يبقى لحين السداد

السيدة التي جلست بجانبي في مقاعد الانتظار في البنك.. كانت تكثر من الأسئلة.. عن الاجراءات.. فهمت منها أنها تريد صرف معاش زوجها الذي يتم تحويله الى البنك.. الحديث تواصل بيننا حول المعاش وتلك الخيبة التي تصيب من عمل بجهد لسنوات لكي يتم مكافأته بعدد قليل من الجنيهات لا تسد الرمق.. ثم ساد صمت فيه تعلقت أعيننا بشاشة الأرقام.. فاذا بها تميل علي متسائلة (دا شنو دا؟).. كانت تقصد الإعلان المصاحب لتسلسل الأرقام.. قلت لها (دا إعلان عن تمويل البنك لمستلزمات الزواج.. مهر.. شيلة.. كدا يعني).. فما كان منها إلا أن مصمصت شفتيها قائلة (الفياقة البتعلم الرجال المشاط).
غالبت الضحك.. لست أذكر آخر مرة سمعت فيها هذا المثل.. ثقافة تداول الأمثال الشعبية يبدو أنها في طريقها أيضاً الى الزوال.. لكن سخريتها أضحكتني.. وأدهشتني.. فقد قالت بكلمات بسيطة ما عجز عن الكثيرون.. أليس غريباً أن غلاء المهور والتفاخر الذي يحدث في قصة الشيلة وبرنامج الزواج بأكمله.. بدلاً عن محاربة هذا الغلاء.. وتلك البدع المستحدثة.. تأتي البنوك السودانية وتدعمها.. بكل أريحية.. ولن يمر زمن قصير.. إلا ونسمع بالعريس المديون.. الذي يقضي شهر العسل خلف القضبان تحت شعار (يبقى حتى السداد).
البنوك في كل أنحاء الدنيا.. تساهم في التعمير.. والبناء.. تعطي قروضاً ميسرة للشباب لبدء مشاريع.. تساهم في شراء مساكن للراغبين في بداية حياتهم.. وتقسط لهم على سنوات طويلة.. كأنك تدفع إيجاراً.. لكن البيت يصبح ملكاً لك في النهاية.. هذا هو ديدن البنوك في العالم.. لكن نحن (فوق عزنا وقبايل ما بتهزنا).. يستميت المجتمع في محاربة غلاء المهور.. ويحاول بقدر الإمكان التوعية في هذا التفاخر في مراسم الزواج.. قوم إيه يا البنوك السودانية.. أدخلي كداعم أساسي.. ويا ليت كان ذلك الدعم قرض حسن.. بل هو دين بفوائد تكبل الشاب وربما تنتهي به نهايات مؤسفة.
هل هناك مغزى لم أستطع تبينه من هذا الأمر؟؟.. الشهادة.. لله قدر ما قلبت الموضوع في رأسي.. لم أجد غير ما قالته السيدة (فياقة).. بس.. وشيء مثل هذا الأمر.. سيجعل غلاء المهور يستفحل أكثر مما هو.. ويغرق الشباب في الديون في بداية حياتهم.. وهم مش (ناقصين ) أصلاً.. ذلك الذي كتب على حائطه الإسفيري (تباً للذين يتزوجون حبيبات الآخرين).. يبدو أنه لم يستوفي شروط البنك لأخذ السلفية.. فأتى أحد الموسرين واتخذها زوجة ثانية تحت شعار (محاربة العنوسة)…
هؤلاء الذين بيدهم (الريموت) في أمر المال والاقتصاد في هذه البلاد.. الرجاء إعادة البنوك إلى عملها الطبيعي.. تمويل العقار.. دعم المشاريع المنتجة.. كدا يعني.. وإلا لو استمر الأمر هكذا.. سيأتي يوم تمول فيه البنوك السمايات وختان الأنجال.. عند خروجي من البنك.. مرت أمامي ركشة كتب عليها (إن شاء الله تبوري.. لغاية.. ما أظبط أموري).
الجريدة
______

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..