من المنفى إلى القصر .. تفاصيل المحامي الذي توشح كاكي الثورة المسلحة

كان على المحامي السابق، والقيادي الشاب، الذي يشغل في الوقت الراهن رئاسة تجمع قوى تحرير السودان، القائد الطاهر أبوبكر حجر، حين قرر الالتحاق بصفوف المقاومة مطلع العام ٢٠٠٤ ، أن ينتظر ما يربو عن الستة عشر عاماً ريثما يعانق تراب الوطن مرة أخرى . ولكنه لم يكن يدرك أن الثورة التي أطاحت بحكم الجنرال عمر البشير، ستكافئه نظير نضاله ضد الدكتاتورية، وتنصبه قائدًا ضمن قادة سفينة الانتقال.
ففي الشهر الماضي، وبينما كان رئيس تجمع قوى تحرير السودان، يتفقد مخيمات النزوح بإقليم دارفور، في زيارة استغرقت حوالي شهر، أصدرت السلطة الانتقالية بالبلاد قرارًا يقضي بتعيينه عضوًا بالمجلس السيادي رفقة كل من رئيس الحركة الشعبية الفريق مالك عقار اير، والقيادي بالجبهة الثورية الدكتور الهادي إدريس.

الميلاد والنشأة

ولد الطاهر حجر كغيره من قيادات المقاومة بإحدى قرى دارفور التي لطالما ظلت خارج ذاكرة الدولة المركزية. حيث كان الميلاد في العام ١٩٧٤ بقرية “عرديبة” غربي محلية كرنوي بولاية شمال دارفور.

بعد ذلك بقليل، انتقلت الأسرة إلى العاصمة الخرطوم حيث تلقي تعليمه الابتدائي هناك بمدرسة الخليفة الحكومية “أم ضوا بان” بأمدرمان ، والمتوسطة بمدرسة الشيخ مصطفى الفادني والثانوي بمدرسة محمد حسين الحكومية، حيث تقلد فيها رئاسة اتحاد الطلاب في الفترة من 1989_1990 . ثم التحق بعدها بجامعة النيلين، ليدرس القانون، إلى أنه انتقل مرة أخرى برفقة أسرته إلى ولاية الجزيرة محلية المناقل ويستقر بها.

سنوات الوعي

كانت السنوات القليلة التي أمضاها القيادي الشاب وقتها بالعاصمة الخرطوم، كافية لأن يطلع على التفاوتات الصارخة بين المركز والأطراف، لهذا ما أن بدأت السنة الدراسية الأولى حتى اقتطع جزءًا من وقته، وانخرط في النشاط السياسي، مدافعاً عن قضايا شعبه. ويقول مجايلوه أنه كان ” ثوريًا ملتزمًا”.

وحين نال شهادته الجامعية، عمل أولًا بالمحاماة، لكنه سرعان ما هجرها وقرر الالتحاق بصفوف الثوار حينما توصل إلى أن التغيير الذي يحلم به سوف لن يتحقق إلا بالكفاح المسلح. وقد كان محقًا في ذلك، لأن النظام الحاكم خلال تلك الفترة اتسم بأسلوبه الذي يتعارض مع حقوق الإنسان. وكان يستخدم العنف المفرط ضد معارضيه ولم يكن يؤمن إلا بقوة السلاح.

في الأرض المحررة

التحق الطاهر حجر بصفوف المقاومة بالإقليم في بدايات العام ٢٠٠٤ . ومنذ ذلك الوقت صار عاشقًا للترحال، حيث قضى معظم سنوات حياته بين المنفي والأرض المحررة.

وعندما بدأت التصدعات تبرز وسط حركات الكفاح المسلح، حين وقع فصيل مني أركو مناوي اتفاق سلام مع حكومة المركز في العام ٢٠٠٦ ، أعلن حجر موقفه الرافض للاتفاق، منحازًا بذلك الى القائد الشهيد علي عبدالله الشهير ب ” كاربينو ” الذي كان يتزعم آنذاك حركة تحرير السودان للعدالة. وظل حجر منذ تلك الفترة ضمن المكتب السياسي للحركة إلى أن انتخب رئيسًا لها في العام ٢٠١٢ .

وحدة قوى الكفاح المسلح

طوال فترة نضاله، آمن القائد الطاهر حجر أن تأسيس السودان الذي ظل يعانق أشواق السودانيين لن يتحقق مالم تتحد قوى الكفاح المسلح تحت مظلة واحدة، لهذا قاد برفقة آخرين محاولات حثيثة لإعادة وحدة القوي الثورية . وقد تكللت تلك المحاولات باندماج كل من حركة العدل والمساواة بقيادة عبدالله جنا، وحركة جيش تحرير السودان الوحدة بقيادة عبدالله يحيى، فضلًا عن حركة تحرير السودان للعدالة التي كان يتزعمها آنذاك تحت مسمى تجمع قوى تحرير السودان. وانتخب إثرها رئيساً للتجمع.

وفي غضون أشهر، توجت جهوده بالتحاق تجمع قوى تحرير السودان بالجبهة الثورية، لينال بناءً على ذلك عضوية مجلسها القيادي في العام ٢٠١٩ .
كما أجرى اتصالات ومشاورات مكثفة مع عبد الواحد محمد نور زعيم حركة تحرير السودان المعارضة. وكون حلفًا مشتركًا مع حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي الذي يتزعمه الدكتور الهادي إدريس، وآخر مع حركة “كوش” ومؤتمر البجا المعارض.

وساهم حجر بشكل كبير في دخول قوى الكفاح المسلح التي تتخذ من دارفور مسرحاً لعملياتها، مفاوضات السلام التي رعتها جوبا بوفد واحد وموقف تفاوضي مشترك لأنه كان ضد تجزئة المنابر، ومؤيدًا بشدة للسلام الشامل الذي تبنته ثورة ديسمبر.
على الصعيد الأكاديمي يمتلك القائد العديد من المؤهلات حيث نال دبلوم إعداد القادة من المركز العربي للتنمية الإدارية والدراسات الاستراتيجية _ القاهرة.

دبلوم تدريب المدربين، المعهد العربي للدراسات _القاهرة .

شهادة معتمدة من الاتحاد الافرواسيوي للقانون الدولي وتسوية المنازعات في القانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية والقنصلية.
دبلوم إعداد القادة من المعهد العربي للدراسات اتحاد المعلمين العرب.
دبلوم عالي في القانون الدولي من جامعة جوبا ..

الإصلاح من الداخل

كانت للإخفاقات التي صاحبت تجربة الكفاح المسلح، وخاصة بعد الانقسامات التي ضربت حركة تحرير السودان، دوراً كبيراً في فقدان كثير من مثقفي الإقليم ثقتهم في حركات الكفاح المسلح، لكن استطاع الطاهر حجر بحنكته وإيمانه بقضايا المهمشين أن يعيد الأمل وسط المثقفين مرة أخرى، ويجعلهم ينضوون تحت لوائها رغم الإخفاقات التي صاحبت التجربة.

منذ التحاقه بصفوف الثورة، ظل حجر يعلن رفضه لفكرة الاكتفاء بموقع الحياد السلبي. وقد صرح أكثر من مرة أنه لا يمكن إصلاح المنظومات الثورية مالم يلتحق كل السودانيين بصفوفها، ثم يشرعوا في إصلاحها من الداخل، لأنها ملكهم، وليست خاصة فقط بمجموعات اجتماعية بعينها.

موقع مستحق

يتميز القائد حجر حسبما يرى القيادي في حركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي الأستاذ نمر عبدالرحمن ” بالصبر والحكمة والتواضع، والقدرة على تفهم آراء الأجيال القديمة والجديدة، علاوة على الالتزام، والثبات ” وهو ما ساعده على نيل ثقة الثوار، وتكليفه بقيادة حركة تحرير السودان للعدالة، ومن ثم أخيراً تجمع قوى تحرير السودان.

ويرجع نمر الفضل إلى كل من القائد حجر وعبدالله يحيى وعبدالله جنا، في إعادة شمل القوى الثورية مرة أخرى تحت جسم واحد. مشيراً إلى أن ذلك يعد أكبر إنجاز في عهد الشتات والتمزق الذي أصاب قوى الكفاح المسلح .

ويضيف بالقول :” نأمل أن ينجح القائد حجر في نقل هذه التجربة مستقبلاً إلى كل القوى الثورية التي هي بحاجة ماسة إلى الوحدة حتى لو على الحد الأدنى من المبادئ “. واصفاً حجر :” بالقائد الذي دخل السياسة من باب الالتزام الثوري، الحكمة، ومعالجة قضايا الثوار “.
وحول تعيين القائد حجر بالمجلس السيادي قال نمر :” أنه موقع مستحق، وبالتأكيد سوف يقدم الكثير لبلده وشعبه “.

اليوم التالي