الأندلسودانية.. أو الاحتمال الأخير

في خضمّ (التفاكير) الراهنة للعقل الجمعي السوداني واتجاهاته؛ يبدو انه سيطفح على السطح احتمال جديد وهو العمل لتحقيق فكرة الدمار الشامل على الطريقة الأندلسية وليس الصومالية. ويظلُّ التفكير ماضياً في هذا الاتجاه مابقى الواقع على حاله، ودائراً في دائرة تحقيق هذا الفعل ولا ينفك. وبما أن أحلام السودانيين او قل تطلعاتهم؛ فشلت في إيجاد السودان المُرتجى وتحقيقه؛ ستستجد الفكرة الأندلسية كآخر أسوأ الاحتمالات المتوقعة في قادم التاريخ. والشاهد في الامر هو التحوّل النوعي الذي طرأ التفكير الجمعي لدى الهامش، وإتساع رقعة مرارات الألم وإستقرارها في النفوس نتيجة سياسات تمكين الإبادة ؛الشيء الذي قارب وجهات النظر السودانية لدرجة الاتفاق شبه الكامل في مسألة الدمار الشامل هذه. وهو منحى حديث بدا يطفو على السطح تدريجياً كتوقع فوق توقع الصوملة. فلأنه نتاج لفشل تحقيق إطار السودان؛ فهو أيضاً نتاج الاحتراب الداخلي الذي أسّس له النظام بأبشع صوره .فالنظام بقدر فشله في تحقيق السودان، فهو أيضاً نجح بامتياز في تدمير المجتمعات السودانية وتوطين داء العنصرية المؤسسة بأردأ تجلياتها.
بمعنى؛ انه طالما لم يتحقق السودان كدولة ومجتمعات متعايشة مع بعضها منذ رحيل الانجليز، وطالما إستمرأ النظام الحالي في إقعاد السودان وشلّ حركة التناغم والتعايش بين السودانيين ؛ يبقى الخيار الأخير المتبقي هو الاتجاه لترميم السودان عبر تهديمه كاملاً على نهج مبدأ الدمار البنّاء. وهي الكيفية التي افلح بها الأندلس – حرباً – في إيجاد الاستقرار.
وطوال السنوات الماضيات وما صحبها من وجع سوداني أليم ؛ إلتقى السودانيين في تحليلاتهم على إحتمالية صوملة السودان، كنتاج منطقي لحروبات منطقية إنطلقت من الأطراف وتشق طريقها الآن إلى الوسط بسلاسة حيث معامل هندسة الحروبات ومصدرها. وهو تحليل موضوعي خلص اليه السودانيين من مواقع معايشتهم للآلام وإحتمالهم لها.
لكن الاتجاه الآخر الذي بدا يتعاظم – كما ذكرت- مؤخراً؛ هو خيار الأندلس. وهو خيار أكثر كارثية من صوملة السودان. إذ ان الصوملة تعني انهيار الدولة برُمّتها والمجتمعات أيضاً، وتبقى الحرب سيدة الموقف، بينما خيار التجربة الأندلسية هو إرجاع السودانيين المتسودنيين إلى حيث الضفاف الشرقية للبحر الأحمر أو من حيث أتوا. وهو بلا شك احتمال يفوق احتمال الصوملة سوءاً وفداحة. وهذا الاتجاه – اتجاه الأندلسودانية- مردّه الهامش المكلوم على مدار التاريخ. لذلك لا يمكن تقويله للمركز المعارض. والاتجاهين الاثنين – نضال الهامش ونضال المركز- يلتقيان في هدف واحد وهو التغيير، بينما يختلفان في حجم الفجيعة والألم. لذلك نلاحظ إنتهاء تفكير المركز المعارض في احتمالية الصوملة ، بينما تقدم تفكير الهامش المعارض إلى توقع التجربة الأندلسية. وهو تفكير سببه استمرار الابادة العرقية المنظمة من جانب ، وإنسداد وإستنفاد طرائق التغيير العادل من الجانب الآخر. وتبعاً لنفاد الحيل هذي؛ ظل النظام يزداد يوماً بعد الآخر منعة وصلابة، وانعكست هذه المنعة في صالح تحطيم السودان وتقتيل شعوبه، الفعل الذي زاد عدد المعارضين من الجانبين ونمّى روح المقاومة بشكليها؛ معارضة المركز ومعارضة الهامش. والأسماء التي أطلقناها لحركاتنا في السودان تظلّ الأدلة الدامغة لهذا الاتجاه ، اتجاه الاندلسودانية المحتملة، كحركة تحرير السودان، الحركة الشعبية لتحرير السودان، حركة تحرير كوش، وحركة التحرير والعدالة وغيرها. فكلمة (تحرير) وان كان القصد الظاهري يُعنى بها تحرير الشعب السوداني من قبضة النظام واعطاءه حريته؛ فهي ايضاً تعني – باطناً – التحرير بمعناه العسكري على طريقة تحرير غرناطة، آخر معاقل العرب في الأندلس. ولا مجال هنا للمقارنة بين التحرير والتحرّر، فالاخير هو استخلاص ذات او طرف مّا من قبضة طرف آخر مهيمن، بينما الاول هو ابعاد الطرف المهيمن نهائياً وجغرافياً. فأسماؤنا تثبت ماذهبنا إليه في احتمالية الاندلسودانية. ولا تجدي مداراة الحقيقة نفعاً في انسياقنا مع مسمياتنا بهكذا برود، لأنه كما إضطّر كثيرين ان يقرّوا بسودانية الاغنية ( الهابطة) بعد ان اعتبروها أغنية لا تمتّ ل المجتمع السوداني بصلة. فعليهم ان يقروا بواقعية الأسماء التي ذكرناها بكونها اسماء إستلهمت روحهها ومدلولاتها من تاريخ السودان وواقعه. وهو كله حاصل العقدين الأخيرين من عمر تاريخ السودان، إذ جرب تغييريو الهامش شتى سبل المناوئة والمقاومة من أجل إحداث تغيير يصلح مايمكن اصلاحه. وآخرها منطق السلاح كخيار أملته الظروف الموضوعية لواقع الحال. وها نحن ننقاد جميعنا ليوم الفصل الذي يبدع النظام أيّما إبداع في ترسيم ملامحه.
لكن اذا تساءلنا مالذي يدعو لتوقع تجربة الاندلس في السودان بديلاً للصوملة التي كانت حتمية وقريبة الحدوث.؟؟ الإجابة ؛ انه في محاولة سماع الحكي السوداني من منظور السودانيين انفسهم؛ يبرز – واضحاً- السرد العنصري بين المكوّنين العربي والزنجي بإعتبارهما ضدين إستجمعا على التضاد. ثم طغى إحداهما على الآخر. وخلُص الهامش الى ان العنصر السوداني الأصل – وهو الهامش نفسه – خلص الى انه هدف للغزاة والفاتحين والحاكمين، على طريقة الأندلس حين غزاها العرب. وتوفرت بعدها كل الوقائع والقرائن الدالة لهذا الطغيان الغازي، وتبعاً لذلك؛ ينتظر السودانيين اليوم رد الفعل المفصلي لتحقيق السودان في الاندلسودانية كآخر الخيارات المتبقية. والحديث يعود لتفكير (الهامش). فأنا هنا لا انطلق من الوسواس الذاتي واسقاطات النفس؛ وانما أسرد التفكير السوداني وأبرر له في مسعاه لتحقيق أسوأ الاحتمالات وهي الأندلسودانية. لأن وجود مبرر سيجعل من الأندلسودانية فعلاً منطقياً لا تعقبه الحسرة والمفاجئة. إذن فأعادة التجربة الاندلسية في السودان – حسب التفكير الراهن ؛ تتأتّى من إستمرار الصدام العنصري القائم بين المكوِّنين ومتوقفة عليه، وليس على الإقصاء السياسي والجغرافي كما يعتقد السطحيين عن عمد. فحجم الغبائن المستوطنة في نفوس أهل الهامش السوداني يستفحل طردياً مع حجم التقتيل اليومي الذي يتعرضون له. وان معرفة النظام بحجم هذه الغبائن يجعله اكثر إصراراً على الإبادة لتصبح النتيجة متساوية بين استعداء الهامش للنظام واستعداد النظام له.
ثم لاحقاً مليشيا الجنجويد الذين حطت رحالهم بالخرطوم في هدوء وسلام تامين سيضحون مشاركين فعليين في تجربة الصوملة التي تسبق الأندلسودانية. وسيصبحون جزءاً من تاريخ السودان الفاصل. والخرطوم الوادعة التي ماعرفت – منذ تأسيسها – لون الدم، ستغرق فيه للمرة الأولى قبل الأخيرة. والعبارة اعلاه- مع بعض الاضافات – من صحاح فرح ود تكتوك عندما جانبته الحكمة ان يستقرأ لاحق السودان الدموي.
من جانبي الشخصي – رغم ما للحرب الشاملة والعاجلة من فائدة في كونها تستعجل بناء السودان سوداناً ومجتمعات – لا أدعو لأي من الاحتمالين بقدرما أحاول إستجماع المبررات الداعية لهذا الفعل وأنبّه له. ومؤلم حقاً ان ينتهي بناء نظام الخرطوم الى هذه الدرجة السحيقة من التوقع الفجّ، لتغدو الخرطوم – حسب الشعور النامي – غرناطة جديدة. فالمجموعات السودانية يمكنها ان تعيش وتتعايش رغم الواقع الذي هندسه النظام ومشينا عليه. ويبقى إيماننا الذي يحدونا صادقاً بإمكانية تحقيق السودان إطاراً وانساناً لن يتزحزح – مهما تعاظمت الفواجع والمواجع – عن فعل الصواب والسلام.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. على العموم ، وجهة نظر الكاتب نحترمها ، ولكنها لا تخرج من الإطار النظرى

    اذا رفضت الحركات التحررية العنصرية والتكتل القبلى من الجانب الحكومى ، ففكرة الأندلسودانية كما يسميها الكاتب ، تقوم على العرق والقبائل.

    اذا اعتبرت ان السكان الأصليين للسودان هم من العنصر الزنجى الأفريقى ، وان الدخيلين هم من اتوا من الجانب الشرقى للبحر الأحمر كما تقول ، اليس هناك مهاجرين افارقة دخلوا السودان ولم يكونوا من المكون الأصلى للبلاد ؟؟ لماذا لا تتم الإشارة اليهم ؟؟

    الحرب الشاملة تستعجل بناء السودان ؟؟ هل تقوم دولة على اساس عرقى ؟؟ واذا قامت ، هل ستستمر بالأعراف القبلية والمحاصصات العرقية ام ستحكم بالقوانين والإدارات الحديثة ؟؟ ..
    اذا كانت الإجابة الأولى ، اذن هذه الدولة لن تستمر ، لأنهم اعراق مختلفة وكمثال واحد ، ماهى علاقة الزغاوى مع الفوراوى ؟؟ .. ونموذج جنوب السودان ليس ببعيد وحتى الحركات المسلحة فى دارفور طابعا قبلى ..فمن الأساس مصطلح قبيلة وعشيرة بتعارض مع مصطلح دولة ، فالأولى تقوم على العرف والولاء القبلى والثانية تقوم على القوانين والدساتير .
    اما اذا قلنا انها ستكون دولة مواطنة حديثة يحكمها الدستور و القانون هو الفصل، فما هو المانع ان تقوم الآن بعد التخلص من الحكومة الحالية.

    انى ارى تحت الرماد وميض نارٍ
    والله يكضب الشينة

  2. تحليل جانبه الصواب في كثر من فقراته…اولا قسم السودان لعرب وزنوج مع انه واقعيا هذا هو تقسيم نظام المؤتمر الوطني للمواطنين وليس تقسيم المواطنين لانفسهم بدليل وجود من تسميهم بالزنوج في صلب الحكومة وبفاعلية , ثانيا هؤلا السودانيين الذين يسميهم غزاة غصبا عنه وعن الخلفوه متساويين معاه في كل شئ اراد ذلك ام ابا,ثالثا كاتب المفال امنجي عنصري , بدلا من يدعو الناس لكلمة سواء واسقاط هذا الظام البغيض والاتيان بنظام يحكم بالعدل والمساواة بين الناس . يروج لهذه الافكار الفاسدة عن قصد والا ما الذي يجعل(….رغم ما للحرب الشاملة والعاجلة من فائدة في كونها تستعجل بناء السودان سوداناً ومجتمعات)

  3. أصاب الكاتب كبد الحقيقة وسيختلف الكثيرون معه لكن ذلك لا يمنع أن تظل الحقيقة واضحة وهى أن نظام الإنقاذ هى التى سعت وتسعى لبناء دولة على أساس عرقى أو جهوى بحت وللمنكرين ذلك نوضح لهم الأمثلة التالية:

    1/ مشروع دولة حمدى الذى أقره المؤتمر العام للمؤتمر الوطنى قبل الانتخابات الرئاسية الماضية والتى أبعدت عمليا مناطق واسعة من البلاد بشأن التنمية المتوازنة هى بالأساس مناطق الهامش.

    2/ إعتراف على عثمان في تصريحه لكرم الله العوض بشأن إعتمادهم على القبلية لدعم النظام.

    3/ تصريح مشهور لنافع على نافع بأنهم من بقايا الّأندلس مما يعنى أنهم مستعمرين دخلاء سيطروا على مقاليد الأمور في البلد ويمارسون إبادة العنصر الأفريقى بصورة ممنهجة وثقتها محكمة الجنايات الدولية عبر إتهامها للبشير بجرائم الإبادة وهو الآن في حالة فرار من العدالة كما إن النظام يستعين الآن بخدمات الجنجويد المرتزقة لمواصلة تنفيذ خططه الجهنمية.

    صوملة السودان أو حتى أندلسيتها هى سياسة دولة معتمدة من المؤتمر الوطنى للبقاء في الحكم إلى يوم الساعة،، الهالك مجذوب الخليفة قال إنهم يخططون لإنشاء دولة بنى أمية في السودان،، منبتين وشذاذ آفاق.

  4. المقال مقال عنصري ,, أمني.
    سأذكر القراء الكرام ببعض الأحداث التاريخية قبل 98؟, وبعدها.
    الحديث عن تكرار تجربة الاندلس لجأت لها الجبهة الاسلامية القومية قبل انقلابها على الديمقراطية لتحشيد سكان الخرطوم رفضاً للقاء الميرغني قرنق.
    تم استخدام نفس الحديث لتحشيد المجاهدين في الفترة من 1990- 1997م.
    بعد توقيع اتفاقية نيفاشا, وحادث مقتل قرنق والاحداث التالية( الاثنين الاسود), تم اعادة الحديث مرة أخرى.
    الملاحظ أنه في الحالات السابقة بلا استثناء حققت الجبهة الاسلامية ما تصبو اليه.
    حشدت سكان الخرطوم قبل الانقلاب( خروج مواكب أمان السودان).
    حشدت المجاهدين في حربها ضد الحركة الشعبية.
    حشدت سكان الخرطوم ضد الجنوبيين في احداث قرنق.
    الآن يتم تكرار نفس الحديث لتهيأة سكان العاصمة لأحداث تتوقعها الاجهزة الأمنية.

    الأمر المهم الذي لابد من الاشارة اليه,,, العرب في الاندلس كانوا عبارة عن حكام حاولوا قدر الامكان البعد عن السكان المحليين,,
    نحن في السودان وان انحدرنا من اصول عربية بعيدة,, ولكننا نحمل دماءاً افريقية لا تخطأها العين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..