استقلال دارفور ..

صرخة :

إذا لم يتوقف القتل والعذاب المسلط من المركز على أهل دارفور، واذا لم يتحد اهل السودان كلهم واحزابهم ونخبهم في اعتبار قضية دارفور قضية قومية وهي القضية الاولى قبل قضايا الخبز والسكر والبنزين، واذا لم تتوقف العنصرية النيلية على اهل الغرب ، واذا لم يكف التدخل العربي والاقليمي المستمر منذ 2003 لدعم دولة المركز على حساب دارفور واهلها، فمن الأفضل لأهل دارفور ان يجمعوا صفوفهم ويعملوا من أجل استقلالهم، عن هذه الدولة الظالمة لهم .

مقدمة :
بلغ الحال في اقليم دارفور المنكوب حدا لا يمكن احتماله، بعد 11 عاما من اندلاع الحرب هناك. يتمثل هذا الحال في اكثر من 100 الف من القتلى وضعفهم من الجرحى والمفقودين وتشرد عدة ملايين في نزوح داخلي وخارجي في الاقليم والاقاليم المجاورة ودول الجوار، حتى وصفت الامم المتحدة الوضع في دارفور بانه اكبر كارثة انسانية على وجه البسيطة.
لقد بذلت مساع كثيرة وعقدت جولات كثيرة للحوار، ووقعت العديد من الاتفاقات تحطمت كلها على صخرة الدولة المركزية السودانية وتعنت النظام الحاكم وتنصله من اتفاقاته وتعهداته. كما ان قيادات الحركات الناشطة في الاقليم لم تصل نضجا سياسيا كافيا حيث تمزقت الحركات المسلحة التي بدأت بحركتين لتتناسل منها عشرات الحركات، كما ان الاحزاب السياسية في الاقليم وعلى مستوى المركز تعاني من عجزا مقيما عن تقديم ابسط المساعدات والخدمات لاهل الاقليم، ناهيك عن ان تقدم حلا سياسيا وافقا تنمويا لسكانه، وتفتقد في اغلبيتها العظمى اي رؤي استراتيجية للمستقبل الاقليم والسودان، فهل يكون طرح استقلال دارفور هو الطرح القادم لمعالجة تعنت الدولة المركزية وانهاء عذابات سكان الاقليم ؟

هل تملك دارفور مقومات الدولة المستقلة :
في اعتقادي إن دارفور تملك مقومات ان تكون دولة مستقلة ، فهي تمتلك مساحة ضخمة من الاراضي بلغ 510 الف كيلومتر، وهي اكبر بذلك من فرنسا واغلب الدول الاوربية ، وتأتي في مرتبة المساحات المتوسطة في افريقيا . كذلك تمتلك دارفور العديد من الموارد المادية الرعوية والزراعية والمعدنية والمائية . فدارفور تحتوى على ثروة حيوانية ضخمة تتراوح ما بين الابل في الشمال والغنم في الوسط والابقار في الجنوب ، كما تتميز بثروة زراعية كبيرة من الصمغ العربي والحبوب مثل الدخن والذرة والقمح ، كما تنتج الفواكة والتبغ والخضر وخصوصا في جبل مرة . وتتمتع دارفور بثروات كامنة تحت الارض من اهمها الذهب والنحاس والحديد واليورانيوم والبترول ، كما تتمتع بثروة مائية ضخمة عبر الانهار في جنوبها والخيران ومياه الامطار والمساقط المائية في وسطها وشمالها وثروة ضخمة من المياه الجوفية في بحيرة تعتبر الاكبر من ضمن تجمعات المياه الجوفية في افريقيا .

كذلك تعتمد دارفور على ثروة سكانية كبيرة ، فعدد سكانها يقارب ال8 مليون حسب اخر احصاء سكاني في 2008، وهو ما يتجاوز عدد سكان العديد من دول العالم وافريقيا، ويعتقد ان العدد الحقيقي للسكان يتجاوز ال10 مليون في دارفور نفسها، ناهيك عن ابنائها المهاجرين للاقاليم الاخرى ودول الجوار. وسكان دارفور معروف عنهم حب العمل والانتاج ، وهم مهرة في الصناعات اليدوية وفي الزراعة والرعي، كما بهم مجموعات تخصصت في التجارة ، وقد اثبت تجار دارفور نجاحا سواء داخل السودان او خارجه في الدول المجاورة ، رغم عدم دعم الدولة لهم بل ومضايقتها اياهم . وفي العقود الاخيرة ورغم التهميش فقد تعلم الكثير من ابناء دارفور بالداخل والخارج وعملوا في المنظمات العالمية واغتربوا مما يؤهل دارفور لامتلاك جهاز اداري ونخبة من المثقفين والاداريين بإفضل مما هو متوفر لكثير من دول الساحل والقرن الافريقي التي تمتلك دولها المستقلة.
فضلا عن ذلك فإن دولة دارفور تملك مشروعيتها التاريخية في كون دارفور كانت دولة مستقلة – تحت اسم سلطنة دارفور – لمدة اربع قرون وذلك منذ القرن الخامس العشر وحتى بداية القرن العشرين، حيث احتلت وضمت للسودان في عام 1916 ، وبذلك فإن نوعا من الوعى القومي والاحساس بالدولة يوجد في دارفور اكثر مما يوجد في دولة ارتريا او جنوب السودان مثلا .

معوقات قيام الدولة في دارفور :
رغما عن وجود مقومات كثيرة لقيام دولة مستقلة في دارفور ، فإن هناك الكثير من المعوقات التي يمكن ان تعوق قيام الدولة في دارفور ، اذكر منها :
1- انغلاق الاقليم كمنطقة داخلية لا منفذ لها الى البحر ، مما يمكن ان يعطل نموها الاقتصادي في حالة قامت كدولة مستقلة ويعرضها للابتزاز من الدول التي يمكن ان تتجار عبرها – مثل السودان او تشاد – ليبيا – . هذا الامر تعاني منه العديد من الدول في افريقيا والعالم وبعضها استطاع حله عبر سياسات متوازنة مع الجيران وبعضها فشل في ذلك .
2- قضية الخلافات على الحدود وما يمكن ان تشكله من عقبات في طريق قيام الدولة او استقرارها فيما بعد . ومن اهم هذه الخلافات الخلاف المحتمل على الحدود مع دولة السودان عبر الحدود مع الاقليم الشمالي حاليا، حيث يزعم العديد من الدارفوريين ان دارفور كان لها حدود مشتركة مع مصر ، وان اراضي ما بين دارفور ومصر تم ابتلاعها من قبل الاقليم الشمالي. هناك ايضا الخلافات الحدودية القائمة حاليا بين السودان وجمهورية جنوب السودان ، والتي ستورثها دارفور لا محالة في حالة قررت الاستقلال، وهي خلافات على مناطق مثل كافي كنجي-حفرة النحاس وخلافات حول الحدود على نهر بحر العرب الخ ، وكذلك خلافات حدودية مع افريقيا الوسطى .
3- التمزق القبلي والجهوي في دارفور . ذلك ان دارفور تسكنها اثنيات مختلفة تختلف في انماط معيشتها وفي اصولها العرقية وامتداداتها الخارجية الخ ، وقد ادت سنوات من الصراع اضافة للحساسيات التاريخية الى وجود شروخات في التكوين الاجتماعي لاهل دارفور ، وفي ضعف الشعور القومي الواحد ، وهذا امر تعاني منه اغلب دول افريقيا ، ولكنه في دارفور قد يكون ابلغ اثرا في ظل حالة التوتر والصدامات القبلية والحشودات الحالية .
4- ضعف البني التحتية والاقتصاد الحديث ? وذلك ان دارفور لم تشهد اي تطو
5- الاستقطاب من طرف دول الجوار. حاليا لن تشكل ليبيا خطورة على دارفور ولن تحاول استقطابها كما كانت تفعل على عهد العقيد القذافي، بعد ان غرقت في مشاكلها الداخلية. لكن الاستقطاب الخارجي يمكن ان يتم من طرف ثلاثة دول هي السودان وجنوب السودان وتشاد ، فوقا عن الصراع على النفوذ ما بين الفرانكفون والانجلوفون في افريقيا والنفوذان الامريكي والفرنسي من جهة ، واحتمال دخول لاعبين جدد مثل روسيا والصين من الجهة الاخرى.
6- عدم الاستقرار الامني نسبة لانتشار السلاح وسيادة ثقافة العنف ، سواء الثقافة الراجعة لاصول تقليدية قديمة وكما تتبدى في الصراعات القبلية، او التي تراكمت خلال العقدين الاخيرين ونتجت عن الحرب التشادية اولا ثم الحرب الاهلية الدائرة منذ 2003 في الاقليم .
7- ضعف القيادة السياسية وعدم وجود حركة غالبة وسط الدارفوريين يمكن ان تقود معركة الاستقلال كالجبهة الشعبية في ارتريا سابقا او الحركة الشعبية لتحرير السودان في جنوب السودان .
8- امكانية الخلاف حول تقسيم ممتلكات الدولة السودانية المشتركة (assets) والتزاماتها العالمية ( الديون مثلا).

تأريخ المطالبة بإلتحرر السياسي لدارفور :
لم تكن المطالبة باستقلال دارفور عالية وواضحة، كما كان عليه الحال في التجربة الارترية منذ البدء او تجربة جنوب السودان على عهد الانيانيا . مع ذلك نجد ان بعض الاصوات الخافتة كانت تدعو لذلك من حين لآخر. من ذلك حركة سوني او اللهيب الاحمر في الستينات وهي حركة غامضة تم القضاء عليها في مهدها ووصفت بالعنصرية من قبل المركز، وتوجد معلومات قليلة عنها.
بعد ذلك تم تكوين تنظيم سياسي- مطلبي في الستينات تحت اسم جبهة نهضة دارفور. وقد كان تحالفا سياسيا ضم الكثيرين من ابناء دارفور على مختلف اتجاهاتهم ، فقد كان فيه مؤيدون لحزب الامة واخوان مسلمون ويساريون، وعمل تحت قيادة أحمد ابراهيم دريج، والذي ما لبث ان انضم لحزب الامة وترك التنظيم أو اهمله. وقد قامت محاولات من بعد لبعث التنظيم في الثمانيانات والتسعينات ولكنها لم توفق . وعموما لم يطرح ذلك التنظيم قضية استقلال دارفور بل كان اقصى ما يطمح فيه هو تطوير دارفور وتنميتها وربما حكمها ذاتيا، ولكن تميزه يأتي في انه اول تنظيم حديث يجمع الدارفوريين على اسس انتمائهم لدارفور وليس انتمائهم السياسي او القبلي او المناطقي .
من جهة اخرى كانت انتفاضة دارفور في 1981 وانضمام دريج حاكم الاقليم لها ملمحا باروا في تكوين الوعي الدارفوري وفي لعب الدارفوريين دورا اكبر في الصراع السياسي في السودان. بينما عادت دارفور تقريبا للخضوع السياسي للمركز في فترة الثمانينات ، حيث فاز حزب الامة ب35 دائرة فيها والجبهة الاسلامية بثلاثة دوائر – بالخديعة – بينما حقق مرشح الحزب الشيوعي في جبل مرة نتيجة جيدة سيكون لها اثرها في الدفاع اليساري فيما بعد .
بعد انقلاب الانقاذ انضمت كثير من كوادر الحركة الاسلامية الدارفورية للنظام، الا ان ان فترة التسعينات قد شهدت نشاطا كبيرا لقيادات دارفورية معارضة، كان من بينها انضمام الشهيد بولاد للحركة الشعبية لتحرير السودان ومحاولته فتح جبهة دارفورية ، وهي المحاولة التي بائت بالفشل وادت لتصفية الشهيد بولاد. اعقبها قيام كل من احمد ابراهيم دريج وشريف حرير بتكوين التحالف الفيدرالي الديمقراطي السوداني في عامي 1993-1994 ، والذي انضم للتجمع فيما بعد وكانت له قوة عسكرية صغيرة ، الا انه فضل ان يعمل بالجبهة الشرقية بدلا من النشاط في دارفور . كما رفض دريج ان يحول تنظيمه الى تنظيم لابناء غرب السودان، حينما دعاه لذلك شباب دارفوريون في المهجر في التسعينات .
بنهاية التسعينات كانت هناك مجهودات لفتح جبهة معارضة في دارفور ، كان يقودها الاستاذ صلاح ابو السرة واخرون ، لم تكلل بالنجاح . كما صدر في نفس الفترة “الكتاب الاسود “، والذي من الواضح انه تمت كتابته من قبل كوادر دارفورية انقسمت عن النظام. وقد اُتهم علي الحاج محمد بالوقوف وراءه، بينما ادعت حركة العدل والمساواة فيما بعد انه كتابها. وربما كان الكتاب الاسود اقوى وثيقة سياسية عبرت عن هموم غرب السودان وحضرت للثورة في دارفور.
في عام 2002 تكونت في سرية تامة جبهة تحرير دارفور والتي وزعت منشورات وكاسيتات في اواخر ذلك العام وبدايات عام 2003 ، وقد كونها بعض اليساريون وبعض العائدون من ليبيا وبعض الكوادر العسكرية، ويعتقد انها الحاضنة لحركة تحرير السودان الحالية. وقد قامت الجبهة باولى العمليات في قولو في مطلع عام 2003 ، ورفعت علمها – علم دارفور – على الحامية، كما اخرجت بيانا لها بنفس الاسم، الا انها سرعان ما غيرت اسمها وتحولت الى حركة تحرير السودان، تحت قيادة الثلاثي عبد الواحد نور ومني اركو مناوي وعبد الله ابكر، ويبدو ان تغيير الاسم والهدف جاء نتيجة لضغط من الحركة الشعبية لتحرير السودان وضغوط من بعض ناشطي دارفور وكذلك تخوف ان تكون الدعوة الانفصالية مدعاة لانصراف المؤيدين من السودانيين والخارج عن الحركة الوليدة .

فيما بعد طرح احد قادة العدل والمساواة المنشقين عنها، وهو ادريس ابراهيم ازرق شعار استقلال دارفور. وكان ازرق قد اعلن بعد فترة من تكوينه جناحا منشقا من العدل والمساواة، عن تكوين جبهة استقلال دارفور/ جيش استقلال دارفور وذلك في اغسطس 2007 ، وهي جبهة لم تجد حظها لأن تصبح مؤثرة في الحراك الدارفوري . كما تأسس في نفس العام منبر دارفور الديمقراطي، وهو تنظيم صغير اسسه عدد من الديمقراطيين والليبراليين واليساريين الدارفوريين، بقيادة عبد المجيد صالح هرون، دعا الى تقرير المصير لدارفور، وكان في الحقيقة تنفيذا لفكرة الشهيد محمد عبد الله ادم ، خريج جامعة جوبا والذي دعا الى تكوين تنظيم يساري علماني لغرب السودان، بالضد من هيمنة الكيزان وتعالى الشيوعيين على طلاب دارفور حينها. كما طرحت الفكرة من قبل شخصيات وناشطين وتنظيمات صغيرة في الفضاء الدارفوري.

دور الحرب والثقافة في تكون الشعور القومي الدارفوري:
لعبت الحرب الدائرة منذ عشرة سنوات ونيف دورا كبيرا في تكون الشعور القومي الدارفوري. فعند بداية الحرب قامت مجموعات شبابية من عرب دارفور بمحاولة الانضمام لحركة تحرير السودان، والتي كانت في بدايتها تجمع قيادات تنتمي للفور والزغاوة والمساليت الخ .. كان من بين هذه المجموعات الشبابية مجموعة بقيادة انور خاطر وهو من شباب المحاميد، كما كان حاضرا هناك المخضرم صلاح ابو السرة. لم تنجح تلك المحاولات واستطاع النظام سريعا شق الثورة بكسبه لمجموعة مقاتلة من شباب العناصر العربية كانت النواة لقيام مليشيات الجنجويد، وقد اطلق النظام سراح محكوم جنائي هو موسى هلال وساعد في تنصيبه زعيما قبليا كي يقود ويدعم مليشيات الجنجويد. كما قامت مخابرات النظام بدور كبير في شق حركة تحرير السودان، وخصوصا بعد استشهاد القائد عبد الله ابكر في 2004 ، والذي كان يدعو لاندماج عرب دارفور في الثورة.
وقد ادى تكوين الحركات المسلحة، حركة تحرير السودان اولا ثم العدل والمساواة ثانيا، الى انسحاب كثير من الكوادر الدارفورية من تنظيماتها السياسية، يمينا ويسارا، وقد كان اول ضحية لهذا التحول هو تنظيم التحالف الفيدرالي الذي رفض رئيسه ان يكون تنظيما لغرب السودان، رغم ان قاعدته كلها كانت من دارفور وكردفان، ولعبت كوداره دورا كبيرا – سياسيا وعسكريا- في مسيرة حركة تحرير السودان. من جهتها انضمت اغلب كوادر المؤتمر الشعبي لحركة العدل والمساواة، ولا يعلم ان كان هذا بموافقة تنظيمهم الام ام تمردا عليه. كما انضم كثير من الشيوعيين والبعثيين واعضاء اللجان الثورية للحركات الدارفورية، واحتفظ فقط حزب المؤتمر السوداني بأغلب عضويته الدارفورية، فيما حقق الحزب اللليبرالي السوداني (لاحقا الحزب الديمقراطي الليبرالي) اختراقات مهمة وسط المثقفين الدارفوريين، وخصوصا من كان لهم رأي سلبي في الحركات المسلحة او ادائها.
عموما مع اشتداد وتائر الصراع وتزايد القمع من قبل النظام للدارفوريين، وخصوصا بعد عملية الذراع الطويلة في 2008 ، فقد اعاد الكثير من الناشطين الدارفوريين تقييم انتمائهم وهويتهم، وشهدنا حتى وسط عرب دارفور المتهمين بالولاء للمركز تحولات في اتجاه هويتهم الدارفورية. على قاعدة هذا الوعي الجديد وقد تكونت جبهة القوى الشعبية الثورية بقيادة الزبيدي وابو السرة واخرون، كتعبير معارض عن ابناء القبائل العربية بدارفور. كانت علاقة هذه الجبهة جيدة عموما مع الحركات الاخرى المتهمة بأنها تعبر عن الكيانات الافريقية في دارفور، ولم تشهد الساحة اي صراع بينهما، بل كانت لهم عمليات مشتركة. وقد انتهى الحال بتلك الجبهة بعد استشهاد الزبيدي لدخول الجبهة الثورية وبصلاح ابو السرة للانضمام لحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد .

من ناحية اخرى فقد تكون جيل كبير من متعلمي دارفور غير المنتمين حزبيا، ولكنهم مع ذلك تفاعلوا مع معاناة اهلهم، فكونوا عشرات المنظمات المدنية والحقوقية لدعم مواطني دارفور، كان من اهمها بالخرطوم هيئة محامي دارفور، والتي تخصصت في الدفاع عن المتهمين والمطاردين من ابناء دارفور، وكان من بينها بالخارج انخراط ناشطين في اكبر حملة دولية للتضامن مع دارفور، وهي حملة Save Darfur، وكذلك روابط دارفور بالجامعات وبالخارج، وتنظيمات مثل الجبهة الشعبية المتحدة التي اريد لها في البدء ان تكون معبرة عن كل طلاب دارفور، وانتهت لان تكون الجناح الطلابي لحركة عبد الواحد، وعشرات من المنظمات الشبيهة. كل هذه المنظمات زادت في بلورة الشعور القومي الدارفوري.
كما لا ننسى الدور الذي لعبته الثقافة في صياغة هوية دارفورية تعي نفسها، ومن بين ذلك نشير الى الدور الكبير الذي لعبته اذاعة راديو دبنقا، ثم راديو عافية دارفور. وقد يكون الفنان عمر احساس لعب دورا كبيرا في بلورة الشعور الدارفوري، رغم انه لم ينخرط في نشاط سياسي فاعل، ولكنه لقي القبول من الكثير من ابناء دارفور، كما كان لليوتوب ونشر تراث الحكامات فيه، دور في تحول النظرة عند الكثير من الشباب الدارفوري تجاه تراثهم، فما عاد تراث الحكامات تراثا سلبيا، وانما واحد من مكونات تراث وثقافة دارفور، يمكن الاحتفاء به والاعجاب به.

امكانية استقلال دارفور في ظل الظروف العالمية:
لفترة طويلة كان هناك اتفاق غير مكتوب في افريقيا بقدسية الحدود الموروثة منذ العهد الاستعماري، وقد ساهم هذا في تصفية حركات انفصالية في كل من بيافرا وكاتانغا وغيرها، وحافظ على دول ليس لها امكانية وجود مستقل مثل ليسوتو وسوازيلاند. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتغييرات الجيوسياسية فقد انكسرت هذه القاعدة ، حيث شهدت التسعينات قيام دولة ارتريا خصما على اثيوبيا، وشهدت الالفية الجديدة قيام دولة جنوب السودان خصما على السودان، وقد تم قبول الدولتين افريقيا ودوليا . اذن ليس هناك ما يمنع قيام دولة مستقلة في دارفور حسب القانون والعرف الدولي .
هذا من جهة، من جهة اخرى فان العذابات التي تعرضت لها دارفور قد ساهمت في قيام لوبي موالي لدارفور وخصوصا في، الولايات المتحدة . هذا اللوبي في جزء منه هو استمرار للوبي الموالي للجنوبيين هناك والذي ساهم في قيام دولة الجنوب . كما ان هناك لوبيات اصغر موالية لدارفور ويمكن ان تدعم استقلالها في اوروبا وافريقيا ، كما ان عددا من الدول المجاورة يمكن ان تدعم استقلال دارفور ، وخصوصا دولة تشاد وجمهورية جنوب السودان.
الا انه من الجهة الاخرى لا تزال هناك تخوفات وممانعات من جهات عالمية كثيرة تجاه انفصال اقاليم جديدة في افريقيا عن دولها المركزية، يتبدى ذلك في حالة كل من الصحراء الغربية ، وجمهورية ارض الصومال. كما ان استمرار عدم الاستقرار في دول الساحل وزيادة النشاطات الاصولية فيها ، والمشاكل التي تعاني منها دولة جنوب السودان الوليدة ، قد تشكل عواملا معاكسة تقف ضد دعم استقلال دارفور او الاعتراف بها في حالة اعلنت استقلالها من طرف واحد. ولنتذكر ان استقلال ارتريا وجنوب السودان قد تما بسلاسة فقط لموافقة كل من اديس اببا والخرطوم عليهما.

سيناريوهات محتملة:
في ظل الوضع الجاري حاليا، والتفتت التدريجي للدولة السودانية من اطرافها، وسيطرة نظام لا توجد به اي درجة من العقلانية ، يجعل استمراره في الحكم فوق مصالح الوطن، ومعارضة رثة في غالبها الاعظم، تعاني من عيوبات تكوينية جمة، ومن ضعف بنيوي عن مواجهة استحقاقات بناء الدولة الوطنية الحديثة، يبدو خيار استقلال دارفور واقعيا، فيما اذا وجدت القيادة التي تستطيع توحيد الدارفوريين حول هذا الهدف، او كنتيجة للتفكك غير المنظم للدولة، كما تم في الصومال مثلا .
ان اشتداد وتيرة العنف في دارفور، وفقدان سيطرة الدولة على الوضع تدريجيا، وتعبئة مليشيات محلية واجنبية كي تحارب معركة النظام هناك، انما هو اللعبة الخطرة نفسها، اذا استعرنا تعبير الروائي ابكر ادم اسماعيل. ولسخرية القدر فان المليشيات التي ينشئها النظام ويسلحها، قد تلعب دورا محوريا في محاولة الانفكاك بدارفور، ومحاولة حكمها بالأصالة لا بالوكالة ، كما تنبأ بذلك الاستاذ النور حمد في مقاله الاخير ” دارفور في نزعها الأخير”.
ان تفسخ النظام من جهة، في نفس الوقت الذي تعجز فيه المعارضة التقليدية والعسكرية عن اسقاطه، وغياب وجود القيادة السياسية الملهمة والقادرة على توحيد الدارفوريين، من الجهة الاخرى، تجعل السيناريوهات مفتوحة في كل الاتجاهات. ويبدو من بين السيناريوهات الاكثر احتمالا هو سيناريو انهيار النظام نتيجة تناقضاته الداخلية في سقوط غير منظم ، قد تنتج عنه حالة اقرب للحالة الليبية . السيناريو الثاني هو استمرار النظام وتداعي الاقاليم في ظل حالة توازن الضعف الحالية ، وتفسخ الدولة والمجتمع تدريجيا. كما هناك سيناريو بروز قيادة جديدة في دارفور تستطيع انتزاعها من طريق التداعي الحالي. كما لا يزال مطلوبا وممكنا سيناريو قيام حلف تاريخي بين قوى التغيير في المركز والهامش، يعيد تكوين الدولة السودانية على اسس جديدة تماما، تضمن ليس فقط بقاء دارفور كجزء من جسد السودان، وانما استمرار الاقاليم الاخرى داخل ما تبقي من دولة السودان .
ان هذا السيناريو الاخير يبدو الاقرب الى قلبي ووجداني، ووجدان اغلب القوى الديمقراطية والمدنية والاهلية في دارفور وعموم السودان، الا انه يبدو بعيدا عن التحقق في ظل التشظى القائم حاليا لقوى البديل، وغياب التنسيق بين القوى الثورية في دارفور وقوى التغيير الجذري في الوسط وبقية الاقاليم، بل وغياب الرؤية الوطنية الاستراتيجية في هموم اغلبها، وبعدها وانفصالها عن هموم المواطن . ان حديث القلب ينحو نحو الوحدة وبناء سودان العدل والمساواة ، ولكن حديث الواقع يقول ان السودان ماض في طريق سلبي، لم يكن انفصال الجنوب باسؤا واخر احتمالاته.
ان تشظى الدولة السودانية وتفككها من اطرافها يبدو احتمالا كبيرا متوقعا، ولكن حجم المشاكل التي تكمن في كل اقليم، والتي تناولناها في باب المعوقات والمخاطر التي تعترض طريق وامكانية قيام دولة مستقلة في دارفور ، تجعل هذا الاحتمال خطرا ومليئا بالتشاؤم، الامر الذي يدعو لتوحيد الجهود في خلال الساعة الاخيرة للبحث عن طريق جديد لحل الازمة السودانية ككل، وفي داخلها ازمة دارفور .
هذا لن يتحقق الا بجهد مشترك من قبل الشرفاء والحادبين، وفق منهج جذ ري يعالج اسباب المشاكل ويسعى لحلها كليا، سواء على مستوى بنية الدولة او هياكلها او رمزياتها ، حتى لا يجرفنا الطوفان . هذا لن يتم الا بتقكيك واعادة هيكلة الدولة السودانية على اسس جديدة، تجعل لمن همشوا طويلا، وعانوا من ويلات الحروب والتدمير ، دورا مركزيا في قيادة سودان المستقبل. هذا لن يتم الا بتقديم تنازلات جمة من قبل النخبة المهيمنة وتكويناتها السياسية وقياداتها، وكذلك اجراء مصالحة تاريخية تزيل غبن العقود.

خاتمة :
في النهاية اكرر ما قلته في صرخة البداية: إذا لم يتوقف القتل والعذاب المسلط من المركز على أهل دارفور ، واذا لم يتحد اهل السودان كلهم واحزابهم ونخبهم في اعتبار قضية دارفور قضية قومية وهي القضية الاولى قبل قضايا الخبز والسكر والبنزين، واذا لم تتوقف العنصرية النيلية على اهل الغرب ، واذا لم يكف التدخل العربي والاقليمي المستمر منذ 2003 لدعم دولة المركز على حساب دارفور واهلها، فمن الأفضل لأهل دارفور ان يجمعوا صفوفهم ويعملوا من أجل استقلالهم، عن هذه الدولة الظالمة لهم .

الا هل بلغت ؟؟ اللهم شعبي فأشهد .

عادل عبد العاطي
4/4/2014

*ملحوظة : هذا المقال والاراء المطروحة فيه يُعبر عن رايي الشخصي وليس عن رأي الحزب الديمقراطي الليبرالي.
=
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكرا استاذنا عادل على هذه الاضاءة الجيدة على الاحوال السائدة في دار منذ اكثر من عقد من الزمان، وهي لفتة هامة لو ينتبه لها أهل الانقاذ السادرين في غيهم، تساندهم بعض الدول العربية بالمال والسلاح ويمدهم عرب افريقيا بالرجال. وبالمقابل لم يجد أهلنا في دار فور أي مساندة من ابناء شعبهم في بقية أقاليم السودان، ولو ببعض المظاهرات والوقفات الاحتجاجية أو البيانات الصحفية أو ندوات سياسية من قبل الاحزاب على ممارسات الحكومة في دار فور بل بلغ المدى بالحكومة الى القتل الممنهج والتصفيات الصفوية لقيادات ابناء دار فور في الجامعات، وهذه بحد ذاتها عنصرية داعمة لمشاعر الانفصال.
    والأخطر من ذلك هناك همس يدور في مجالس بعض الأميين من اقاليم السودان الأخرى عن اختلافهم عن اهل دار فور ثقافة ولغة وادعاءات تجد أن من ينسجها ويبثها بخبث جهات معينة في حكومة الانقاذ الهدف منها دق اسفين الفرقة والتمهيد لقبول مشروع بدأت الحكومة تعمل على ترويجه سراً تمهيداً لقبوله في الشارع العام وهو تهيئة المناخ وتوفير بيئة مواتية لقبلو فكرة انفصال دار فور.
    علينا أن نفتح اعيننا جيداً لمؤامرة المؤتمر الوطني القادمة ضمن مشروعهم لتفكيك الدولة السودانية، وهو انفصال دار فور الذي سيصبح غداً حقيقة ماثلة وما انفصال الجنوب ببعيهد.

  2. لماذا اغفلت دور منبر ابناء دار فور للحوار والتعايش السلمى بقيادة الفريق ابراهيم سليمان فى صياغة الهوية الدافورية الجامعة بالحكمة والعقلانية التى تميز القائمون غلى امره؟

  3. نعم نتفق معك علي ان دارفور عانت منذ الاستقلال من اشكالات كثيرة ابتدءا من عدم المشاركة السياسية والثقافية وكذلك علي المستوي الاقتصادي والتنموي ولكن في هذا الاتجاه ليست دارفور وحدها التي عانت من سياسات المركز ولكن هناك الكثير غيرها من الاقاليم السودانية التي ظلت مهمشة علي كل الاصعدة السياسية والاقتصادية والسياسية والثقافية والمشكلة هنا ليست في استمرارية انتماء انسان الغرب او غيره الي المركز ولكن يجب عليك يا عادل عبدالعاطي الا تكون كربيع عبدالعاطي الذي يري الفيل ويطعن في ظله… فالمشكلة في السودان بدأت منذ قبيل فجر الاستقلال والذي تم فيه الصاق الهوية العربية عنوةً*** في حين تعتبر العروبة فيه ثقافية واحدة من بين اكثر من 500 ثقافة غير عربية وبشكل كان اكثر انتهازية حيث ظهر الاستقلال بشكل هزيل وخجول رغم الجهود الكبيرة التي بزلت فيه والتي تقدرها ونقدر ونحترم الجيل الاول علي صراعه ضد المستعمر وانتزاع الحرية لشعب السودان.. ولكن هناك خطاء تاريخية وقع فيها ذلك الجيل وذلك عندما جاءت الدولة السودانية كشكل من اشكال الميراث الذي ورثه مستعمر داخلي من مستعمر خارجي فقط*** وواضح ذلك عندما تم اسكات الاصوات التي نادت بان يتم اعتبار هوياتها وقصة علي عبداللطيف الذي تم اسكاته في ذلك الحين كانت خير دليل علي هذا …وعليكم مراجعة خطاب اسماعيل الازهري في فجر الاستقلال عندما اعلن عن عروبة السودان حيث كان الخطاب يظهر لنا ان الازهري كان مضطر لاعلان عروبة السودان في ذلك الظرف بالذات وهناك كتابات وجهود كثيرة وضَحت هذا الامر ولكن النظرة الاقصائية واضحة تجاه مكونات السودان الاخري علما بان هوية الدولة يعقبها اشياء كثيرة واولها احساس المواطن بانتماؤه لوطنه وبالتالي احساسه بالواجبات والالتزامات الوطنية التي تقع علي عاتقه تجاه الوطن كما ان الدولة ايضا ستكون منحازة لهويتها وبالتالي ظهر الانحياز تجاه الهوية العربية في السودان علي حساب الثقافات الاخري ويتبعها في ذلك مشاريع التنمية والاقتصاد والسياسة وهلم جرا….. ومشاكل السودان كلها اليوم يمكن اجمالها في مشكلة الهوية لانها القضية المركزية في الصراع الاثني والحروب القرنية التي عاشها الوطن والتي كانت نتيجتها انفصال جزء حيوي منه والنتيجة النهائية انهيار اقتصاد السودان اشتعال الحروب فيه بنفس ادوات ومسببات فصل الجنوب وهي التهميش الكلي لتلك الاقاليم …لماذا كانت الحروب في الجنوب الافريقي او غير العربي و ولم تكن في الشمال او الوسط؟؟
    لماذا الحرب الان في دارفور ذو الغالبية الافريقية والثقافة غير العربية وحتي وحدة الدين لم تكن مانع من الحرب الشاملة علي الاقليم؟؟؟
    لماذا الحرب في جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان الافريقي الثقافة؟؟؟
    ان الذي يعتبر ان الحرب في هذه الاقاليم سببها نقص النتمية فقد اخطأ خطأً كبيرا.. فانها حرب من اجل البقاء… حرب من اجل اثبات وجود الذات الانسانية لانسان تلك الاقاليم الذي لم يري نفسه ممثلاً في لوحة الوطن ….!!!
    لكن هل كل هذه المشاكل سنستمر في معالجتها بنظرية الانفصال عن الوطن يا عادل؟؟؟؟
    لا والف لا..!!! ان الحل الجذري ليس بالانفصال وانما يكمن في تصحيح التاريخ ومعالجة اخطاء الماضي وذلك باعادة بناء الدولة علي اسس جديدة تعترف بواقع التعدد الاثني والثقافي والتباين التاريخي والتمايز الديني والعقدي لاهل السودان… ولهذا خرج الثوار في الجبهة الثورية وبايمان ثابت ويقين لا يتزحزح بان الحل الوحيد لمشكلات الدولة السودانية يكمن في صياغة شكل الدولة بحيث تقبل بلاخر وتعترف بحقوقه الثقافية في المقام الاول ومن ثم سيادة القانون وسلمية تبادل السلطة وغيرها من مرتكزات الدولة الحديثة … ولافضين في ذلك اي دعوة او حديث عن انفصال اي جزء اخر من ارض الوطن..!!
    لاننا اذا اتبعنا رايك هذا وللاسف اراك تدعم رايك بمحاولة اثبات امكانية قيام دولة في دارفور وقد صغت في ذلك نبذة تاريخية عن المحاولات التي عملت علي انفصال دارفور ولكن نقول لك سوف لن تنفصل دارفور وحدها فهناك اقاليم اخري لم تسلم من ذات الادوات التي قادت دارفور وغيرها الي الحرب…فغداً الشرق وبعد غدٍ النوبيين في اقصي الشمال وفي يوم ما سوف تسمع بتمرد من داخل امدرمان العاصمة نفسها فما الحل يا عادل؟؟؟ الانفصال؟؟؟ ان المرض والفيروس المسبب لكل ازمات الوطن تكمن في ازمة الهوية والتي تسللت الي طبيعة الحكم في السودان وهذا ما يجب ان نركز عليه جهودنا جميعا وغدا ستشرق السمش ونفتخر بوطن حدادي مدادي..!!!

  4. ياخى لو الانفصال بوقف الحرب اتمنى يكون اليوم قبل بكره نحنا خلاص زهجنا من الحروب نحنا عايزين نمشى قدام كفانا رجوع الى الوراء البلد دى خيرها كتير نيل جارى وملايين الافدنه حولو عايزين نبنى عايزين مشاريع زراعية عايزين عشرات مصانع السكر عايزيز مصانع اسمنت جديده عايزين سدود جديده وكهرباء جديده عايزين نطلع الدهب والبترول ملينا الحروب افهمونا ملينا الحروب الماعايزنا ينفصل ونتمنى ليهو التوفيق نحنا بقينا مهزلة فى العالم والمفروض نكون اسيادو لانو الخير العندنا عند ناس كتير مافى وهم احسن مننا بمليون مره

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..