليه حاله، فإنه حين يتفجر غضبه لن تكون ثمة نتيجة سوى التغيير.
ـــــــــــــــــــــ
* صحافي من أسرة "الحياة"
[email protected]

ــــــــ

[COLOR=blue]الراكوبة تحمد الله كثيرا على سلامة الأستاذ معاوية يسن الذي عاد الى الكتابة في الشأن الوطني بعد العملية الكبيرة التي أجريت له.[/COLOR]

تعليق واحد

  1. هذا ما نخشاه ، كل من يريد تطبيق أفكار لا الزمان زمانها و لا المكان مكانها سيجر شعبه لويلات لا يعلم بها إلا الله …الملايين أبادوهم في حروب لم يجني منها الوطن سوى الخراب و انفصال جزء عزيز منه ، مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء في دار فور ناهيك عن المغتصبات و الممتلكات المنهوبة ، 3 ملايين في معسكرات النازحين من سبع و ثمان سنوات ، لا مأوى و لا حياة كريمة ، أكثر من ستة ملايين هاجروا في بلاد الله الواسعة ، ديون مقدارها 39 مليار دولار ، لا تنمية لا حياة كريمة ، كم شارع زلط و كم كبري و سد يريدون أن يذروا بها الرماد في العيون و يخفوا تحتها سرقاتهم من قصور و كروش و حسابات محلية و أجنبية و ما هو مكتنز في البيوت مثل ما فضح الله به قطبي المهدي … لعنة الله على النهابين السراق الحامية القتلة …

  2. الف حمدا لله على السلامة استاد معاوية وعودا حميدا واهلا بك نين قرائك الدين افتقدوك قلما جريئا منافحا صلبا شايل هم الوطن ونحن دوما على الوعد لزلزلة هدا المسخ الدى جثم على صدورنا 22 عاما

  3. حركة اللاعنف للتغيير تطرح خطتها لاسقاط النظام
    1- اتباع اساليب اللاعنف كعدم التعاون والحوار مع النظام . الاضربات والاعتصامات والمنشورات واستقطاب الافراد من معسكر الخصم وتوحيد جهود الاحزاب والمنظمات المدنية والافراد لتبني اللاعنف ولاشئ غير اللاعنف لاسقاط النظام
    2- دعوة الحركات المسلحة للتخلي عن منهج الكفاح المسلح والعمل لاتباع اساليب اللاعنف
    3- وضع استراتيجية متكاملة
    4- اللاعنف افضل الوسائل واقلها خسارة واقربها تطابقا للفطرة والدين واكثرهافعالية وضمانا مابعد نجاح الثورة لخلق مجتمع يحترم الحقوق
    5- للمزيد اتصل على 0912923816 او الايميل [email protected]
    أو الفيسبوك sabri khalil

  4. عوداً حميداً وألف لا بأس عليك استاذنا النبيل معاوية يس.. شفاك الله وعافاك وسلكم من كل بلاء ومكروه.
    لقد افتقدنا قلمك الذي يفيض بحب الوطن واهله. وها قد عدت ثانية، وأنت مازلت بعد عليل، تدمي قلوبنا وتستمطر عيوننا كمداً وحزنا ً على وطن يضيع من بين أيدينا بفعل المحفل اللعين، وقد تمثل فينا وفيهم قول الله تعالى وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهh القول فدمرناها تمديرا">> ومنذ تأمرهم علينا في غفلة منا ما زال التدمير مستمر وقد ازدادت وتيرته ونحن فقط نترقب وننتظر مسلسل النهايات ا لمتطاولة المؤلمة والمتددة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً مستحدثاً وقلباً كسيرا عليلاً في الجزيرة العطشى.
    عوداً حميداً أخي معاوية .. ورفقا بنفسك وقلبك، فهموم وطننا ومآسية البادية يهد حملها القلب الوطني المخلص الرقيق.
    بولاد

  5. حاول ناقش المكتوب امامك وبين نقاط اختلافك حتى يطلع المتابع عن الفكرة التي تحملها في رأسك ويستفيد من رؤيتك

  6. الجنون فنون ويذكر علماء النفس بان السلطه والعطمه تصيب الرؤساء الذيت قضوا عمرا يناهز العقدين من الزمان او اكثر والتى اصابت ابو عاج فى مقتل حيث ان الكيزان هم الذين نصبوه اماما للمسلمين وما جنون القائد الاممى وملك ملوك افريقيا ببعيد عن الاذهان. وصاحبنا المشار اليه فى المقال اصابه جنون السلطه بانحيازه لدولة الفرس واصبح ناكر جميل لدول الخليج التى تاوى عماله مقدره من شعبه وسيتحالف مستقبلا مع دولة الكيان الصهيونى على حسب ما جاء على لسان نائب برلمانى.

  7. الف حمد الله علي السلامة استاذ معاوية يس ,,,
    فالنواصل معا النضال حتي سقوط حكومة الفساد والدمار والقهر..

  8. للاسف الشديد …لم يعد هنالك مساحة للاقتراحات والمبادرات…لان الجميع بات يعرف بانها مرفوضة مسبقا….كل مبادرات قوى الاجماع الوطنى ..لانهاء الازمة…..رفضت ..من جانب الانقلابيين…والمعنى واضح..رفض كل الحلول السلمية…والدليل ..مصادرة صحف المعارضة ..منع المسيرات السلمية…قصف المدنيين فى جنوب كردفان والنيل الازرق مرارا…..رغم الادانة الواسعة…. ……الاعتقالات …على خلفية اى تجمع اومظاهرة او…اجتماع…باختصار..بعد حكم الجنائية ضد مرتكبى الجرائم…هؤلاء البشر لن يتخلوا عن الحكم ..طواعية ..ولن يكون هنالك تداول سلمى للسلطة…الاسلم للبلاد ان ياتى الحل السلمى من الجيش..

  9. الاستاذ معاوية مع تاييدي لمعظم ما قلته ارى ان هناك لهجة مبطنة للتحريض وادلف فقط على ما تذكره من السودان الشمالي وكانه يعيش الان في بحبوحة وتبعده عمدا من المهمشين علما ان السودان كله مهمش الا العصبة الحاكمة ومن سايرها ومن يريد ان يسايرها والشمال هذا الذي يظن ان حكام هذا النظام منه نجد ان معظم مؤيدي الجبهة سابقا كانوا من ابناء الغرب واسف ان اقول هذا الكلام ورغم انها حقيقة لكني لاابني عليها ثم هناك التناسي العمدي للحركة الشعبية وهي مع الجبهة الاسلامية من وأدوا نظامنا الديقراطي ثم اتوا وتربعوا على حكم البلد ونشروا العنصرية والبغضاء بين ابناء الوطن رغم ما نلاحظه من التغاضي عن سوء الحركة الشعبية وحتى بعض حركات دارفور وعنصريتها وهم شركاء مع المؤتمر الوطني في كل ما حل بهذا البلد من تدهور وما سيحل لاحقا . لكن يجب ان ينتبه العقلاء في السودان وعندما اقول العقلاء اقصد كل اهل السودان والا يلتفتوا للعنصريات هذه التي يريد ان يغرقنا فيها البعض الذين اعمى الحقد قلوبهم ويبدأوا من الان في تنظيم نفسهم وتجهيز ثورتهم البيضاء والمسالمة لان هذا النظام عبارة عن حيطة مليئة بالمياه يحتاج فقط لنفخة هواء ليسقط واعتقد انا طريق الاصلاح واضح ولا يحتاج لكثير تنظير المهم حسن النوايا وتمسكنا بكل قيم الخير والمحبة وان يكون نظرنا للامام وان لا ننظر للخلف ابدا مهما تنطع المتنطعون مع خاص تحياتي

  10. الاخ معاوية ، كيف حاللك وحمد لله على السلام ،لم نعرف عن اخبارك الا عند قراءة
    هذا المقال ، الف حمدلله على السلامة وطهور انشاء الله . مدة طيلة لم نتشاهد
    تحياتي للأسرة –
    اخوك / صلاح الجابري

  11. البذور الخبيثة التى لا يمكن ان تنبت اشجارا طيبة مثمرة فى السودان هى بذور الاخوان المسلمين او الجماعات الجهادية البيقتلوا فى المسلمين فقط رجال و نساء و اطفال و الشيوعيين و البعثيين و القوميين العرب!!! البذرة الوحيدة الصالحة لارض السودان هى السوداناوية و التى هى خليط من الزنجية و النوبية و العربية و بعض الاقليات الاخرى اكان قبطية او اوروبية و الدين الاسلامى الوسطى الفيه خير الدنيا و الآخرة و الدين المسيحى و بقية المعتقدات الكريمة لاهل السودان البيختلفوا من بقية شعوب المنطقة!!! الكلام ده خلوه حلقة فى اضانكم و لو زغتوا منه ح تهلكوا!!!!! و اوصيكم بالحرية و الديمقراطية و سيادة القانون و فصل السلطات و الصحافة الحرة اى حاجة غير كده والله الذى لا اله غيره هالكين متفرقين متخلفين و يمكن تجيكم وصاية دولية بعد ما كنتم نوارة افريقيا و العرب قبل نصف قرن ونيف من الزمان!! حريقة فى الضباط الاحرار و الكيزان و الشيوعيين و البعثيين و القوميين العرب حريقة ما تقوم ليهم قايمة بعدها اكان ضيعوا السودان و مستقبل اجياله و الما عاجبه الكلام ده يشرب من البحر و والله لو ما انا بكتب فى مكان عام كنت شتمت شتايم اوسخ من هذه و لا نامت اعين الجبناء!!!

  12. الاستاذ معاويه سبق وتناولت موضوع نقابة الصحفين بجده ارجو ان تتناول موضوع انتخابات الجاليه بجده ولك الشكر

  13. أرجو من من الشماليين الشمال الجغرافي للسودان وأقصد به الوسط والشمال أن يتبرؤا من أبنائم المشاركين في جكومة الفساد وأن مايرتكبونه من ظلم لأهلنا سوى في الغرب دارفور أو الجنوب الجديد جنوب كردفان والنيل الأزرق لايمثلنا ونحن برآء منه بل والله أخونا الدارفوري من أي قبيلة أفريقية متمسك بدينه وعاداته السمحة أحب إلينا من اللصوص والغطاة المنتمين لمناطنا ويجب على أهل الشمال أن يسعوا سعياً جاداً لإزالة هذا الورم السرطاني الخبيث وأن يصلحوا ما بثه من فرقة وضغائن بين أبناء الوطن الواحد

  14. أستاذ معاوية يس
    حمد لله على السلامة
    فعلاً حييرنا غيابك في الفترة الفاتت
    على العموم…عدت والعود أحمد:cool:
    مرحباً بقلمك المصادم دوماً على الحق والمنحار لشعبك وكتاباتك النارية المشوقة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..