متلازمة السلام

لو- فقط- عددنا اللافتات التي تحمل مفردة ?سلام? ربما يتجاوز عددها ما هو غير متوقع، انظروا- فقط- إلى شارع واحد سوف تجد صيدلية السلام، أو ?بقالة? السلام، وإن عدمت اللافتات التجارية قطعاً لن تعدم أن تجد أمامك حافلة مكتوب على ظهرها هذه المفردة، أو توابعها.
ولو مسحنا سريعاً على المناطق التي تعاني صراعات وحروبات بما في ذلك الاحتقانات السياسية والعرقية ربما يتربع السودان على قائمة أكثر الدول التي كلما تقدمت السنوات تطورت أشكال الصراعات فيها، وهو الأمر غير الطبيعي، نحن أكثر البلاد التي تدمن استخدام خطاب السلام والحرب.
السودان من أكثر الدول التي وقعت إعلانات ومذكرات واتفاقيات سلام جميعها قادت إلى المزيد من الحروب والاتفاق الذي أوقف حرب السنوات الطوال، قاد إلى انقسام البلاد إلى دولتين، حتى في هذه الحالة لم تتوصل الأطراف إلى سلام دائم.. دفعنا ثلث البلاد فاتورة للسلام ولا سلام.
تقارير مؤشر السلام العالمي لمعهد الاقتصاديات والسلام العالمي تضع السودان ضمن أقل الدول سلاما وأمنا؛ حيث يحتل السودان مراكز متقدمة علی الدوام.. ببساطة الوضع الآن لا يحتاج إلى تقرير عالمي؛ ثلاث جبهات قتال مفتوحة الآن، ودارفور- وحدها- تعيش صراعا متعدد الأوجه؛ فلم يعد قاصرا على مواجهات عسكرية بين القوات الحكومية والحركات المسلحة، بل هذه بدأت تتراجع لتُترك الساحة للقبائل المسلحة تتقاتل- كما تشاء، ويدخل الإقليم مرحلة جديدة تتناسب وما يدور في السودان ومحيطه.
القضية الأكبر ليست في أن الحروب مستمرة، القضية أن السودان بكل قياداته المتصارعة تساهم بشكل أساسي في تثبيت وتوالد هذه الحروب عبر الاتفاقيات التي توقعها.
تجربة الاتفاقيات الموقعة لم تقود إلا إلى المزيد من التقسيم والتشظي، ودون سلام يتحقق، وبعيدا عن الاتفاقيات، كم عدد مؤتمرات الصلح التي عقدت لقبائل السودان؟، ولأي درجة أسهمت أو أشعلت هذه المؤتمرات التوتر والقتال بين القبائل المتناحرة المتصالحة؟، نحن في حاجة إلى إعادة تشريح من الألف إلی الياء.
التيار