أخبار السودان

كسلا .. فوضى ونهب وحريق

الخرطوم – الزين عثمان

بعد يوم واحد تجددت المواجهات في مدينة كسلا بين مناصرين ومناوئين لشغل صالح عمار منصب الوالي وهو الصراع الذي اتخذ طابعاً قبلياً في الولاية وهو أمر لم تجد معه التحذيرات المتكررة بأن الشرق كله على فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة وبدا وكأن الجميع ينتظرها من أجل تبادل اللوم وإلقاء كل واحد المسؤولية على الآخر.

1

وبحسب شهود عيان، قام  الرافضون لتعيين الوالي بإغلاق  كوبري القاش صباح الأمس قبل أن يتم فتحه بواسطة قوات الجيش، فيما تعرض سوق المدينة لعمليات نهب وحرق، كما وقعت اشتباكات وسُمعت أصوات إطلاق نار بمدينة كسلا، وتمت عمليات حرق ونهب لسوق المدينة، وطال الحرق والتدمير سوق هيكوتا.

حسناً.. ما جري يمكن النظر إليه بأنه محض ردة فعل لموكب سيره قبل يومين المناصرون للوالي والمطالبون بضرورة وصوله الى الولاية من أجل مباشرة مهامه بعد أداء القسم وهو الأمر الذي قال صالح عمار إنه تم تأجيله بناء على طلب من رئيس الوزراء من أجل إجراء المزيد من المشاورات مع قيادات من شرق السودان هبطت في الخرطوم معلنة رفضها لعمار ومطالبة بضرورة أن يتم تغييره بحاكم آخر.

2

من جانبه، قال القيادي بـ”الحُرية والتغيير” بكسلا عبد الرحيم إدريس في تصريح لـ(باج نيوز)، إن هناك مجموعةً تحركت نحو السوق أمس “الخميس” وقامت بأعمال سرقة ونهب، إلى جانب إطلاق نار مُتقطع، فيما يتحمل مسؤولية ما حدث الوالي المُكلف والمجلس الأعلى للنظارات “البجا”. وقال إن اللجنة الأمنية بولاية كسلا يقع عليها العبء الأكبر، ووصف تدخل القوات بالضعيف.  وأضاف: “كل المؤشرات كانت واضحة وتتحملها الأجهزة الأمنية وعلى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك فتح تحقيق لأنهُ جزء من الأزمة عبر تأخير قدوم الوالي للولاية”. وتابع: “من يحكم الآن الولاية كيزان يتبعون للنظام السابق” واتهم عبد الرحيم الدولة العميقة بتأجيج الصراع، وطالب حمدوك بالتعجيل في قدوم الوالي صالح عمار.

3

في مقابل ذلك فإن أصوات متعددة ترتفع في مطالبتها لعمار بالتنحي عن منصبه وتقديم استقالته بما يحفظ دماء الناس في الولاية ويقطع الطريق على حالة الشقاق الاجتماعي التي بدأت تبرز على السطح لكن صالح واستباقاً لهذه المطالب كان قد أطلق تصريحاً صحفياً بعد طول صمت قال فيه إن الاستجابة لمطالب المجموعات الرافضة لتعيينه ستفتح الباب لمزيد من الضغوط والابتزاز حول قضايا وطنية مهمة. معتبرا أن كل ما يحدث في الولاية الآن يتم بترتيبات من مناصري النظام البائد ممن يريدون الوقوف في وجه سفينة التغيير وتهديد مسارات الثورة في سعيها نحو بناء دولة المواطنة الحرية والعدالة وتفكيك بنية النظام السابق وحرم مناصريه من مزايا كانوا يحصلون عليها دون وجه حق. لكن تبرير الوالي مع وقف التنفيذ لم يمنع آخرين من تحميله وزر كل الدماء التي تسيل الآن في المدينة بل وتتمدد خارجها في أجزاء أخرى من الولاية.

4

يمضي المشهد نحو المزيد من التعقيد في شرق السودان وهو تعقيد يقول كثيرون بأن الحكومة تتحمل مسؤليته بشكل مباشر وتحديدا رئيس مجلس الوزراء الذي اختار واليا ترفضه بعض المكونات الاجتماعية هناك وبعد أن مهر قرار التعيين مارس التلكؤ في إنجاز قراره حيث قرر الاحتفاظ بالوالي في انتظار هدوء الأوضاع وفي ذات الوقت مضى مجلس الامن والدفاع في خوض مفاوضات مع الرافضين من أجل إقناعهم بقبوله وهي أمور كان من الممكن تجاوزها منذ البداية وذلك بإجراء عدد كبير من المشاورات في المنطقة فلا يمكنك أن تجبر الناس على أن يحكمهم من يرفضونه في ظل حالة ثورية متزايدة وفي حال كان الرافضون لشغله المنصب محسوبين علي النظام البائد فإن الأمر ببساطة يظهر في الاختلاف ما بين الحكومة والآخرين في المجتمع هو مقدرتها على تنفيذ قراراتها. العجز عن ذلك يجعلها منعوتة بالضعف على أفضل الفروض. بالنسبة للبعض أخطأ حمدوك مرة بعدم إجراء المشاورات وأخطأ في عدم تنفيذه لقراره.

5

لا تبدو المعركة في الشرق الآن هي معركة بين الرافضين لعمار والموافقين عليه فقط، بل تحولت الى معركة أخرى بين مجموعتين إحداهما تطالب صالح بالاستقالة بينما تطالب الأخرى بعدم الاستجابة للاستفزازات والضغوط من قبل المكونات الاجتماعية وهو السلوك الذي في حال حدث سيرسم صورة الضعف وغياب الهيبة عن حكومة صنعتها دماء الثوار وحلمهم في بناء سودان جديد وعلى أسس مغايرة عن تلك التي سادت في أزمان سابقة وهم يطرحون التساؤل: إن كانت القبائل هي من تتحكم في مصير البلاد الآن فعلينا العودة الى عهد ما قبل التأسيس لتحكمنا القبائل ونظاراتها والقيادات المرتبطة بالنظام الذي أسقطته الثورة ولا تثريب علينا حتى إن عدنا إلى عهد نظام المخلوع البشير الذي أجاد التعاطي مع مثل هذا النوع من المعادلات الاجتماعية وتصر مجموعات كبيرة من مواطني كسلا على ضرورة أن تقوم الحكومة بإنفاذ قرارها الخاص بالوالي المسمى.

6

عاشت كسلا يوما عاصفا حيث بدا من الطبيعي الاستماع الى أصوات الرصاص القادمة من قلب سوق المدينة وبحسب مصدر من هناك فإن عملية اطلاق الرصاص التي تمت كانت بواسطة قوات الشرطة التي حاولت تفريق الجموع ومواجهة عمليات النهب والسرقة التي تزامنت مع الأحداث التي شهدت أيضاً مواجهات بين من يحاولون النهب وبين أصحاب المحلات وهم يقومون بالدفاع عن أموالهم ومتلكاتهم في الوقت الذي احتشدت فيه وسائط التواصل الاجتماعي بعدد من التغريدات التي تشير الى دخول مجموعات جديدة في النزاع المشتعل في المدينة، مجموعات من خارج أطرافه وهو ما يعزز من فرضية تنامي الفوضى وغياب لغة الحسم التي يجب أن تتخذها الحكومة في مثل هذا النوع من الأحداث في الوقت الذي انتشر فيه خبر يقول بنجاة الناظر ترك من محاولة اغتيال في المدينة بالأمس، وهو الخبر الذي  تم تناقله بواسطة مصدر واحد فقط وشارك الكثيرون فيديو يوضح قيادة الناظر ترك للتظاهرات الرافضة لتعيين الوالي برفقة مساعد رئيس النظام المخلوع السابق موسى محمد أحمد.

7

طالب الكثيرون بمعالجة الأزمة المستفحلة في ولاية كسلا بضرورة ان تقوم السلطات بحسمها عسكرياً وهو الأمر الذي دعا آخرين لانتقاد الدور الضعيف للقوات المسلحة في تحقيق الفصل بين المتصارعين بل إن بعضهم أنجز وسما على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان (أين الجيش؟) الذي كان بإمكانه وبمنتهى البساطة أن يحسم النزاع باعتبار أن هذا الأمر من صميم مسؤولياته وأن التنصل عن القيام به قد يعزز من فرضية أن ما يحدث في كسلا الآن يتم الترتيب له وبالتنسيق بين مجموعات متعددة ممن لا يرغبون في إنجاز التحول نحو الحكم المدني أو أولئك الراغبين في إيصال رسالة مفادها أن الحكومة المدنية لا تعدو سوى الطرف المكمل لإنجاز الفوضى والعجز عن تحقيق تطلعات المواطنين في الأمن والاستقرار وأنه لا بديل لتحقيق الأمن من أن يقوم العسكريون بإدارة شؤون الناس وحفظ أمنهم وسلامتهم وهو السؤال الذي يمضي أكثر: ألم تحدد الوثيقة الدستورية التي تم بموجبها تعيين الوالي المختلف حوله مسؤولية الحفاظ على الأن على عاتق الأجهزة الأمنية.

8

يقول الصحفي حسام حيدر وهو أحد أبناء كسلا: أعمال العنف و التخريب والنهب والحرق التي حدثت في كسلا اليوم لا تمثل مكونات الولاية الاجتماعية، لا تمثل الهدندوة ولا البني عامر ولا أي مكون آخر وخطاب الكراهية والعنصرية لا يمثل المكونات. بل يمثل مجموعات ٍ سياسية واقتصادية هزمتها الثورة والتغيير السياسي فلجأت للقبائل من أجل الحفاظ على امتيازاتها التي فقدتها بسقوط نظام عمر حسن وحزبه ونظامه المخلوع. من تداعوا لخطاب العنصرية وغذوه إما أنهم جهلاء وهو واضح فعلاً أو هم أصحاب مصالح تتقاطع مع المجموعات المذكورة أعلاه. من يتحدثون عن إقالة أو استقالة صالح عمار ألا يشعرون أنهم يقفون ضد إرادة التغيير السياسي والاجتماعي التي قامت عليها ثورة ديسمبر؟ بعيداً عن السؤال الأخير إن حديث حسام يؤكد على أن ثمة مستفيدين من استمرار حالة عدم الاستقرار في شرق السودان وأن واجب الحكومة الآن هو ضرورة أن تمضي في اتجاه تحقيق الصالح العام الذي يبدأ أولاً بضرورة أن يتوقف نزيف الدم وألا تعيش كسلا صباحا داميا آخر.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. هذه هى المحصله الحتمية لدعم بعض أعضاء مجلس السياده لمن يقودون الفتنة في شرق السودان
    وبالتالي فإن المسئولية بالكامل تقع على كاهل الحكومة
    والأمر يبدو وكأننا هناك سيناريوهات متفق عليها
    مع جهات خارجية بمباركة مجلس السياده
    كفاية غش وخداع ودفن الرؤوس في الرمال

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..