أخبار السودان

السودان وأحلام الحكم الرشيد.. (حرية، سلام وعدالة).. هل تتحقق الرؤية؟

* الرمادي: الحكومة المركزية كانت تصرف على 17 دولة تسمى (ولايات).
* خبير دبلوماسي: لحل مشاكل السلام لابد من حكم ذاتي لا يؤدي للانفصال
* خبير دستوري: استقلالية القضاء وعدم التعدي على السلطات يحقق الديمقراطية
مراقب:الحد من الشفافية في عهد النظام البائد جعل السودان يتصدر قوائم الفساد

الخرطوم: وفاق التيجاني

انغمس السودان في فترة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير في فساد حاد في مستويات الحكم الثلاثة، واندلعت ثورة ديسمبروالتي كان شعارها (حرية سلام وعدالة) والتي تعتبر أحد مظاهر الحكم الرشيد، وخلال الثلاث عقود الماضية حدث انهيارا تاما لمؤسسات المجتمع المدني، والبنية التحتية بسبب الفساد، والسؤال ما هي فرص نجاح السودان وهل ستنجح حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بالوصول إليه؟

حل مشاكل التهميش

يرى الخبير الدبلوماسي الرشيد ابو شامة أن السودان يمكن أن يصل للحكم الراشد، لأنه غني بالموارد الزراعية والمعدنية والاقتصادية، والتي لو استغلها ستعود علية بعائد مادي كبير، ولفت إلى أن الذي ينقصه هو الإدارة الحكيمة، واعتبر أن الكفاءات العلمية ليست كفاية لتحقيق ذلك، وارجع ذلك لأنها تحتاج لقوة شخصية ومثابرة، وامتلاك الكفاءة والرؤية والقدرة على اتخاذ القرار. وقال أبو شامة لـ(الجريدة) : (عندما نتحدث عن الحكم الرشيد فلا بد من حل مشاكل التهميش وحل قضايا السلام في اطار مصلحتهم وحسم الفوضى، وردع مبدأ المحاصصة والمصلحة الشخصية، والمجتمع الدولي سيقر بوصول السودان إلى الحكم الرشيد اذا وصلنا لمرحلة سلام داخلي واستطعنا ادارة مواردنا ادارة صحيحة)، ودعا إلى ضرورة معالجة مشكلة الحرب والسلام جذريا، والتي انتجت الكثير من المشاكل منها العقدة النفسية والشعور بالاضطهاد من ناحية عنصرية ، ولكي تُحل الأزمة يجب منحهم الحكم الذاتي شريطة أن لا يؤدي للانفصال، وتراقبهم السلطة المركزية من على البعد.

تدخل العسكر

واعرب أبو شامة عن قلقه من وجود العسكر خلال الفترة الانتقالية، لأن مهمتهم الاساسية حماية البلاد ومكانهم الاساسي الثكنات، وتخوف من وجودهم في السلطة الانتقالية، واعاقت الوصول لحكم رشيد، وشدد على ضرورة وجود العسكر تحت امرة السلطة المدنية وعدم تدخلهم في شؤون الحكومة الانتقالية، السلطة التنفيذية يجب ان تمنح الحرية والتصرف وحرية الكتابة الصحفية ويقابله المجتمع كافة بالالتزام باللوائح القانونية، وضرب بمثال بجمهورية ايرلندا التي استغلت مواردها الزراعية وطورت الصناعة، والتعليم وتعديل السلوك المجتمعي .

اعفاء الديون

ورهن الخبير الدبلوماسي تقديم الدعم المادي للحكومة المدنية الجديدة من المجتمع الدولي واعفاء السودان من الديون بتحقيق السلام، وأشترط بالتمسك بحقوق الانسان لقيام الحكم الرشيد، وبعدها ستظهر امكانية الاعفاء من الديون و الحصول على دعم خارجي، وأكد أن البنك الدولي لن يتعامل مع السودان إلا إذا تمت ازالته من قائمة الدول الراعية للارهاب.

العصا السحرية

واما بخصوص مهمة رئيس الوزراء الجديد عبدالله حمدوك لتحقيق الحكم الرشيد عن طريق، وصف مهمته قائلا (حمدوك شيلتو تقيلة جدا ولا يملك عصى سحرية وأنه لا يستطيع تحقيق الحكم الراشد) وقطع بأنه يحتاج لتعاون مجتمعي واقتصادي، وبرر ذلك لأن من أهم الشروط للوصول للحكم الرشيد الاخلاص والامانة والعمل على مشاريع التنمية الزراعية والاقتصادية والتعليم والكفاءة والتركيز على المشاكل الداخلية في الفترة الحالية اكثر من العمل الخارجي.

استقلالية القضاء

وفي السياق اعتبر استاذ القانون الدستوري د.سامي عبد الحليم أن الحكم الراشد هو احد متطلبات الحكم الديمقراطي، وادارة البلد من خلاله تكون اكثر علمية ومنطقية، ومن اهم الشروط المطلوبة في الفترة القادمة تحديد الاهداف، وتنفيذ علمي للخطط الاستراتيجية الموضوعة من قبل الجهاز التنفيذي بعد اشراف البرلمان عليها. ونوه عبد الحليم إلى أن رقابة السلطات لبعضها البعض هو اساس الوصول للحكم الرشيد، وشدد على ضرورة استقلالية القضاء وعدم تعدي السلطات على بعضها البعض، وأن اداء السلطات العمل بطريقة فعالة هو ما سيحقق الديمقراطية ودولة القانون.

سيادة القانون

وذكر عبد الحليم أن مهمة البرلمان في الحكم الرشيد مراقبة الفساد، وعدم انحرافه عن اهداف الدولة، والتأكد من أن عدم استخدام السلطات لخدمة المصالح ذاتية، واضاف هناك عناصر مهمة يجب أن تتوفر لوصول الدولة للحكم الراشد، وهي سيادة القانون على جميع افراد المجتمع والسلطة الحاكمة والمحكومين، وان يكون القانون عبارة عن لوائح لا تسمح لأي أحد أن يتخطاها، أو يعدلها حسب مصلحته الشخصية، وتمسك بوجود الشفافية في المرحلة الانتقالية. مشيراً إلى أن من العوامل التي ستساعد في تكوين الحكم الرشيد هي الشفافية والمحاسبية وحرية التعبير عن الفساد حتى من قبل الشعب، وان يكون القضاء مؤهلا لاصلاحات تتأقلم معه، وبجانب الاصلاحات القانونية العامة، والاصلاحات المؤسسية، وإصلاح مفوضية حقوق الانسان وانشاء مفوضية الشفافية، ومفوضية لتخصيص الايرادات للدولة.

مبدأ الشفافية والحريات

وطالب عبد الحليم بمنح حرية العمل الادوار لمؤسسات المجتمع المدني وحقوق الانسان وحماية ، والأهم حرية الصحافة، ولفت إلى انها من الاعمدة التي سيعتمد عليها الحكم الرشيد. حيث أن الحد من الشفافية والحريات في عهد النظام البائد جعل السودان دائما في اولى قوائم الفساد حسب التقارير الدولية، ووصل مرحلة من التردي وانتهاك حرية التعبير، وكانت منظمة الشفافية العالمية تضع السودان ضمن اسوأ خمس دول في الشفافية نسبة لتفشي الفساد والرشاوي. وقال لـ(الجريدة): شعار حرية سلام وعدالة يعبر عن الحكم الراشد، والعدالة جزء منه لأنها تدخل في تطبيق الحريات، والسلام يكون نتيجة لتطبيق الحكم الرشيد). وشدد عبد الحليم على أن اصلاح السلطات لا يكون إلا عن طريق انتخاب الشعب للنخبة البرلمانية، ودعا إلى التوصل لتوافق وطني عريض، يكرس الالتزام بالديمقراطية من قبل المدنين والعسكرين.

النزعة للتطرف

ورهن الخبير الاقتصاي د.عبد الله الرمادي و وصول السودان إلى نظام الحكم الرشيد بتحقيق الامن الاجتماعي، والذي أعتبره من واجباته، وان لا بد من توفير الاسباب لتحقيق ذلك، وأكد ان البداية تتطلب تحقيق الاستقرار السياسي والامن المجتمعي، وهذا لا يأتي بين يوم وليلة، وبرر ذلك لأن السودان اعتاد على الالتهاب والاختصام والتشتت بين اطرافه، والنزعة الى التطرف مما خلق مناخا عكس ما هو مطلوب لتحقيق أمن اجتماعي، وأكد ان هنالك حوجة لتغيير سلوك المجتمع الذي اعتاد على العنف والانانية والكثير من السلوك غير الحميد، وان العالم ترفع عن هذا السلوك لذلك تطور.

واشترط وصول السودان إلى الأمن المجتمعي بتفشي النظرة القومية والبعد عن المحاصصات السياسية، والجهوية كما حدث في الايام السابقة.

وحذر الرمادي من عدم تقسيم السلطات بكفاءة، وانتقد النخب السياسية التي ما زالت تعيش على ارواح الجهوية ، وأنه من المؤسف انها تأتي من يعتقدون انهم صفوة المجتمع وأكد أن التخلص من الجهوية يأخذ زمناً طويلاً، وتحدث عن انتعاش الاقتصاد في الفترة القادمة وقال يجب أن نركز على فك الاختناقات التي يعيشها المواطن، والقضاء على الصفوف المتكررة في المخابز ومحطات المواصلات البنوك والصرافات الآلية ومراجعة مؤسسات العمل المدني باعادة تقويم الكوادر فيها دون مجاملة والالتزام بتطبيق السياسات القومية الفاعلة.

رجوع نظام الاقاليم

وقال الرمادي أن النظام البائد ظل يطارد ارتفاع الدولار، وترك المشكلة الاساسية وهي التضحم، واعتبر أولى الحلول لحل الازمة الاقتصادية ليس تقليص عدد الوزرات كما حدث من قبل، وأن العودة لنظام الاقاليم والتخلي عن 17 ولاية التي وصفها بأنها كانت ترف سياسي من قبل النظام البائد، واصبحت الحكومة المركزية تصرف على 17 دولة تسمي (ولايات).

وانتقد انتهاج النظام البائد النهج الحزبي والانحياز لعناصره داخل الخدمة المدنية، مما تسبب باثقال كاهل الموازنة، وارجع الرمادي ارتفاع معدلات التضخم الجامح في السودان إلى الانفاق الحكومي على مؤسسات الدولة دون تحقيق عائد مادي، وتسبب تلك السياسة بحرمان القطاعات الانتاجية من التمويل، وخصصت تلك العوائد كمصروف للسياسين، ان هذا يتعارض مع الحكم الراشد.

وأكد ان انعاش الاقتصاد في السودان لا يتم الا باغلاق منافذ التهريب الذهب والجازولين، ومحاربة الفساد الداخلي، وطالب بتطبيق العدالة وحكم القانون وليس التشفين، وتطبيق قانون (من اين لك هذا؟ ). وفي السياق قال الخبير القانوني نبيل اديب أن الحكم الرشيد لديه ملامح واضحة وهي أن الحكم يعمل في لصالح المحكومين، ويوثق لمشاركتهم ، ويرسخ لمبدأ المسؤولية والمحاسبة للحكام، وان الحكم الراشد تتمثل مهامه في الية صنع القرار، والعملية التي يتم من خلالها تمثيل او عدم تمثيل القرارات.

وفي رده على سؤال (الجريدة) حول اذا قامت الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها في 17 الشهر الجاري بتأسيس الحكم الراشد وانها ستوصلنا اليه؟ أجاب أن ما يفعله الحكام هو الذي يحدد وليس الوثيقة، ولكن السؤال ما هي كيفيه تولي الهياكل؟ وممارسة المهام والحدود التي يقف عندها؟ حيث أكد انه اذا تم تنفيذ المهام بالطريقة المثالية فان ذلك سيمهد لانشاء مؤسسات الحكم الرشيد واضاف ( رغم أن دستور السودان الانتقالي 2005 كان ديمقراطياً إلا أن الأجهزة القمعية حتى مؤسسات الخدمة المدنية تم استلابها لخدمة حزب المؤتمر الوطني)، وأكد أن الأجهزة العدلية تحتاج لاصلاح وأن الصحافة ظلت تتعرض لهجمة تمنعها من حرية التعبير لتكشف للسلطة التنفيذية أوجه القصور، وان حرية الصحافة يجب ان تعود لسيرتها الأولى.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..