مساهماتي في عصرنة اللغة

أثناء إطلاعي على قصاصات مقالاتي القديمة , عثرت على مقالة بعنوان ( مساهماتي في عصرنة اللغة ) كنت قد نشرتها في صحيفة ( الخرطوم ) في يوم 10/4/2004 و هي متفردة في محتواها , و لذلك فسوف أعيد نشرها , و سوف أعدد على منوالها عند نهايتها ما جدّ لي من مساهمات بعد تاريخ نشرها و إلى الآن , فإليكم بها :
أراني قد ورطت نفسي في مقالتي السابقة حينما وعدت القاريء الكريم أن أورد بعضا من مساهماتي في عصرنة اللغة من خلال المفردات و المصطلحات و التعابير الجديدة . أقول ورطت نفسي لأن الأمر ربما يقودني إلى مزالق أربأ بنفسي عنها , و أراها بين قوسي الإدعاء و الإعتداد , بمعنى ربما ينعتني البعض بالإدعاء أو ربما تقودني إلى الإعتداد بالنفس ! الناس تتناقل لغويا كل جديد يلقى صدى طيبا عندهم كنوع من المثاقفة و المواكبة و الإطلاع , و بذلك تجد أحيانا أن الأمر قد صار كالموضة أو ( التقليعة ) تظهر فجأة بموجبه مفردة أو يظهر تعبير يملأ الساحة الإعلامية بمكوناتها المختلفة , بينما لا يعرف أحد من أين أتت تلك المفردة أو ذلك التعبير و من هو الذي أتى به ؟ مثلا مفردة ( المصداقية ) ظهرت بكثافة قبل عقد من الزمان أو أكثر , و خلال رصدي الخاص علمت أنه قد أتى بها رئيس وزراء الأردن آنذاك و ذكرها أول مرة في أحد خطاباته . لقد ظهرت قبل ذلك مفردة ( الصفوة ) ثم نافستها مفردة ( النخبة ) و لا أدري هما لمن , لكن ربما كانت الأولى للدكتور منصور خالد و قد أوردها في كتابه ( حوار مع الصفوة ) , و ظهر قبل ذلك مصطلح ( المتشائل ) و قد أتى به الروائي إميل حبيبي في كتابه الذي يحمل نفس إسم المصطلح و يعني به الشخص المتشائم و المتفائل في آن واحد , و ظهرت قبل سنوات مفردتي ( الشفافية ) و ( المرونة ) و صارتا على لسان و قلم كل مثقف يعيش واقعه و أظنهما منقولتين عن طريق الترجمة من الإنجليزية من (flexibility ) & ( transparency ) و قبل ذلك بكثير ظهرت مفردة ( كاريزما ) و هي كلمة إنجليزية ليست لها ترجمة و تعني الشخصية الجاذبة و قد ظهرت مع ظهور الرئيس الأمريكي كلينتون .
الأمر في غاية التعقيد حقا , لأن معرفة صاحب فكرة المفردة أو المصطلح أو التعبير الجديد لا تكون إلا للناقد الحصيف الذي يرصد كل الكتابات و الخطب ليلتقط ما يراه جديدا و يرده إلى صاحبه , و تلك مهمة في غاية الصعوبة أو في مرتبة الإستحالة , فأي ناقد ذاك الذي يطلع على كل الإصدارات العربية في كل العالم و يستمع إلى كل البرامج و الندوات ليرصد الجديد ؟ لذلك فالأمر يعود إلى صاحب الفكرة نفسه فهو الأدرى بالحقيقة من غيره , و لكي لا ينسب إلى نفسه ما ليس له , عليه أن يتحلى بصفات الأمانة و المصداقية و الشفافية و الجدية , و أن يمتلك الدليل المادي ليدحض به أي إفتراءات أخرى .
لقد تعودت أن أحتفظ بكتاباتي في الصحف خلال العشرين عاما الماضية حتى تكونت لدي الآن أكوام من الأوراق الصحفية , بجانب كتبي المطبوعة , و أرى ورطتي الآن في ذلك , لأن الأمر يتطلب مني وقتا و جهدا لكي أعيد قراءة كل ذلك الكم الهائل حتى أحصر الجديد الذي أضفته , و إن شاء الله سوف أفعل ذلك ( بالتقسيط ) متى أسعفني الوقت . لذلك أراني الآن سوف أعتمد على الذاكرة و على المراجعات السريعة لأستخلص لكم بعضا من مساهماتي في تجديد اللغة . في البدء أعود إلى ما ذكرته في مقالتي السابقة من أن أمر المفردات و المصطلحات و التعابير الجديدة يتطلب الجرأة و الشجاعة مع الإلمام باللغة . اللغة كائن حي ينمو , و هي تنمو من خلال الإشتقاقات و المصطلحات , و المصطلح حسب فهمي له هو مفردة أو تعبير ذو صبغة علمية أكاديمية . إن مجامع اللغة العربية في البلدان العربية هي التي تقوم بذلك , فهي إما أن تضع المصطلح أو المفردة الجديدة أو تجيز ما تجده قد ظهر في أجهزة الإعلام , و أرى هنا أنه لا بد من أن يكون لجامعة الدول العربية دور في التنسيق أو الجمع بين مجامع اللغة العربية القطرية حتى تتوحد المصطلحات في كل الدول العربية .
أقول بسم الله و أنا أخطو بكم في حديقة مساهماتي في عصرنة اللغة , فأنا و ( أستغفر الله من قولة أنا ) كما كانت تقول والدتي يرحمها الله , أمتلك فاكهة و أزاهير عدة .. في الثمانينات كانت كتاباتي الأدبية و التحليلية في صحيفة ( الخليج ) الأماراتية , و في تلك الفترة ظهرت المفردات و التعابير التالية في كتاباتي و التي لاقت صدىً و انتشارا واسعا حتى داخل السودان بدون أن يعرف غالبية الناس عن حقيقة مصدرها .. تعبير ( تحول 180 درجة ) أخذته من اللغة الروسية و هو تعبير شائع عندهم و معناه واضح لكل من له علم بمباديء الهندسة و هو يعني التحول إلى العكس أو النقيض .. تعبير ( شريحة من المجتمع ) أخذت مفردة شريحة من علم المعادن و الفحص المجهري و هي العينة الدالة على خصائص النوع .. تعبير ( الأغلبية الميكانيكية ) و هي الأغلبية التي يتم تحريكها لاإراديا كأجزاء الماكينة المتحركة بقوة دفع خارجية مسيطرة عليها بولاء أو نفوذ .. مفردة ( التشرذم ) أتيت بها كإشتقاق من كلمة شرذمة و تدل على التكتل في كيانات صغيرة .. تعبير ( إسترد الجنيه عافيته ) أتيت به و في ذاكرتي مقولة كوامي نكروما قديما بأن السودان هو رجل أفريقيا المريض .. تعبير ( إلجام فرس الديموقراطية ) و عنيت به حال الديموقراطية الذي لا يخفى آنذاك و ضرورة كبح الفوضى .. مفردة ( التخبط ) و عنيت بها التحرك على غير هدى كخبط العشواء أو كتخبط الشيطان .. تعبير ( الأرض و العرض ) أوردته في إحدى قصائدي مدللا به إلى أغلى ما لدينا .. في التسعينات و الألفية الثالثة و خلال كتاباتي في صحيفة ( أخبار اليوم ) ثم صحيفة ( الخرطوم ) في الخارج و الداخل , ظهرت مفردات و تعابير عدة مثل تعبير ( الثوابت و المتغيرات ) و قد أخذته من حساب تكلفة إنتاج الكهرباء و فيه الثابت و المتغير .. تعبير ( متسع للجميع ) أخذته بعد أن ترجمته من التعبير الإنجليزي there is enough room for all .. تعبير ( أشياء محفورة في الذاكرة ) أخذته من الكتابة بالحفر على المعادن و الخشب لتبقى طويلا .. تعبير ( أصابني بالإحباط ) أخذته من كثرة حالات الإخفاقات المثبطة بين الناس .. تعبير ( القضايا العالقة ) أخذته من حالة غازات المداخن أو من حالة المياه العكرة و ما بهما من عوالق كربونية أو طينية .. توجد أيضا مفردات عدة لا أدعي أنني أوجدتها , بل أنني قد أعدتها إلى ذاكرة الناس فصاروا يتداولونها . امثلة لذلك مفردات ( ذريعة ) و ( داكن ) و ( مصاحب ) و ( راشد ) و ( قابع ) و ( يتوغل ) .. لا أنكر أحيانا أنني لا أوفق في ذيوع مفردتي و تتغلب عليها مفردة أخرى , مثال لذلك مفردتي ( المناطقية ) قد فازت عليها مفردة ( الجهوية ) و لا أدري هي لمن . أخيرا , ما رأيكم دام فضلكم؟ سبع و الا ضبع ؟
إلى هنا انتهت مقالتي القديمة و التي كنت قد نشرتها في صحيفة ( الخرطوم ) في يوم 10/4/2004 . الآن سوف أضيف ما جدّ عندي من مساهمات في عصرنة اللغة منذ نشر تلك المقالة و إلى الآن , فإنني و الحمد لله لم أتوقف عن الكتابة طيلة هذه المدة , فإليكم بالإضافات الجديدة :
تعبير ( أنا و أستغفر الله من قولة أنا ) التي أوردتها في نفس مقالتي أعلاه كتذكرة لما كانت تقوله والدتي يرحمها الله و يحسن مثواها و قد بارحت دنيانا منذ خمسة و عشرين عاما , فقد انتشر هذا التعبير عند الكتاب و في الإعلام المرئي و المسموع .. أيضا مفردة ( حصيف ) قد وردت في مقالتي أعلاه و تعني الشخص المتبصر في عواقب الأمور و لم تكن متداولة و لكنها أضحت متداولة بكثرة .. مصطلح ( طائرة بدون طيار ) أطلقت على هذا النوع من الطائرات هذا الإسم في إحدى مقالاتي و كان يطلق عليها في الإعلام طائرة ذات تحكم على البعد فانتشر هذا الإسم .. تعبير ( النسيج الإجتماعي ) عنيت به العينة الدالة للتركيبة الإجتماعية و النسيج هو تعبير بيولوجي مختبري .. تعبير ( الصورة الذهنية ) و قد أخذته من الكلمة الإنجليزية ) prospect ) .. تعبير ( أبلى بلاء حسنا ) بمعنى بذل جهدا مقدرا , و لم يكن مطروقا .. تعبير ( يلقي الكلام على عواهنه ) وتعبير ( يلقي الكلام جزافا ) بمعنى دون تريث أو إعتبار لعواقبه , و لم يكونا مطروقين .. تعبير ( يسبر غور الشيء ) بمعنى يختبر عمقه , و لم يكن مطروقا .. تعبير ( رشح الخبر ) بمعنى التسريب كما تفعل السوائل بالمرشحات .. تعبير ( ردحا من الزمان ) بمعنى مدة طويلة , و لم يكن مطروقا .. و تعبير ( إستشاط غضبا ) بمعنى هاج و تمادى في غضبه , و لم يكن مطروقا .. أما المفردات التي أعدت تداولها و لم تكن مطروقة فإليكم أمثلة منها كمفردات ( البحبوحة ) و ( التحرش ) و ( الكالح ) و ( تكالب ) و ( يضاهي ) و ( يدحض ) .
[email][email protected][/email]
الاستاذ صاحب جراب الحاوى هو اول من قال
يااااااااا رااااااااااااااااااااااااجل
ونحن نقول ليك يا رااااااجل
ألم تلد أمراة سيبويه الا انت ؟
إذا كنت تعني أنك تداولت هذه العبارات ونشرتها من خلال كتاباتك ربما يكون الأمر أكثر منطقية. لكن إذا كنت تزعم – كما فهمت أنا من المقال – أنك أنت من أتيت بهذه المفرادات فهذا مجرد هراء وتخريفات مخالفة للواقع. الواقع يقول أن هذه العبارات أو معظمها متداول من قديم الزمان، ربما قبل أن تأتي أنت للوجود!
لك التحية دكتور/ بادي… بس راجع مقالك وكمان حدد لينا متى استحدثت أو صككت هذه المفردات حتى نعرف إن كنت سابقا!
يا راااجل
هذه التعابير موجودة منذ أن طبع نايليون سنة 1897 بيانه للأمة المصرية باللغة العربية … انت فقط لم تسمع بها،
وأعجبني استغفارك الله من كلمة انا، وذكرني قول زعيم العصابة لأفراد عصابته وهم يهمون بالسرقة في الأفلام العربية (دي عملية كبيرة يا قدعان خليكو حلوين علشان ربنا يوفقنا)
بالامس ادعي احدهم في هذه الراكوبة ان جده بنى قبة المهدي رغم ان جده دخل السودان مع الجيش الانجليزي واليوم تعيد انت ادعاء اختراع العجلة، بلد هاملة
مصطلح “النرجسية” ما طلعتو انت برضو؟
هودا جا من وين كمان نحن ناقصيييييييين فلهمة
لقد نعتني بعض الاخوة القراء بالادعاء و هذا ما كنت أخشاه , لأن أمر تجديد اللغة لا يدخل في قوانين الملكية الفكرية , حتى مقالتي الأولى كانت كرد حق الى صاحبه . أستميح القراء ان كان الأمر قد اختلط عليهم , فانني أبنت تجديدي للغة في مفردات قليلة أوردتها كاشتقاقات لكلمات عربية أو كترجمات عربية لمصطلحات علمية أدخلت معناها في الكتابة الأدبية . أما كل بقية التعابير و المفردات فهي موجودة في اللغة العربية و لكنني قمت باخراجها من الكتب و المعاجم و جعلتها متداولة بعد أن كانت غير مطروقة, و الكاتب عندما يكتب مفردة أو تعبيرا غير مطروق في مقالة أو قصيدة ثم يراه ينتشر في كتابات الآخرين و في الاعلام فانه بحدسه الداخلي سوف يحس بأنه مقروء و في المسار الصحيح ! هنا لا أريد أن أذكر ما قاله الشاعر نزار قباني من أن الناس عندما يشتمونه فانه يحس في داخله انه على صواب !! نرجسي قال !!
لا يكتب مثل هذا رجل يعرف معنى “حصيف”