علماء السلطان

مجذوب محمد عبدالرحيم منصور

علماء السلطان مصطلح يشير الي نوع من العلماء سخروا علمهم لخدمة الحاكم طمعا في نفعه او خوفا من ضره وفي ذلك دلالة على ايثار الدنيا على الاخرة. ولعل مايقوم به علماء السلطان في عصرنا الحالي يشابه ماكان يقوم به الرهبان في العصور الوسطى الذين نفروا الناس من الدين فظهرت مقولة(الدين افيون الشعوب) لان علماء السلطان في هذا الزمان يفسرون او يطوعون النص الشرعي لسلب حقوق الناس فظهرت فتاوي لا تخلو من هوى وغرض في نفس من صدرت منه فردا كان او هيئة علماء اياكان انتمائها واصبحت للفتوى سوق رائجة ولكل فتوى ثمن. وقد راجت في بلدنا في الاونة الاخيرة فتاوي من بعض المحسوبين على العلماء او هكذا يرون انفسهم او يروج لهم مناصريهم وهؤلاء يرون في كل وسيلة لانكار المنكر على السلطان او الحاكم حراما كما انهم يرون كل وسيلة تراها السلطة او الحاكم لقمع المطالبين بحقوقهم يرونها مصلحة شرعية فمن اين لهم بهذا الفهم المعوج اللهم الا اذا كان تطويعا لنصوص شرعية ابتغاء مصلحة دنوية او مداهنة لحاكم.
وقد اخرج ابوداود والترمذي والنسائي والبيهقي في(شعب الايمان) (عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مكث البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن اتى ابواب السلاطين افتتن). كما اخرج ابن عدي عن ابي هريرة رضي الله عنه قال:( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان في جهنم واديا تستعيذ منه كل يوم سبعين مرة اعده الله للقراء المرائين في اعمالهم وان ابغض الخلق الي الله عالم السلطان). وقد قال ابن الجوزي رحمه الله:(ومن صفات علماء الاخرة ان يكونوا منقبضين على السلاطين محترزين عن مخالطتهم) وقال بعض السلف( انك لن تصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينك افضل منه).
والمتابع لعلماء هذا الزمان في السودان يلاحظ كثرة من اصبح يتحدث في امور الدين وعلى راسهم احد الدعاة اثار جدلا حوله في الفترة الاخيرة ولا اريد ان احكم على الرجل واسلوبه في الدعوة وطريقة كلامه عن كل من اختلف معه في الرأي وحتى تلاميذه فبعد ان اشبع اهل التصوف ذما وشتما بل وحتى تكفيرا وغيرهم من الجماعات الاسلامية لم تسلم من لسانه حتى جماعته من انصار السنة المحمدية كما يسمون انفسهم فاسلوب الرجل لا يشبه اساليب الدعاة بل حتى لا يشبه لغة المسلم العادي البسيط لان (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده)ى ومن الغريب انه يحاول ايجاد سند شرعي لما يقوله في منابره المختلفة من سب وشتم بل وحتى( بصق ) احيانا.
ولعل الرجل يسارع الي كسب رضا النظام الحاكم وحزبه كلما وجد سانحة لذلك. ولم اسمعه يوما يوجه نقده للحزب الحاكم مع انه يعلم تمام العلم ان الرئيس البشير (من اخوان السودان) ولكن الرجل يميل دائما من هذه الحقيقة كلما تحدث عن الاخوان ويركز دائما في حديثه عن الراحل(الترابي) وغيره من الاخوان الذين لايتقلدون مناصب رسمية في الدولة مثل حسن مكي وعصام احمد البشير وغيره فانطبق عليه المثل القائل(شايف الفيل ويطعن في ظله) ولعله يغض الطرف عن الاخوان الكبار الممسكين بمقاليد الحكم من باب طاعة ولي الامر حتى ولو كان من الاخوان المسلمين لانه حاكم يجب ان يطاع كما يردد هو دائما ويقول بحرمة الخروج على الحاكم هكذا مطلقة ايا كان هذا الحاكم.
ومن الملاحظ ان هذا الداعية وتلاميذه اسلوبهم واحد وطريقة نقدهم لغيرهم لا تخلو من تجريح حتى ابسط تعاليم الدين هم لايطبقونها في انفسهم فاذا كنتم اهل سنة كما تقولون فالسنة حرمت عليك ذكر اخيك بما يكره في غير حضوره ومعنى الحديث واضح فان كان ماذكرته فيه صحيحا فقد اغتبته وان لم يكن صحيحا فقد بهته وانا على قناعة تامة انهم سوف يبحثون عن دليل شرعي يدعم ما يقولون به ولكنهم لايجتهدون في البحث عن ادلة نحرم قتل المسلم والمساس بماله وعرضه ومع انها لا تحتاج الي بحث فهذه ادلة واضحة وموجودة في الكتاب والسنة ولكن ذلك الشيخ وتلاميذه لا يرون الا ما تريد السلطة رؤيته ولا يرون الا مايتوافق ومصالحهم الضيقة. وهذه صفات ابعد ماتكون عن الدعاة الثقات كما ان علمهم وكثرة خطبهم تنحصر في اشياء محددة في تجريم الصوفية وتحريم الخروج على الحاكم وكان العلم الشرعي فقط ينحصر في الصوفية والخروج على الحكام .فعندما سالت دماء الشهداء في سبتمبر صمت علماء السلطان صمت اهل القبور اليست هناك نصوص شرعية في الكتاب والسنة تحرم قتل النفس الا بحق؟؟؟؟ الم يدرس هذا الداعية لطلابه في المعهد الذي يملكه حرمة الدم المسلم؟ الم يسمع بقوله صلى الله عليه وسلم(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) كم مرة في اليوم يخالف علماء السلطان حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام هذا؟ لماذا لم نسمع لك صوتا عندما اهدر الدم المسلم؟لماذا لا نسمع لك صوتا عندما تصرف الدولة مليارات الجنيهات في امور فارغة؟ اذا كنت تنتقد التنظيم العالمي للاخوان المسلمين فاخوان السودان جزء من هذا التنظيم والحزب الحاكم الذي ترائيه انت وتلاميذك هو الجناح السياسي للاخوان المسلمين في السودان ولافرق بين(مرسي) الذي اسأته وبين(البشير) وانتم تعرفون هذه الحقيقة ولكنكم اما لا تملكون الجراة على قول كلمة الحق في وجه سلطان جائر او انكم جزء من منظومة الجماعات الاسلامية التي اختطفت السودان في غفلة من ابنائه وتقاسمت هذه الغنيمة. ولعل تصريح هذا الداعية بخصوص الاعتصام شيئ متوقع منه لسبب بسيط هو انه داعية مناسبات تخصص فيها فبغض النظر عن المناسبة فالرجل جاهز ليدلي بدلوه فيها ويتحجج بنصوص تدعوا الي السمع والطاعة ولكنه ربما اساء فهم هذه النصوص او انه تعمد الايفهمها لان السلطة تريد ذلك فالطاعة التي تجلب الضرر لا تكون واجبة فان كانت طاعة الحاكم فيها ضرر فمخالفته اوجب لان الدين يقدم دفع الضرر على جلب المنفعة واعتقد ان شيخنا وطلابه وانصاره لا يحسون بمايحس به عامة الناس ولاضررقد لحق بهم طوال مايزيد عن ربع قرن من الزمان لان استماتتهم في الدفاع عن هذا النظام لا تنطلق من منظور ديني فقط فربما تداخلت معها تجازبات سياسية واخرى اجتماعية وربما اقتصادية فما خفي الان سينكشف بحول الله عندما يذهب هذا النظام الي مزبلة التاريخ والله المستعان وعليه التكلان.
مجذوب محمد عبدالرحيم منصور
[email][email protected][/email]