مقالات وآراء سياسية

هل كان مؤتمر البجا انفصالياً

د. السموءل محمد عثمان

المتابع يلاحظ روح التعصب والقبلية  التي اجتاحت شرق السودان في الفترة الأخيرة كالمرض المعدي الذي يتنشر سريعاً ، أراد أهل الفتنة زرعها بين أهل شرق السودان خلسة بكل خبث لتأجيج نار القبلية البغيضة ، وجعلها النار التي تنتشر بين الهشيم لضرب شيم أهل الشرق  من طيبة وتسامح وترابط  ،  لقد كان القصد سياسياً ، فالذي حدث كان غريباً على الشرق وأهل الشرق، والتاريخ يشهد على أن الشرق كان بعيداً دوماً من فتن  القبلية والعنصرية وروح الانفصال .
تأسس مؤتمر البجا بزعامة دكتور بليا ودكتور جرتلي شاعر المؤتمر ومحمد بن أحمد بن إسماعيل مؤلف كتاب ” مقبرة الأحياء ” ومعهم نفر كريم من مثقفي وأبناء شرق السودان حيث كان مؤتمر البجا تظاهرة سياسية  ، قام بها كل أبناء الشرق بمختلف أعراقهم وألوانهم السياسية ، كانت حركة مطلبية  للفت نظر حكومات المركز للمجاعات وافتقار التنمية  والأمراض التي  يموت بها  الإنسان في أطراف المدن والقرى والوديان والسهول خاصة مرض الدرن الذي ينتشر في شرق السودان ، وعندما كنت أعمل بجامعة كسلا كانت هناك فكرة لقيام مركز لأبحاث مرض الدرن بالجامعة ، ولا أعرف هل قام المركز ، أم ككل الأفكار التي تلاقي حماساً من البداية ثم يعتريها الفتور .
رأي الدكتور بليا أن قضية الشرق يحتاج علاجها إلى إمكانات مادية وبشرية ضخمة وأنه لايمكن أن يعتمد في علاجها على مجهودات أبناء البجا وحدهم ، لأنها مسئولية قومية يجب أن يعتمد فيها على كل أبناء الشرق . وفي رأيه الثاقب أن كل السودانيين الذين يقيمون في الشرق هم أبناء الشرق ،  هذه الدعوة كانت لكل أبناء الشرق للتصدي لحل قضية شرق السودان ، وقد دفعت الكثيرين من أبناء الشمال من التجار وعلى رأسهم الريح أبو الحسن وعز الدين سليمان وغيرهم ليسهموا بجدية في قيام مؤتمر البجا ، وكانت مشاركة أبناء الشمال في إنجاح هذا المؤتمر تاكيدا بأن القضية ليست حركة عنصرية بقدر ماهي حركة إصلاحية ،كان قادة المؤتمر حادبون على وحدة السودان ، وقد صور ذلك دكتور  جرتلي بقوله ( لسنا دعاة انفصال في قصيدة المؤتمر ) .

الثابت أن مؤتمر البجا وجد الأرض الخصبة للتكوين والنشأة والتطور خلال الحكومات الديمقراطية ، وعكس ذلك شهد الكبت والنزول إلى باطن الأرض  خلال الحكومات العسكرية ليتحول للبيات الشتوي خلال المراحل العسكرية . لقد شهد مؤتمر البجا التكوين والنشأة في مرحلتيه الأولى 1958م ، مؤتمر البجا العام والثانية 1964م بعد قيام ثورة اكتوبر المجيدة كإحدى الدعوات الوطنية والتي نبهت لمشاكل واحتياجات الشرق خلال السنوات الأولى للحكم الوطني ، وجد المؤتمر  الكثير من التجاوب والاحترام خاصة من جانب الإعلام والصحف بصفة خاصة ، كان المؤتمر مستقلا  بعيداً من الطائفية وتحقيقاً لشعار هام من شعارات ثورة اكتوبر المجيدة ( لازعامة للقدامى ) ،  ولعل الوعي بمشكلة شرق السودان كان سابقاً لغيره في غالبية مناطق السودان الأُخرى ، ويشهد على ذلك نشأة لجنة البجا للعون الذاتي 1946وهيئة تنمية البجا 1949م .
تكرر المجاعات وانتشار مرض الدرن وأمراض سوء التغذية الأُخرى ، وتفشي الأمية والبطالة كلها  شواهد يومية على الحرمان التنموي ، مما جعل  قبائل شرق السودان تجتمع تحت راية المؤتمر وتنصهر في بوتقة واحدة .
كان الدكتور طه عثمان بليا رئيساً للحزب الوطني الاتحادي ، ولكن تكونت في ذهنه فكرة قيام مؤتمر البجا وهي حركة إصلاحية من أجل  إنسان الشرق  فترك الحزب لها ، وسعى يؤسس في كيان أكبر يوحد كل أبناء الشرق .
إن تاريخ نضال أبناء وبنات شرق السودان ضد المركزية السياسية والاقتصادية القابضة هو تاريخ نضال المجموعات الإقليمية المهمشة الأُخرى في دارفور وجبال النوبة وجنوب السودان ، والتي ناهضت هذه المركزية ، وطالبت بحقوقها في السلطة والثروة وفي حماية وتطوير إرثها الثقافي واللغوي .
اكتسح  المؤتمر عشرة دوائر انتخابية في الانتخابات بعد اكتوبر  في انتخابات 1965م ، بعد أن قاطع حزب الشعب الديمقراطي الانتخابات ،  لم يحرز مثلها في انتخابات 1968م و1985م ، ثم توقف نشاط المؤتمر طيلة فترة حكومة مايو، ومن بعد  قاد ماوجده مؤتمر البجا من تعنت من حكومة المؤتمر الوطني  وعدم انصاتها  لمطالب البجا ، إلى  اتجاه البجا لمقاؤمة حكومة المؤتمر الوطني والتي أفضت لتكوين خلايا مسلحة فكرت في إقامة معسكرات في الحدود المصرية ونظراً لرفض النظام   المصري تحولت فكرة المعسكر إلى ارتريا .

د. السموءل محمد عثمان <[email protected]>
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..