روح العيد عند أجيال الديجيتال

تداعى لِمُخيلتى مشهد كثيراً ما كان يحدث في نصف رمضان أو ثلثهُ الأخير، عندما كنت صغيرة تفرحني بت أم لِعاب وتملأ لحظاتي ألعاب الحجله والفات الفات وكمبلت وغيرها الكثير ….إعتدت أن أقف في تلك الليالي بالقرب من سرير أبي أو عمي عليهم رحمة الله ورِضوانه وأطلب من أحدهما في إستحياء شديد أن يعطيني نقوداً لِأشتري هدوم العيد وعندما أتم الجمله أحس بريقي وقد جف وكأنني أدافع عن نفسي وأحمد الله كثيراً أن هداني لأقول ما أريد…. كانت تلك الاوقات الوحيدة التي أستطيع أن أتحدث فيها إليهما فهما طيلة نهار رمضان مشغولين بتصريف إمور الآخرين وإدارة تجارتهما غير صرف الزكاة للمحتاجين …. كان كل منهما يصرف على معارفه المحتاجين أكثرمما يكلفه بيته وأولاده….المهم كان الرد الجاهز على طلبي ولايزال يرن بأذني (صباحات الله بيض) وتستمر الصباحات البيض حتى لا يتبقى من رمضان سوى صباح واحد وأصل قمة الإحباط ،عندئذٍ فقط يعطونني ما أريد بعد أن يقوما بقصقصة طلباتي بحنكة وخبرة رجل أعمال قدير يُركز على تقليل التكاليف .
تبدأ بعد هذه المفاوضات من الطرفين رحلة البحث عن الفستان والحذاء التي تلازمها إحساس عارم بالفرحة …..
ويواكب مفاوضاتنا هذه في العشر الأواخر حركة دائبة من العمات والخالات اللاتي يأتين للخبيز في بيتنا وحدث ولا حرج عن مهرجان الخبيز …كان كل من بالبيت مشغول بمهمة من أكبر ولد لأصغر صبية ،فهناك من يطلي سرائر الحوش وهناك من تقوم بترتيب أواني الفضية وهناك من يغسلون الحيطان وكل منهم يساعد في حمل صواني الخبيز …لله درِك يا أيتها الأيام البعيدة … كان كل الشباب والصغار يجتهدون لإرضاء الكِبار ولم يكونوا يتنظرون من أحد توجيهاً كأن هناك إتفاق ضمني.
ونحن نحاول إرضاءهم نشعر بالإمتنان لهم على مساعدتنا لهم … ولكن أنظروا لاجيال اليوم فسنجد حوار كالآتي بين أب وإبنه :
الأب (ناقص ليك شئ يا تامر يا ولدي ،أجيبه ليك للعيد؟)
تامر(والله يا بابا بس غير الموبايل لأنو بقى دقة قديمة وإنت عارف طبعاً إنو جالكسي بقى الموضة )
الأب (خلاص يا ولدي بس منتظر لي قروش وكمان عشان قسط المدرسة بتاعتك الخمسة مليون)
بالمناسبة تامر دا في خامسة إبتدائي (اقصد أساس هو ذاتو أي شي إتغير حتى الأسماء) معذرة أيها القارئ فلست من المتباكين على الماضي ولكني أريد أن أوضح الفروقات …
المهم الخبيز بقى جاهز ومافي زول داير يتعب نفسه بوجع الراس ده، اولاد البيت ما جايبين خبر لعيد ونضافة ،لانو البت الحبشية المتغربة المسكينة دي بتعمل أي شى يساعدوها ليش . مافي أي مبادرة من طرف الأجيال الحديثة بخصوص العيد أو لوازمه …لأنهم طبعاً أجيال مهمة ومعذورة ،مهمة لأنو الواحد عندو لابتوب أو موبايل بالشى الفلانى ومعذور لأنو ما فاضى اليوم كلو قاعد في الواتس اب أو الفايس بوك ويتواصل مع من يعرف ومن لا يعرف وهذه المسميات اللاتي سموها الخواجات وآبائهم ،ما أنزل الله بها من سلطان تؤثر على الذاكرة والإحساس وأشياء أخرى وأبنائنا (أقصد اجيال الديجيتال) هم فريسة لهذه المسميات وتعطيهم كبرياء وتعالي بالَاضافة لتدليلنا لهم فنسعد نحن بخدمتهم ويغمرنا الإمتنان عندما يتقبلوا هدايانا الثمينة …
هل يكمن السر فينا كجيل قديم عفى عليه الدهر؟ أم بجيل الديجيتال ؟أم في الزمن الذى لمَّ الشامي على المغربي؟!!!!! أريد أن اعرف أين روح العيد عند أجيال الديجيتال؟!

امنة ابراهيم
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..