أسباب فوضى سوق الأضاحي

بسم الله الرحمن الرحيم

أقل ما يمكن أن يقال عن سوق الأضاحي ..أن هنالك تشوهات كبيرة وفوضى ضاربة أطنابها..وتُفرض أسعارٌ تفوق الخيال.. أكتب هنا عن تجربة لعامين في تسمين الخراف تحديداً عبر مرابحات من البنوك ..فأقول إن أسوأ المواسم بالنسبة لي هو موسم الأضحية..ببساطة لأنه خلال العام أعرف تكلفة ما أملكه واضع نسبة ربح محددة قبل دخول السوق وتحقق أ و تختلف وفق القواعد الإحصائية المعروفة..لكن في الأضحية يتحول التاجر الذي تتعامل معه إلى شئ آخر.. ذلك لثقافة الموسم وإمكانية تحقيق أرباح خيالية..هذا الموسم صادف خريفاً ناجحاً..فأصبح التاجر المشتري لا يخشى عواقب الفشل في البيع..كون معظم تجار الحيوانات ممن لهم الصلة بالمرعى..والأخبار الواردة في الصحف تعطي أمثلة لذلك .. وأضيف أن أي سعر ابتدائي يعرض ..يمكن ان تصل إلى تخفيض ثلثه ويكون الربح عالياً ..ولنسأل ..هل أدت التدخلات من الدولة والنقابات إلى تحسين الصورة..أجزم بالنفي..فقد زادت الموقف إرباكاً مع تقلبات قيم السوق الحر والأزمة الاقتصادية..نعم خففت كثيراً على العاملين بالدولة لكن بأسعار مرتفعة كذلك عبر الأقساط بعد تمويل بنك أمدرمان الوطني لها بخمسة وسبعين مليار جنيه..لكن ليس كل الشعب من العاملين..لكن الأسوأ أن الجشع من جهة وثقافة الكسر من جهة أخرى ..علاوة على الأزمة الاقتصادية وقلة دخل العاملين قد تسببت في تشوهات ومفارقات أكبر.
وقد شهدت تسليم الأضاحي للعاملين..وتبدأ الفوضى من هنا..فأنت أمام خراف متفاوتة جداً في العمر من الجذعة مروراً بالتني والرباع والسديس..وهي مختلفة في جودة لحومها وسهولة طهوها..وتفاوت في أحجامها بنفس السعر البالغ 1800 جنيه. ما يعني الاتفاق اهتم بالعدد فأدخل المتعهد كل ما فشل في بيعه في الموسمين السابقين على الأقل ضمن المجموعة..وتبدأ المرحلة الثانية من الفوضى في من اشترى بالأقساط بنية الكسر..وبالنتيجة عرضت نفس الخراف في السوق ب1300 جنيه ..ولم يدفع التجار فيها أكثر من900 إلى 1000 جنيه..لكن في نفس الوقت يبيع التاجر نفس الخروف بمبلغ 2000 جنيه !! في نفس اليوم يباع خروف في نفس الزريبة بمبلغ 3100 في منطقة معروفة بالانتاج.
أما تدخل الدولة للبيع بالوزن فركوب في قطار الانتاج من المحطة الأخيرة دون مجهود منها..فلا هي مولت الانتاج في أي مرحلة ولا امتلكت الخراف ..فمن أين لها حق التدخل قياساً مع ما تموله بالكامل في الزراعة وتسترد قيمته بسعر تركيز عال ولا دخل لها بالباقي كتمويل القمح والقطن..
مما سبق يتضح وقوع المواطن في براثن تجار بلا إمكانية لتفادي ذلك .ويطرح السؤال أين يكمن الخلل في سياسات الدولة ؟وللإجابة فإن الخلل يبدأ من غرابة تنظيمات المنتجين..فإذا راجعت أسماء اعضاء اتحادات الرعاة..فستجزم أن أحداً منهم لم يرع أغناماً في حياته..وهم في الواقع كبار ملاك القطعان..كونهم أبناء زعماء مشايخ وعشائر وقبائل..ما يعني أنك أمام بداية لحلقة من المرتبطين بسوق المواشي من انتاجها حتى الصادر ..وبالطبع التحكم والقدرة على تجميعها وتوفيرها للبنوك حال وجود هذا التمويل الضخم.أكثر من رعاة بالمعنى التقليدي ..بالطبع لا يمكن لأحد أن يعترض على تطور القطاع ..لكن أين صغار الملاك هنا؟ بالطبع هم البائعون بالاسعار القليلة التي تفرض عليهم..وهذا يجيب على تساؤل تفاوت سعر كيلوا الضان بصورة مبالغ فيها بين غرب السودان حيث الأنتاج الأكبر وبقية الأجزاء ..فلا ترحيل ولا رسوم يمكن أن تضيف كل هذا المبلغ..لذا يجب إعادة تنظيم هذا القطاع باتحادات لصغار المنتجين يمكن أن تتعامل الدولة معها تمويلاً وتسهيلاً لتسويق منتجاتهم لوضع الأسعار الواقعية دون ترك التمويل كله لكبار الملاك..وإلا فإن تدخلاتها المذكورة ..لن تكون ذات فائدة

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..