هل تنجح الجهود الدبلوماسية في إزالة التوتر بين القاهرة والخرطوم

محجوب محمد صالح

الزيارة القصيرة التي قام بها وزير الخارجية السوداني للقاهرة، ولقاؤه بوزير الخارجية المصري كان الهدف منها إزالة -أو على الأقل التخفيف- من حدة التوتر الذي يسود العلاقة بين البلدين على المستوى الرسمي، والذي انتقل بالضرورة إلى المستوى الإعلامي. الصراع بين الخرطوم والقاهرة في عهد الإنقاذ يمكن أن يؤرخ له بمحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية على أيدي معارضين مصريين قدم بعضهم إلى إثيوبيا من السودان، ورد الفعل المصري الغاضب آنذاك الذي ترجم عمليا باحتلال مصر لمثلث حلايب الحدودي المتنازع عليه بين البلدين، والذي ظل مستقرا في يد السودان منذ استقلاله إلى أن احتلته القوات المصرية بعد محاولة الاغتيال، وما زال يمثل مصدر نزاع كامنا ومرشحا للانفجار إذا ما ساءت العلاقات، وقد تناوله الإعلام المصري بصورة حادة مؤخرا لأنه اعتبره جزءا من الصراع السياسي الداخلي في مصر والعلاقة بين الإخوان المسلمين المصريين ونظام الإنقاذ في السودان، وتداعيات ذلك الموقف كانت وراء حدة الطرح الإعلامي المصري، الذي ينطلق من اتهام نظام الإخوان المسلمين السابق في مصر بالتهاون في حق مصر في المثلث، مجاملة للنظام الإسلامي في الخرطوم.

زيارة وزير خارجية السودان، وقبلها زيارة وزير الدفاع السوداني، كان الهدف منهما تبليغ رسالة سودانية لمصر أن الخرطوم لا تنطلق في علاقتها الرسمية مع مصر من منبر تحالف سياسي مع أي قوة سياسية في مصر، وأنها تحرص على علاقة التعاون بين البلدين دون أن تتأثر بأية أوضاع سياسية في مصر لأنها تعتبر ذلك شأنا مصريا داخليا، ولكن مثل هذا التبرير كان يحتاج إلى سند عملي -وربما كانت هذه الرسائل قد جاءت متأخرة وأنها قد سبقتها ردود أفعال سودانية حول سد النهضة الإثيوبي أقنعت الجانب المصري أن السودان يتخذ مواقفه ضد مصر دعما للإخوان في مصر وليس لأي سبب آخر- مما رفع حدة التوتر، وقد اعترف وزير الخارجية السوداني في مؤتمره الصحافي المشترك مع رصيفه المصري بالتوتر الذي ساد في العلاقة بين البلدين في المرحلة السابقة والإصرار على وضع العلاقة في مستوى أفضل، وتفعيل قدرات التعاون بين البلدين وفاءً لعلاقات تاريخية متميزة.
أزمة العلاقات المصرية السودانية أنها ظلت دائما طوال تاريخها الحديث أسيرة لطرح عاطفي يؤكد على (أزلية العلاقة وتاريخيتها) دون أن ينتقل بها إلى مستوى تبادل المنافع ورعاية المصالح المشتركة والدخول في مشاريع ثنائية وهو ما يتكرر اليوم، وحديث العواطف ما عاد يجدي ولا بد من الانتقال به إلى مستوى المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وتأسيسه على قواعد أكثر رسوخاً.

وليست هذه هي المرحلة المناسبة للدخول في مشروع مستقبلي بعيد المدى من هذا النوع، إذ إن مصر تعيش في مرحلة انتقالية وحكومتها الحالية لن يكون عمرها أكثر من بضعة شهور، ريثما تنتخب مصر رئيسا جديدا، وترسي دعائم حكم جديد بدستور جديد وتعالج التحديات التي تواجهها في صراعها مع الإخوان المسلمين، والسودان يواجه أزمات داخلية متواصلة ومتصاعدة، وتستهلك كل طاقاته، ويطرح مشروع حوار جامع اعترافا بأن أزمته الداخلية بلغت ذروتها وأنها لا بد أن تفضي إلى تغيير شامل أيا كان أسلوب ذلك التغيير، فكلا البلدين يعيش ما يمكن أن نسميه مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات ولا تسمح بالانخراط في مثل هذا المشروع الكبير لعلاقات جوار أكثر صحة وعافية.

غير أن هناك قضايا عاجلة يمكن أن يتحرك الطرفان على أساسها في الوقت الراهن إزالة للاحتقان وتهيئة للأجواء، أولى القضايا ضرورة اعتراف مصر بأن حلايب منطقة حدودية متنازع عليها، ويجب أن تحسم عن طريق الحوار الذي يتأسس على قواعد القانون الدولي وليس بفرض الأمر الواقع بالقوة، فالسودان لن يتنازل عن حقه فيها، ومصر لن تتخلى عن موقفها بأنها جزء من أراضيها. ولذلك لن يحل هذا النزاع إلا بالتراضي عبر الحوار أو النزول عند حكم قرار تحكيم ملزم تتوفر له كل الضمانات القانونية. وغاية ما هو مطلوب في هذه المرحلة هو تهدئة اللعب وعدم تصعيد الخلاف إلى أن تتهيأ الأجواء لمعالجته جذريا.

القضية الثانية هي قضية سد النهضة الإثيوبي، فمصر لها تخوفات حقيقية من تأثير ذلك السد على حصيلة ما يصلها من مياه النيل، وحق لها أن تتخوف، فمصر هبة النيل وهو مصدر حياتها، ولإثيوبيا التي ينبع منها النيل الأزرق أيضاً حق في استغلاله لمصلحتها، ولكن ذلك الاستغلال الإثيوبي يجب ألا يلحق ضررا بالغا بمصر، والسودان مهيأ لأن يلعب دورا توفيقيا وأن يسعى لإكمال الدراسات وإثبات الآثار الحقيقية لهذا السد على مصر والسودان، وحمايتهما بكل السبل من أي آثار سالبة، والدراسات الحالية لا تجيب عن هذه الأسئلة، والسودان لو وقف على الحياد بين الطرفين مؤهل للقيام بعمل توفيقي في هذا المجال لإكمال الدراسات بصورة علمية كاملة، لكنه أفسد مفهوم حيدته بتصريح متعجل بانحيازه التام للمشروع الإثيوبي بصورته الحالية، ولو نجحت هذه الزيارة في إحداث تغيير في موقف السودان بحيث يتخذ موقفا توفيقيا محايداً فإنه سيساعد كثيرا على تجاوز الأزمة.
العلاقة المصرية السودانية الاستراتيجية بعيدة المدى، يجب أن تنتظر إلى أن تتهيأ الأجواء في البلدين لمناقشة مثل هذا المشروع، أما التعامل مع الواقع الحالي بأفضل وسائل التعاون المشترك المتاحة فهو غاية ما يمكن تحقيقه في ظل الظروف الراهنة!.

محجوب محمد صالح
كاتب سوداني
[email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. النظره التى ترى بها مصر للسودان بانه جزء لا يتجزا منها ليست حلايب فقط بل كل السودان

  2. يا أخوان هذا الموضوع يجب أن لا نتخذ مداخلاتنا نكاية بالإنقاذ أو علاقة السودان بمصر
    لكن أرى مصلحتنا مع دول أخري أولوية من علاقتنا بمصر

  3. يا الأخ كاتب المقال محجوب كلامك من النظرة الشفهيه صاح ولكن منو البصدق الانقاذ التي صار ديدنها الكذب والتضليل والنفاق

  4. علي السلطة السودانية ان ترسل قواته التي لا تعرف سوي قتل شعبه الي منطقة حلايب السودانية التي تريد مصر سلبها من السودانة بشتي الطرق .
    السودان متخوفة من مصر ولا يسعي مواجهته علي الاطلاق والبشير سوفي يتنازل عنها ومصير السودان سيكون اصغر دولة في افريقيا اذا ظل نظامكم الحالي .

  5. بالطبع لن تنجح هذه الجهود للاسباب الاتية:
    1/ ما يتم نسويقه من عبارات دبلوماسية من قبيل ازلية العلاقات وكل من البلدين يمثل عمقا للاخر فهذه من المحفوظات التي تتردد في كل لقاء بين المسئولين منذ قديم الزمان .
    2/ الارتباط العضوي والمعنوي بين شقي نظام الاخوان المسلمين في مصر والسودان سيكون عائقا نفسيا وعمليا لاي تقارب ولو كانت هنالك مصالح اقتصادية او سواها لان كل نظام من النظامين المصري والسوداني لن يطمئن للاخر ابدا .
    3/ التظاهرات التي سيرتها الخرطوم بعد سقوط النظام الاخواني بمصر كانت ذات وقع سئ في قلوب الشعب المصري ونظامه الجديد واحدث شرخا لايمكن علاجه الا ان يستطيع احد النظامين الاطاحة بالاخر وترسخ هذا الفهم اخيرا بعد ميول السودان صراحة للجانب الاثيوبي فيما يتعلق بسد النهضة الذي يعني الموت الزؤام لمصر عطشا ويعيق تنميتها ومصالحها .
    4/ اعلان مصر حلايب محافظة هو استفزاز للجانب السوداني لوضع العلاقة في فوهة البركان ورغما عن تحلي النظام السوداني بضبط النفس تحاشيا للصدام الا ان الجانب المصري لاينوي ان تكون له علاقات طبيعية مع النظام السوداني الذي تحيطه الكثير من المشاكل الداخلية والاقليمية والدولية ويرغب النظام المصري بقوة ان يضيف لهذه لمشاكل مشكلة للتعجيل بسقوطه في اقرب وقت ممكن .
    والله اعلم

  6. مطامع مصر في السودان منذ الخديوية (العبيد والذهب) والحكم الئنائي تنظر لنا العمق الاستراتيجي والحديقة الخلفية انا شخصيا اطالب باقامة جدار عازل وعالي وعميق معهم ما دامت التقوقع والانانية وقلة الادب ديدنهم هؤلاء بقايا شعوب غازية ومهاجرة وهم لا عربا لا فراعنة شركس البان اتراك ارمن ارناؤؤط فينيقين حثالة البشر مصر والفراعنة هم الاقباط والنوبة اولادنا ام البقية ابناء سفاح ولو في طريقة اخري الهواء الاتي من الشمال لا نريده لكن بلادنا تفتقد للراجل الذي يضع اصبعة في عين اكبر تافة متمصر مش امثال المايعين مصطفي عثمان ونافع وعغيره الي الان مصرين بالتكامل والعلاقات الازلية والعلاقات الازلية ما كلها غزوات وحروب شويه سودانيون تزوجوا من مصريات او العكس هل تسمي تلك بعلاقة ازلية يوجد سوادنيون معرسين امريكيات روسيات المانيات فلاتيات ما نقول لدينا علاقات ازلية مع تلك الدول

  7. مشكلتنا فى هذا النظام الان البنوك السعودية توقف تعاملاتها وفى الطريق الاماراتية ولازال البشير يتجع جع لنا فيكم يوووووووووووووووووووووووووم

  8. مصر تضع ثقة كبيرة فى الفريقين بكرى وعبد الرحيم
    مصر تعتبر أن بكرى وعبد الرحيم يمكن ان يتعاونا معها للتخلص من جماعة الأخوان المسلمين التى صنفتها السعودية اليوم كجماعة إرهابية مع داعش وحزب الله فى السعودية والقاعدة فى بلاد اليمن والقاعدة فى بلاد العراق والحوثيين
    ولا نستبعد أن تصدر قرارات فى نفس هذا السياق من دول كالكويت والإمارات والبحرين

    فهل سينتظر بكرى وعبد الرحيم كثيرا حتى يخلصلا رقبة السودان من بين ايادى جماعة الإخوان ليكون للحظيرة العربية ولتعود التسهيلات لبنوكنا ونعود بالسودان لسيرته الأولى لماقبل الإنقاذ
    السعودية تعلن جماعة الأخوان جماعة أرهابية أما البقية كداعش وحزب الله السعودى والنصرة فقد خرجوا من رحم الجماعة ومتى ما أجريت عملية لإستئصال الرحم توقف مولد أحزاب أرهابية جديدة
    السودان الحكومة الوحيدة التى يحكمها الأخوان المسلمون فى العالم لم يصدر عنها أى بيان حتى الأن
    ولا نتوقع منها شىء بين اليوم والغد

  9. السودان_Sudan.. ليبيا_Libya… السعودية_Saudi… امريكا _America….كينيا_Kenya….
    (مصر_ Misr هنا المشكلة ) أسم مصر باللغة الإنجليزية_EGYPT وهو أسم من كلمتين ( إيه) و (جبت) يعنى إهجبت باللهجة المصرية وبعد كده إتحرفت لىEGYPT يعنى شعب مصلحجى ياخذ ولايعطى, فى من الأفضل لنا ننسى حاجة أسمها مصروتكامل وتبادل معهم والكلام الفارغ ده .الباب البجيب الريح نسدو ونستريح.

  10. في ظل نظام فوضوي،ضعيف،يمول المليشيات المسلحة،ويخوض الحروب الأهلية،و له علاقة وثيقة ذات جذور مع تنظيم الأخوان المسلمين،ومطلوب أبرز قادته من قبل المحكمة الجنائية،لن يزول أبدا التوتر بين القاهرة والخرطوم،ولن تحل أبدا قضية مثلث حلايب،ولن يحدث أي تطور ايجابي في العلاقات الأقتصادية بين السودان ومصر،كل ما يحدث الآن هو تخفيف للتوتر وهو تخفيف مؤقت لا أكثر.

    مصر أصبحت تعلم جيدا الآن أن السودان هو عمقها الأستراتيجي الضامن لأمنها القومي،كما أصبحت تعلم أيضا الأن بأن تفتيت وتقسيم وعدم استقرار السودان سيعود عليها بالكوارث،لذلك ستحدث متغيرات كثيرة اتجاه السودان،أما جكومة الأنقاذ فهي تائهة حائرة يقتلها الرعب والأفلاس الفكري والسياسي بسبب المتغيرات الأستراتيجية التي تحدث بالمنطقة سواء بالتدخل الفرنسي بأفريقيا الوسطى،أو سحب سفراء السعودية والأمارات والبحرين من قطر واعلان السعودية بأن تنظيم الأخوان تنظيم ارهابي،وأيضا غليان الشعب السوداني من الوضع الأقتصادي القاتل والفشل السياسي المدمن عليه هذا النظام،لذا كل مايستطيع النظام فعله الآن بالعاميه “”يعمل رااايح من الحاصل حولين حدود السودان ويمشي مع الحيط،ويجامل الشعب مره بالهوية ومرة يشغلو بسد النهضة والأثيوبيين حبايبنا وحلايب بتاعتنا””..

    ونصيحة للسودانيين لا الأثيوبيين حبايبنا ولا المصريين حبايبنا،كل يبحث عن مصلحته ونحن في النص زي البهايم رايحين ناس بتقول نحن مع الحبش وناس بتشتم في المصريين بحقد غريب وناس بتقول مصالحنا مع مصر،طيب ماذا فعلنا نحن لأنفسنا؟ وشعبنا لا ينعم لا بأستقرار سياسي ولا اجتماعي ولا أمني ولا اقتصادي؟؟وهم “اثيوبيا،مصر” شعوبهم تتمتع، بما نتمنى نحن ربعه!!!

  11. فقط للتذكير مصر أحتلت مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد الذى تعادل مساحته مساحة لبنان فى مايو 1993 بينما محاولة الأغتيال كانت فى يونيو 1995 عشان المنظراتية

  12. لك التحية والتقدير أخ محجوب ..

    عنوان المقال هو: ** هل تنجح الجهود الدبلوماسية في إزالة التوتر بين القاهرة والخرطوم**

    ** يارب ياكريم يا فتاح يا عليم… ما ينجح ولا جهد واحد….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..