مقالات سياسية

مأكلة مستدامة

من الآخر
أسماء محمد جمعة

ظلت الخرطوم تعاني من مشكلة المصارف منذ أن تأسست، وكان يفترض أن تتطور مع مرور الزمن، وتعاقب الحكومات مثلما يحدث في كل العالم، إلا أن المشكلة ورثتها حكومة المؤتمر الوطني قبل 28 سنة، ولم يكن لديها عذر في أن تتركها تستمر؛ فهي حسب قولها انتزعت السلطة بالقوة؛ لأن من سبقوها قصروا، ولا عذر لهم، وقد كان أمامها ما يكفي من زمن ومال  وخبرات لتنجح فيما أخفق فيه سلفها، لكنها كانت الأشد سوءاً، فالذين سبقوها أهملوا المصارف ضعفاً وغباء، لكنهم لم يجعلوها (مأكلة) مثلما فعلت الحكومات الآن، فحكومات ولاية الخرطوم  قصدت عدم تشييد مصارف قوية ومستقبلية حتى تجعلها وسيلة تدر عليهم المال فأصبحت المصارف بقرتهم الحلوب، بل وما زال لديها خطة لتستمر المأكلة.

هل تعلمون أن حكومة ولاية الخرطوم تقوم كل عام بصرف مبالغ طائلة تدفعها لشركات لتنجز لها صيانة مجاري سطحية، وأحياناً تستعين بالعمال عشوائياً ليفعلوا ذلك، وأعتقد أنكم-  جميعا- تعودتم على منظر عمال اليومية، وهم يستخدمون الأدوات التقليدية لفتح المجاري في شوارع يبلغ طولها عشرات الكيلومترات، هؤلاء تستعين بهم حكومة الخرطوم لتدفع لهم قيمة اليومية فقط، وتستعين بالشركات الخاصة لتقوم بصيانة المجاري في الشوارع الأفضل مثل شارع القصر، وشارع المك نمر، وقد لحظتم ذلك أيضاً، لكن لا أحد يعرف من أين جاءت هذه الشركات، وكيف يتم الاتفاق معها، وكم يدفع لها؟، طبعاً كل هذا العمل يبدأ ولا يكتمل فيظل مستمراً عشرات السنوات دون توقف، ورغم كل هذا المسؤولون في ولاية الخرطوم يصرخون أن مشكلة الخرطوم المال مع أن الصرف على هذه المجاري فقط كلف ترليونات كان يمكنها أن  تجعل الخرطوم جنة الله في الأرض.

وزير الشؤون الإستراتيجية والمعلومات في ولاية الخرطوم بروفيسور محمد حسين أبو صالح كشف عن إيقاف حفر مجاري الخريف السطحية نسبة لإهدار 8 ترليونات جنيه خلال العشرين سنة الماضية، وقال نتطلع إلى عمل شبكات  ومجاري ومصارف مستدامة، وخطة إستراتيجية بمعاونة المستثمرين، والقطاع الخاص، وأن الولاية تحتاج إلى ميزانية 20 سنة لتنفيذ شبكات صرف صحي متكامل، السيد أبو صالح يضع لهم إستراتيجية أخرى للفساد، ويريدنا أن ننتظرهم عشرين سنة أخرى لينجزوا مهمة أخفقوا فيها 28 سنة.

المسؤولون في ولاية الخرطوم خلال عشرين سنة جعلوا من حفر المجاري (مأكلة) بالوراثة، وليس هي وحدها بل ومعها مشروع النظافة والكهرباء والمياه، والصحة والتعليم وغيرها الكثير، بل الحكومة تتعامل مع كل شيء بنظرية المجاري السطحية، لا يوجد لديها حل جذري أبداً، وكل مشروع تصرف عليه ترليونات، وكل مسؤول يخرج إلينا ليخبرنا عن إستراتيجيات مستقبلية تحتاج سنوات، وترليونات أخرى، ومطلوب منا أن ننتظر ونتحمل.

إن ما صرف على ما يسمى بالمجاري السطحية أكثر بكثير مما ذكره أبو صالح، ولن تنفذ الحكومة حلاً جذرياً حتى ولو انتظرنا مئة سنة أخرى، وأبو صالح (بتونس) مثلهم جميعاً،  وغداً يذهب هو، ويأتي آخر يعيد نفس الونسة.

هذا المبلغ الذي ذكره أبو صالح إن ذهب عشره  فقط في مصلحة الخرطوم، لما صنفت من أسوأ الأماكن التي لا تصلح للحياة الآدمية، هذا الاعتراف إن سمعه أي شعب في أية دولة أخرى في العالم مهما كان شعبها جباناً لما نام ليلته تلك إن لم ترحل الحكومة، والشعب السوداني لسه منتظر.
التيار.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..