مقالات وآراء

جيرزلدا .. اقلعت وهبطت  برضا وطمأنينة

د. محمد حسن فرج الله
قبل عدة سنوات وانا استقل طائرة في رحلة ستمتد الي اربعة ساعات جلست بمحازاتي علي الصف الآخر سيدة انجليزية الملامح ولكنها تحمل في يدها جوازاً سودانياً دبلوماسياً وقد  كساها الشيب وتغضن جلدها بصورة تنبئ عن طول السنوات التي عاشتها ، ولم يكن صعباً علي بعد ان استدعيت ملامحها من ذاكرتي المتعبة وربطت بينها وبين سمتها الانجليزي وجوازها السوداني واحتفاء طاقم الطائرة بها أن أتأكد ان السيدة لم تكن الا جرزلدا الطيب ! .
لن انسي ما نسيت تعابير الرضا والراحة علي وجهها، هذه الراحة لا يمكن أن يحظي بها الا من عاش حياته كما اراد ولم يؤرق ايامه الأخيرة فيها الندم علي  شئ فعله أو الحسرة علي الاحجام عن فعل ما يريده.
عند الاقلاع ، اخرجت من حقيبتها مسبحة ودحرجت حباتها بين اصابعها بطمأنينة الي ان استقرت الطائرة في الجو ثم اخرجت من حقيبتها لوح شوكولاتة وانهمكت في متابعة فيلم رومانسي اسود أبيض كلاسيكي وعلي وجهها ابتسامة هادئة ونظرة حالمة وكأن الفيلم قد ارسلها الي ذكرياتها البعيدة وهي تتعرف علي عبد الله الطيب في منتصف الخمسينات.
عند اعلان الهبوط ، اغلقت الشاشة واخرجت مسبحتها مرة اخري واستمرّت في التسبيح  الي أن  استقرت عجلات الطائرة علي الارض التي  بذلت سنواتها كلها في محبتها الي أن هبطت عليها للمرة الأخيرة بكل رضا وطمأنينة ..! .
رحم الله السيدة جريزلدا الطيب برحمته الواسعة  فقد آمنت بما أحبت ، ثم عملت بما آمنت به ، ثم اخلصت لعملها الي آخر لحظة في حياتها.

‫3 تعليقات

  1. بارك الله غي الكاتب، رحمة الله عليها قصتهما تعتبر من قصص الحب والوفاء النادر
    البروف رحمة الله عليه تزوجها في لندن في العام 1947

  2. اسف البروف عبد الله الطيب ذهب للدراسة في العام 1947 ولكنه تعرف على جريزلدا وتزوجها في الخمسينات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..