أهم الأخبار والمقالات

لماذا الشعور بالغيظ والحنق عند الأخوان المسلمين ضد الجمهوريين؟

د. مصطفى الجيلي

د. مصطفى الجيلي

هذا الشعور بالغيظ يرجع لثلاثة أسباب رئيسية، ولكن قبل أن نفصلها، دعوني أعرف من هم الجمهوريين، فلربما لم يسمع عنهم شباب جيل الثورة أكثر مما درسوه لهم د. عبدالحي يوسف وطاقمه من معلمي مادة التربية الإسلامية التي فرضت كمادة إجبارية “مطلوبات جامعة” على طلبه الجامعات والمعاهد السودانية والتي تنص صراحة ودون مواربة على أن الجمهوريين “فئة ضالة”..

الجمهوريون هم تلاميذ الأستاذ محمود الذي عاش عمليا قولته (غايتان شريفتان وقفنا، نحن الجمهوريين، حياتنا، حرصا عليهما، وصونا لهما، وهما الإسلام والسودان) حيث قدم نفسه فداء بعد أن قضاها وقفا وصونا للغايتين الشريفتين.. وعنده أن للقرآن مستويان مختلفان: مستوى مبني على أصول القرآن وهي: السلام والحرية والمساواة وردت مفصلا في القرآن المكي، ومستوى مبني على الفروع شارعا بالحرب والوصاية في الحكم، والمفاضلة بين الرجل والمرأة، وبين المسلم وغير المسلم، كما يسمح بتكاثر رأس المال في القرآن المدني.. ومع وجود تداخلات بين المنهجين، هذه الازدواجية في القرآن ظنها المستشرقون “تناقضا” حينما لم يفهموا فكرة المنهجين..

وقد دعا الأستاذ محمود لإحياء سنة النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة والقيام والتخلق بالشيم النبوية في التعامل اليومي.. وجسد العمل بدعوته في نفسه، قبل أن يشرف على تربية تلاميذه وتلميذاته منذ منتصف الأربعينات وحتى ١٩٨٥.. خلال الأربعين عاما، قام الأستاذ محمود بتقديم آلاف المحاضرات وكتب لوحده أكثر من ثلاثين كتابا، وكتب تلاميذه قرابة الثلاثمئة كتاب ومنشور (حتى العام ١٩٨٥)، أما في الفترة التي أعقبت تنفيذ حكم الإعدام فقد كتب تلاميذه الآلاف من الكتب والمقالات.. وصار لا يكاد يمر يوم لا يرد فيه اسمه، أو سيرته، على عديد الصحف، والمنابر الإلكترونية، وغير الإلكترونية..

المرارة التي يشعر بها الأخوان المسلمين ضد الجمهوريين قديمة، وبدأت نفث عنفها منذ الستينات من القرن الماضي بمحاولة “محكمة الردة”، والتي باشرتها محكمة شرعية لم تكن تملك حق إحضار المتهم ناهيك عن تنفيذ الأحكام.. لكنهم وجدوا الفرصة لتنفيذ الحكم بالردة عن الإسلام في الثمانينات بإحاكة المؤامرة لاغتيال الأستاذ محمود، وحرق كتبه، واستتابة أتباعه على شاشات التلفزيون، وهم “مجنزرين” بجنازير الحديد من أياديهم وأرجلهم.. وذلك فقط بسبب نشر أفكارهم وكتبهم، وهذا موثق في أرشيف التلفزيون، ويحفظه التاريخ لتقرأه الأجيال القادمة..

الآن، بمقدم هذه الثورة المباركة وسقوط الأخوان المسلمين من قلوب الشعب السوداني، قبل أن يسقطوا من كراسي الحكم، وفي استماتة منهم على إبقاء النفوذ والأموال التي انتهبوها، أخذوا يصدرون التهم أن الثورة قام بها الشيوعيون والبعثيون والجمهوريون.. وحينما بات من منكر القول الاتهام أن الثورة لم يقم بها كل الشعب السوداني، بجميع أطيافه وسحناته، بنسائه قبل رجاله، لجأوا للأراجيف والالتواءات..

من أول الأراجيف، وبسبب أن أسرة السيدة وزيرة الشباب والرياضة أسرة جمهورية، أقام الأخوان المسلمون الدنيا ولم يقعدوها، وبرزت وزارة الشباب والرياضة، وكأنها الوزارة الأم من بين كل الوزارات.. هذا رغما عن أن السية الوزيرة، أعلنت على الملأ، وبمكبرات الصوت، من على المسرح الأكبر لقوى الحرية والتغيير بميدان الاعتصام، أنها لا تنتمي لأي حزب.. ثم برز الالتواء الثاني هو أنه لما تم تعيين د. عمر القراي كمدير للمناهج، وهو منصب وظيفي، مثله مثل وظائف كثيرة لم نكن نعرف عنه شيئا، وقد شغله موظفون سابقون لم نسمع بهم، قامت كل قوى الظلام يقولون إنه غير مؤهل للمنصب، وحينما أبرز لهم شهاداته وتخصصه، وسيرته الذاتية، قال بعضهم، هذا المغرور يقول إنه أكثر تأهيلا من كل أهل السودان!!

ولا أحتاج أن أرافع هنا عن د. عمر القراي، أو عن السيدة ولاء البوشي، فقد كثرت فيهما الأقوال، أخذا وردا، بسبب غبن وضيق الأخوان المسلمين، بينما لم ينشغلوا بسيرة أو تأهيل أي من الوزراء الآخرين.. لكن، قبل أن أغادر هذه المحطة، أريد الوقوف قليلا عند تعليق أحد أهم حلفاء الحكومة البائدة “السيد الصادق المهدي” بأنه لا يرفض تعيين القراي بسبب أنه غير مؤهل ولكن لأنه “طعان ولعان”.. وهو خروج عن اعتبار التكنوقراطية إلى مسألة تمس أخلاق د. القراي.. فأحب أن أعرض هنا على القراء مختصرا عن مقالات د. القراي باسم سقوط السيد الصادق المهدي وهي السبب لإصدار تهمته هذه، وذلك ليحكم القراء بأنفسهم، وبحياد تام، هل المقالات التي كتبها القراي ترصد ما قام به السيد الصادق المهدي بموضوعية وتجريد أم أنها طعن ولعن؟؟ الثلاث مقالات موضوعة في مقطع الفيديو القصير أدناه..

أخيرا، وكما ذكرت في مقدمة هذا المقال، يمكن تلخيص أسباب غيظ الأخوان المسلمين على الجمهوريين في ثلاثة أسباب رئيسة، نناقشها باقتضاب شديد أدناه..

السبب الأول هو أن الجمهوريين كأفراد لديهم وضوح رؤيا في الأحداث، تعلموه عن نهج التوحيد، وهذا الوضوح مرعب لمن ارتكب جرما يخشى افتضاحه، أو لديه طمع خفي لا يريد له أن يستعلن.. الوضوح مكّن للجمهوريين من كشف زيف الأخوان المسلمين وكذبهم منذ وقت مبكر، ففي كتيب”هؤلاء هم الأخوان المسلمون” الجزء الثاني (١٩٧٨) وذلك قبل استلامهم السلطة باثني عشر عاما جاء: (أنه تنظيم يستغل الدين، في الأغراض السياسية التي تستهدف الوصول الى السلطة، أو احتواءها..) وورد في خاتمة الكتيب: (ما دفعنا الى التوّسع في مادة هذا الكتاب الاّ الرغبة الأصيلة، عندنا، في مزيد من توثيق المعلومات وتأكيد الدلائل، حتى لا نأخذ هذا التنظيم بالشبهة التي لا تقوم على سند، كما يتوّرط خصومنا الفكريون في خصومتهم لنا.. فأمرنا، كله، وحتى ونحن نواجه ألد الخصام، وأفجره، إنما هو دين، يتأدب بأدب الدين، ويتخلّق بخلق الدين.. فلا يحيد عن تحرّي الصدق قيد أنملة..) وحينما اكتشف الشعب مدى زيفهم وكذبهم على الناس، عادوا بحنقهم وضيقهم ليصبوه على الجمهوريين.

والسبب الثاني أن الجمهوريين مسالمون، لا يمدون يدا ولا عصا، وإنما هي أقلامهم وكلمتهم، يكشفون أكاذيب الأخوان المسلمين والاعيبهم بالعاطفة الدينية واستغلالهم لتعلق الشعب السوداني بالدين. ولقد عرف الجمهوريون بالسمت العالي والأخلاق الرفيعة ولا يماري في هذا إلا صاحب مصلحة.. أخذوا ذلك عن أستاذهم، فقال شاعرهم الأستاذ عصام البوشي (يتدافعون لدى الفزع.. يتراجعون لدى الطمع..).. ولذلك من السهل والطبيعي التجرؤ عليهم، كما فعلوا بقتل استاذهم ثم قهرهم وقمعهم للثلاثين عاما الماضية..

والسبب الثالث أنهم يواجهون الأخوان المسلمين من منطلق الدين الذي يحتمون ويتاجرون به، فيحاورونهم بمصادر الآيات والأحاديث والنصوص.. وفوق ذلك هم نظيفي الكاهل، فلا هم طلاب مال، ولا هم طالبي سلطة.. مطلبهم الأوحد الذي يناضلون ويضحون من أجله هو إشاعة الوعي وأن يتبع الناس “المنهج النبوي” ولا يقدمون ذلك بالخطب العاطفية، ولا بالمظاهر الجوفاء، ولا باللحى وثفنات الجباه، وإنما بالتزام الاستقامة، وبقيام الليل في جنح الظلام.. وسوف لن يجد الشعب السوداني الجمهوريين في قائمة مرشحي الحكومة المقبلة، حينما يتصارع المتصارعون والطامعون على المناصب، ولكن سيجدهم الشعب مجردين أنفسهم للدفاع عن الحق، ومن دون مقابل مادي، فلا هم طامعون في أحد، ولا هم خائفون من أحد..

د. مصطفى الجيلي
[email protected]

‫7 تعليقات

  1. من خلال تجربة الاخوان صار الاسلام مطيه للوصول الى الحكم وليس صناديق الاقتراع وعلى الجمهوريين وانصار السنة والكيزان بمسمياتهم المختلفه وجيناتهم ان يعملوا مراجعة كاملة للفكرة والتطبيق والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين..

    كفاية لعب واستهبال بالدين “انصار سنه” “الاخوان الكيزان” الجمهوريين” كلهم تجار بالدين.

  2. الحل في البل 😂😂😂 اقصد الحل في فصل الدين عن الدولة وحل جميع الاحزاب الدينيه والطائفيه وتحويلها الى جماعات دعوية تدعو الى هداية الناس والى الطريق القويم اما مسألة الحكم فمن يحكمنا هو موظف يعمل في خدمة الشعب مهمته الحفاظ على امن ووحدة الوطن ترابة واراضيه وتوفير لقمة العيش والتعليم والصحة وبناء الوطن اما دخول الناس الجنة او النار هذه ليست مهمة الحكومة .

  3. إن السبب الأساسي لحنق وغيظ بني كوز، هو فقدهم إلي غير رجعة للسلطة والجاه، الأمر الذي أصابهم بالسَعر وحدا بهم إلي شماعة يعلقون عليها فشلهم الذريع، ولو لم يكن هنالك حزب جمهوري، لإخترعوا شماعة غيره…..

    زد علي ذلك، فإن المنطق يقول، إن الجمهوريين، لولا سمو أخلاقهم، لكانوا هم من يشعرون بالغيظ والحنق ضد الكيزان، لإعدامهم الأستاذ محمود، والذي كان يقيم الليل وينقطع إلي عبادة اللّه…

    إن جرائم الكيزان لا تُحصي ولا تُعد، وعليه يجب أن يعلموا أن لا شيئ يعقُب الحّل، سوي البّل، وما ذلك إلا إقتصاصاً لوطن الجدود.

  4. ما بني على باطل فهو باطل و كل من أيد و طبل للباطل فهو على قول الشارع “زول باطل”،هكذا أرى الجمهورين. مرشدهم أحدث و ابتدع في الدين ما لم يكن فيه، و الغريب أنهم طبقة متعلمة “في علوم الدنيا” جهال” في علوم الدين”. فتبا للباطل….

  5. لا مقارنة يا دكتور بين الجمهوربيين والكيزان. النموذج الذي يقدمه الجمهوريين للإسلام نموذج حضاري يقوم على مقارعة الحجة بالحجة. اما فكر الاخوان المسملين ففكر دموي يقوم على تفسير انتهازي للدين. وفي السودان تكفل تيوس المشروع الحضاري بتقديم صورة معبرة عنه من خلال العنف والضرب. الجمهوريون ساهموا منذ عقود في تعرية وكشف الاخوان المسلمين وهذا سبب كافي لكي يحقدوا عليهم. ولكن الآن السبب الرئيسي هو ان فكر الاستاذ محمود عليه رحمة الله ما زال قائما وفي الوقت الذي يكسب فيه الجمهوريون الاحترام كل يوم ويكسبوا اراضي جديدة يتراجع تيوس المشروع الحضاري مليون فرسخ.

  6. قسم محمود طه القرءان الكريم بلا دليل الى قسم الأصول و هو عند محمود السور المكية و الفروع و هو عند محمود السور المدنية و جاء محمود بدين جديد ينص على ان الشريعة الاسلامية كانت حالة خاصة و مؤقتة ( الفروع) و أنها لا تصلح الا للقرن السابع , لذا تجد الجمهوريين يسمونها شريعة القرن السابع و هذا مناقض تماما لنصوص القرءان الكريم.
    و عقيدة محمود هو ان الشريعة الاسلامية هي مرحلة انتقالية و مرحلة مداهنة للتماهي مع اخلاق العرب ( الذين يسميهم محمود الأعراب) و يتضح هذا في قوله عن الحجاب حيث يقول: (أصل في الإسلام السفور.. لأن مراد الإسلام العفة.. وهو يريدها عفة تقوم في صدور النساء والرجال، لا عفة مضروبة بالباب المقفول، والثوب المسدول. ولكن ليس إلى هذه العفة الغالية من سبيل إلا عن طريق التربية والتقويم. وهـذه تحتاج إلى فترة انتقال لا تتحقق أثناءها العفة إلا عن طريق الحجاب وكذلك شرع الحجاب) اي ان الحجاب و بقية أحكام الشريعة التي لا يهواها حسب عقيدته هي مجرد مرحلة عابرة لتجنب غضب الأعراب !!!!
    و نسي قوله تعالى : ” ودوا لو تدهن فيدهنون ” و قوله تعالى ” ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها و لا تتبع أهواء الذين لا يعلمون”

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..