صديق مدثر : انكفأ القِدر وسال الجُمان .

صديق مدثر : انكفأ القِدر وسال الجُمان .

عبد الله الشقليني
[email][email protected][/email]

(1)
في بطن الحوت ” يونس ” آخر يستأنس بالوحدة ، فلا يموت الشعراء أبداً . هذا موسم الرحيل إلى الداخل . حيث الدنيا الداخلة في النفوس أكثر صفاء من خارجها . لقد كتب الإله نقص الثمرات والأنفس . ودقت الأجراس ولا كنائس ترتعد فرائضها من هول اللقاء أو الفراق . اعتادت المآذن أن تُجلجل بالفلاح . وها نحن نحصد ثمرات هذا العصر . نوره أعشى البصائر وكُحله يُعشي العيون ، حتى تلك الدامعة بالجُمان .
(2)
كيف لا نعشق جمالك أيها السامق، فما رأت عيناي مثالك .كنتَ في وعينا الناهض بالشوق.كنتَ مركب أماننا في ظل أمواج تتهادى غادرة . كنتَ أنت شراع يهدهد الريح . ألف نور يشرق من وراء القرون، حين كنتَ قوياً بالكلمة التي تشرع بالسيف الناعم الذي يغير الكثير من الماء الذي يجري من تحت الجسر . دمتَ أنت تُهدينا السبيل لنقرأ “تحت ظلال الزيزفون” . ونقرأ كل اقاصيص العشق العذري ، ونفتح صفحات الشوق الذي يلمع في صفحة سيف الموج حين يتلألأ . فسيلتكَ التي شتلت ، أضحت عمتنا النخلة ، رُطبها حلوة بما تشتهي الأنفس .
(3)
من محصول الأيام الماضية ، كنا نجمع ما يتيسر لتكن لنا مكتبة ، وعمر جديد في سلال المحبة التي حملها ” الصفوة ” معهم . ركائبهم كانت تحف بها الزغاريد ، وتفرّ الطيور من أعشاشها تبحث عن رزقها في الحدائق التي كانت تملأ الدنيا من حولنا تلك الأيام الزاهيات. كنتَ سيدي رائداً ، يملئه الشوق . لا يضن بالروائح المجنونة بالهيام إلى المستقبل الناضر وأحلامه الوردية .
(4)
من يسقي الفسيلة ماءها والروح
من يُطلق العصفور من سجنه لفضاء الدوح
ومن يصهر الحناجر من لهيب النوح،
وصهيل الباكيات
(5)
هذا زمان كست سماءه غشاوة سوداء ، وحزن عمّ القرى والمدائن .
تحتجب الشمس اليوم وغداً باكية ، بأحرف نيّرات من خزانة لا تنضب ، ووهج يخطف بريق العيون الناظرة ، الدامعة . تبتلُّ الأغصان من ندى الحزن الذي استوطن بيوتنا وصحارينا والمضارب . اليوم رحل الشاعر ، مالك الصولجان الذي جعل الكلمات في ذهول عند اصطفافها في قيثارة الشعر وموسيقاه الحفية بالمشاعر .
(6)
ليس هذا هو العام الذي به نتفاءل ، فقد ترجل جلّ مبدعينا ،
وتركونا في أرض خلاء مكشوفة للنبال والراجمات، في عصر أغنيته الشائعة وسط شبابه ” قنبلة ” وكل من يموت في سريره شهيد !.في حيرة نحن أمام أصحاب غلظة مشاعر الذين امتلكوا حياتنا ويطمحون أن يمتلكوا أحلامنا ونفخوا فضاءنا بالكير .أليس لهذا المد الشيطاني من نهاية عمر ، فقد نهضت أسنان اللبن من جديد بعد أن أخنى عليها الذي أخنى على لُبدِ .

عبد الله الشقليني
10/10/2012

تعليق واحد

  1. رثاء مستحق لأجل رموز بلادي…ولكن!! أحتار في إنتخاب كلمات المواساة والتجمل في حضرة الموت!موت عظام الناس وبسطاءهم…من يختالون بيننا عفة…طهر يد..و(بياض ) قلب…حتى كلامهم يستهويك ويشجيك كأنه(مخصوص) لمسامعك دون بقية خلق الله طرا!!
    حين (ينتقى) الموت المقامات العوالى، والرموز الشواهق من أفذاذ بلادي،يتأبط الحزن كل تفاصيلى…!!!الموت (حق يوافق الأصل ويناظر الحياة ولا يناقضهما بحال)…لكننى(أستغفرالله)لماذا يصيبنى بالحنق والإستياء ؟؟حتى الموت في (سوداننا الذى فضل!!) ما باله يظاهرنا(فيتخطف) الأعذب ،والأجمل،والأدمث، والأخلق،والأشجع، والأوضح ،والأفصح، والأروع….ما بال الموت (يغض) بصره عن القيح،والفيح،والقبيح…يمد في أحبال (صبره) للرموز المنتنة ،والعابرين (شغباً وصخب نصوص)،طال ضجيجهم وأمعن في أذى الرعية… !!!??? آه ..أيها الموت ترفق بنا….كثير علينا هذا الأسى (المتواصل) في إنتخاب ونعى الرموز.
    أيها الموت (دونك ،عندك ما تهواه). ..أقصفهم جميعا فمنذ حزننا الأول ، بح صوتنا ونحن نسأل (من أين جاء هؤلاء)!!
    أيها الموت (حنانيك)..ترفق بنا وأترك لنا شيئاً من رموز….!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..