مقالات وآراء سياسية

حليل زمنا الفات..!!

هيثم الفضل

لا أتردَّد حين أقول ( حليل زمن الداندرمة ) و ليسقط زمان الآيسكريم ، و سأعترف رغم أنف الحداثة التي إستشرت في ما يفيد و ما لا يفيد .. أنني في أحيان كثيرة أحن إلى التلفزيون عندما كان أبيض و أسود و لم يتلوّن كما يتلوّن المنافقين من أهل هذا الزمان ، ثم أيضاً لا أستنكر على نفسي أن يقودني حنيني للماضي النقي و الوفي على الأقل من وجهة نظري إلى كانون الفحم و لذة طعم ما يُطهى عليه و لا أنسى أشواقي لشوارع أحيائنا بالأمس و التي كانت بريئة من كل ما يدنس شوارع  اليوم و الحقيقة فنحن قد تربينا فيها .. ( و ليقل علينا من يقول ) أننا تربية شوارع .. فعبق الماضي أيضاً يصف الشوارع بكل القيّم الجميلة و التي من أهمها النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف ، فالجار و المعلم و صاحب الدكان و عابر السبيل ، جميعهم كانوا يتدخلون و يساهمون في تأديبك ونصحك و إبعادك عن ما يضُر ، أقول ما سبق على خلفية خبر عن محاكمة معلم بالتقاعد تجاوز الستين عاماً .. لإتهامة بجلد تلميذ ، ثم لن أتردد و لن أخجل في نعت كل ماضينا الجميل بما فيه من تخلف آلي و تقني بأنه كان الأوفى و الأجمل على المستوى الأخلاقي و التربوي ، و حتى الجرائم حينها كانت محدودة ( الرؤية ) وواقعية المنطق ، أنظروا كيف أصبحت اليوم جرائم القتل بالمئات ، و بأساليب و تفاصيل أقلها ذبح الصديق لصديقه و ضرب أبن لأمه و أبيه ، و إغتصاب طفلة في عامها الثالث ، بالله ماذا أصاب الناس و ماذا الزمان ، ينتابني شعور أن الجريمة نفسها في ماضينا ذاك الجميل ، كانت تخضع لأعراف و قوانين و أخلاقيات تحدد أبعاد ما يمكن أن تكون عليه الجريمة ، أنظروا إلى العلاقات الإجتماعية اليوم و التي أصبحت مجرد ( تمشية حال ) .. فحتى أبناء البيت الواحد أصبحوا يلتقون ساعة على الأكثر ، ثم كلٌ يذهب في طريقه باحثاً عن نزعاته الذاتية ، في حين كان زماننا الجميل يمثل فيه التمازج الإجتماعي و الأسري ما ينم حقيقةً على أن الحي بأجمعه أسره واحدة ، فالكل كانوا يعرفون بعضهم بعضا و كانوا أيضاً مطلعين على أخص خصوصيات من يقاسمهم المكان ، فلا يكاد يخلو حي من الأحياء أيام زمان من شيخ يمثل دور المصلح الإجتماعي المتفق على مكانته ورأيه ، بالقدر الذي يجعله مؤتمناً على أسرار العشيرة و الذين هم ليسوا سوى الجيران ، يتدخل في حل المشكلات الشخصية و الأسرية ، بلا حاجز و لا مواراة و لا نفور من أصحاب الأمر أو إستعلاء ، في زماننا ذلك الجميل كنا نكوي  ملابسنا المدرسية مساء الخميس بمكواة الفحم ، و التي أصبحت اليوم من آثار الماضي السحيق ، حتى كوي الملابس كان له نكهة ، ثم كانت المدارس تجمع كل أبناء السودان على شتى سحناتهم و قبائلهم و ثقافاتهم و مكانتهم الإجتماعية ، لا فرق في الإجلاس أو ما تقدمه وزارة التربية من خدمات تربوية و تعليمة بين إبن وزير أو والي أو غفير أو عامل ، و بذلك كان زماننا ذاك يتيح عبر مؤسسية التعليم و التربية إستيعاب منهج التوادد و التوالف الإجتماعي و قبول الآخر ، عبر إزالة الحاجز الطبقي ، بالحسنى دون صراع و بمنظور عملي و واقعي و ميداني بعيداً عن الصراعات و التنظير ، أعود لأقول أنني لن أستحي من إعلان حنيني للتلفون أبو حلقه ، و للعب بالترتار و النبلة المصنوعة من عود شجر طبيعي و حقيقي و شريط أنبوب لإطار سيارة تم الإستغناء عنه

 

هيثم الفضل

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..