مقصوف الرقبة ..

مقصوف الرقبة ..
سيف الحق حسن
[email][email protected][/email]
(من غير لا سلام ولا كلام ولامقدمات فارغة، أريد أن أسألك سؤوالا متمنيا أن يكون ضميرك مايزال حيا وتجيبني عليه بكل صراحة الآن.)
تجهمت من فظاظته ولم يعطيني فرصة لأرد، وواصل: (متي كانت آخر مرة تمردت فيها؟. أنا لا أعني التمرد الذي طبعه الإعلام البغيض في مخيلتك، ولكن أقصد تمردك فيما يفرضه المجتمع عليك من أوضاع خاطئة تغرق فيها إلي أذنيك!، تمردك علي العادات التي تسمى الأصول ولم توصلنا إلي شئ بل هي عبارة عن نفاق إجتماعي نمارسه عبر ما يسمي بالمجاملة والذوق. ومتي آخر مرة قررت فيها أن تعيش حرا كما خلقك الله، ولا تشتغل برأي فلان وناس علان؟. لا تقلق سأعطيك الفرصة لتجيب وتأخذ الوقت لتقلب هذه المواجع مع نفسك، وسأكون سعيدا لوجعلتك مكسوفا من نفسك وصريحا معها قبل أن تكون صريحا معي. وسأهنأ عندما تسهر لتفكر وتتحسر على ما ضاع من سنوات عمرك سدى. لست ساديا أتلذذ بتعذيبك بل أحاول نشر الجميل لأناس قاموا بإنعاشي بمثل هذا الكلام وانا أرقد في غيبوبة هذا الحاضر منذ سنوات. أحمد الله أنهم أفاقوني من وهم أني أعيش الحياة المطلوب إثباتها، وجعلوني أفكر ألف مرة كيف لي أن أغير حياتي وأن أعيش بفطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).
نظرت إليه بحدة وتمالكت نفسي علي أن ألا تسبق حماقتي تفكيري، فبعض ما يقول ربما حقائق غائبة عني. وبينما صوت رغيه يمر من بين عيني تذكرت الحكمة: أسمع كلام الببكيك، فعدت للإنتباه والتركيز لما يقول. (هل أنت بني آدم؟. عفوا، أنت إنسان، لكن القصد هل يهمك أن تكون بني آدم بحق؟. الله سبحانه وتعالى خلقنا أطوارا كما يقول في كتابه العزيز، أي نتدرج في مراحل حياتنا. يريد الله أن نبدأ حياتنا كأطفال ثم نمر بمرحلة الطفولة والمراهقة في مكابدة الواقع ومن ثم نأتي مرحلة الرجولة ثم الكهولة في رحلة يقين وتطور علي السجية يجب أن نضع فيها خبرتنا لمن يأتي بعدنا دون إملاء إلي أن ننتقل إلي صاحب اليقين. ولكن للأسف نملي على من غيرنا ونكرس أنفسنا للطموحات الشخصية ولا نحقق ما افترضه الله علينا أن نفعله لنسقط في دوامة الأنانية. وبالتالي لن نتغير ونقضي حياتنا كلها نسمع الكلام، كلام كل من هم حولنا من أباء وامهات وخالات وعمات، زعماء طائفيين وحكام ولو شرعيين ونأخذا النياشين الفارغة: ود فالح، بسمع الكلام، وفي المدرسة الولد ده شاطر، وفي الجامعة البروف ده عنده مستقبل، وفي الشغل راجل عملي وهارد ووركر ويتحمل ظروف ضغط العمل من ذلة ومهانة وخلافه وفي البيت راجل تمام وفي البلد مواطن صالح.. وهكذا تستمر الحياة رتيبة وصبيان وبنات وجيل بعد جيل يورث العادات لكي يكونوا أيضا بيسمعوا الكلام. فهل هذا الإتباع يليق ببني آدم أم ببني بجم الذين لايقدروا أن يقولوا كلمة بغم.
يحتاج كل جيل إلي ثورة جديدة، هكذا قال تومس جفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة. فالتمرد الذي أقصده هو علي العبودية والكذب والزيف والجبن والكلام المكرر وفاضي وخمج والنفاق والتسطيح واكل حقوق الناس والتلاعب بالدين والتطرف والإستهبال والإستعباط والإستغفال و الظلم وكل أمثال هذه العادات السيئة التي يمكن أن تقود إلي أن تجعلك منبوذا أسريا وإجتماعيا ووطنيا وناكرا للجميل للذين أفنوا عمرهم في الصرف عليك. لكن هذه الأشكال من التمرد النبيل ستجعلك إنسان أو بني آدم بحق وحقيق مميز ببصمة في الحياة حتى ولو إنخفض حظك في هذه الدنيا ولكن سيرتفع قدرك عند الله تعالى إنشاء الله الذي ندعي كلنا أننا نؤمن به وننسى أنه خلقنا أحرارا لنفكر فيما نشاء ونقول ما نفكر ونفعل ما نقول.)
هزتني كلماته بشدة. كان آخر عهدي به منذ أن كنا صغارا نلعب في أزقة الحي. في برهة الصمت سمعنا صوت ينادي بتقريع: البقعدك مع الوهم ده شنو؟. إبتسم وهو ينظر إلى الأرض حتى دابت عيناه الصغيرتان في مقلتيه كالسكر الذي يذوب في الفنجان، ثم أردف يقول: (هل رأيت أين المشكلة. من الذي جعلنا نؤمن بأن كل مفوه متفلسف، وكل ناجح غشاش، وكل مبدع موهوم، وكل غني لص.. و.. و.. أهو الحسد؟ لا. ولكن هو شئ في التربية، والنفس والعقل. من الذي أقنعنا بأننا أحسن الناس. وأن بلادنا لا تمكن أن تنفصل، وهاهي إنفصلت، ولا ممكن أن تكون كالصومال! لأننا سودانيين، وكيف الحال لو ماكنت سوداني! دون أن نسأل أنفسنا عن هذه المعاني القيمة والكبيرة. هل رأيت اليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورا، والهند، والصين. فهؤلاء يؤكدون أن سر الكون يوجد فوق أكتافنا ومعلق فوق رقابنا ولكن لمن أراد تحريره. فهذه هي البداية ولايمكن أن تشرأب أعناقننا إلا بها أو تظل مقصوفة. لا تحدثني عن أبيك أو جدودنا زمان.) وقفت وشعرت أن رقبتي مثل السمسمة التي لا تحمل شئ فوقها. لما أدعه يكمل وقلت له: (الآن فهمت من هو الذي أفسدنا؟).
اشهد الله حياتنا وبلدنا كانت فى نعمه يشهد لها العرب والعجم ولم نفسد ونعرف الفساد إلا حينما أتى
هؤلاء الاقزام المفسدين المتلاعبين بالدين وكما قال شبونه خنازير السافنا.. لك الود