مقالات سياسية

الرشيد الطاهر بكر زار الجمهوريين وقال لهم ناس الترابي يدبرون مؤامرة لاغتيال الأستاذ محمود

دعوة للحوار (17)

الأستاذ محمود كان يهيئ نفسه للموت منذ وقت بعيد وكتب وصيته منذ الأربعينات وأخبرني بأنه سيموت مقتولا

زعيم الجمهوريين زار قبر الأزهري يوم وفاته داعيا له (اللهم إنه كان يحب الرئاسة في الدنيا فأعطها إياه عندك

بيننا وبينهم:-
عداوة الاخوان المسلمين لنا نحن الجمهوريين، شديدة وطويلة!! وهم يعلمون، بالتجربة الطويلة، أننا دعاة سلام، واننا نعمل على أن نعيش ما ندعو له.. كما يعلمون وبالتجربة الطويلة أننا دعاة دينيون لا نسعى إلى السلطة الزمنية، ولا نشارك فيها، وهذا بصورة مبدئية، ينبع من طبيعة تفكيرنا الديني.. فإذا وجد من ينتسب للفكرة الجمهورية، ثم شارك في السلطة الزمنية، فهذا يجب أن يوضع عند عتبته هو.. هو من فارق.. ولا تحاسب الجماعة بمفارقة من فارق..بل ويمكن أن يخرج عن الفكرة، فهو حر في ذلك ولا يحق لأي أحد أن يسأله.. ولكن الفكرة نفسها، والجماعة، لا يسألان عن عمل من فارق..
ورغم علم الأخوان المسلمين بأننا دعاة سلام وأننا لا نسعى للسلطة الزمنية، فهم يعادوننا، عداوة غير أمينة.. وينشرون عنا شائعات ينسبون لنا فيها خلاف ما نقول، وفي كثير من الحالات عكس ما نقول.. وقد كان نشاطنا طوال فترة حكمهم محظورا دون بقية كل الجماعات دينية كانت أو علمانية.. وقد حاولنا أن ننشر في داخل البلاد، فصادروا لي كتابا عن السلام!! فأصبح نشرنا كله في الخارج.. البلد الوحيد في العالم الذي يمنع فيه نشاطنا، هو بلدنا!! وكان الأخوان المسلمون كثيراً ما يعتدون على إخواننا أثناء حمل الكتاب، وأثناء المنابر.. قد تعرض الأخ أحمد مصطفى دالي لاعتداءاتهم الجسدية لمرات متعددة.. وفوق ذلك كله، وأهم منه، هو أنهم تآمروا لاغتيال الأستاذ محمود.. هذه نقطة نحب أن نقف عندها بعض الوقت.. فهم قد خلصوا إلى نتيجة تفيد بأنهم لن يقضوا على الفكر الجمهوري إلا باغتيال الأستاذ محمود!! وعملوا على تحقيق هذا الاغتيال.
بالنسبة للأستاذ محمود، فقد كان يهيء نفسه للموت منذ زمن طويل، فهو قد كتب وصيته في أربعينيات القرن الماضي، وهي لا تزال موجودة.. ونحن هنا نعرض لكم هذه الوصية فهي قد وردت كما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم
1. هذه وصيتى ووكيلي على تنفيذها زوجتي بعد الله
2 . تسدد الديون أعلاه وإذا لم يعرف يوسف الحلواني وبائع الفحم والحلاق يتصدق بما لهم على الفقراء باسمهم والتسديد من نصيبي من مال السلوم
3. ينظر فيما على من حساب من شركائي بمقتضى فواتير من عبد الكريم عبد الرحمن(حساب خصوصى باسمى) فيسدد وهو حوالى //36ج//
4. ينظر في استئجار المكتب من شراكة السلوم وما يخصني منه يدفع وإبراهيم الأسد مسئول عن الإرشاد إلى ذلك
5. يعطى شيخ لطفي مبلغ //300 ج// تعويضاً له عما صرف علي وعلى أولادي
6. تعطى الربجود مبلغ //50 ج//
7. ما يبقى يكون لزوجتي وأولادي وزوجتي هي خليفتي عليهم بعد الله
8. لا يفرش علي ولا يتصدق ولا أكفن في جديد ولا يناح علي ولا يجعل على قبري أية علامة ويباشرغسلي زوجتي

محمود محمد طه

وقد سمعت أنا شخصياً من الأستاذ محمود، قوله إنه سيقتل.. كان ذلك في بدايات سبعينات القرن الماضي.. كنا معه في حجرته، عدد قليل من الأخوان والأخوات، وكان ضمن ما قاله لنا، إنه سيأتي يوم يقتل فيه!! انزعجت انزعاجاً شديداً، وحاولت أن أتحدث عن الموت المعنوي، فرد علي قائلاً: لا.. الموت الحسي!! وقد انزعجت لهذا الأمر انزعاجاً شديداً، استمر معي لفترة طويلة.. وكان الأستاذ كثيراً ما يقول لنا: هل منكم من رأى رؤيا منامية، فيها مت ودفنت!! وبالفعل حكى بعض الأخوان مثل هذه الرؤيا.. من الواضح جداً أن الأستاذ محمود كان يهيئنا لما حدث في 18 يناير 1985م.. قام أحدهم، في الأبيض بضرب الأستاذ على رأسه، بعصا غليظة، أثناء ما كان يحاضر.. وكان الجرح كبيراً وأحتاج إلى خياطة.. علق الأستاذ قائلاً: الزول ده استعجل، وقت الضربة ما جاء لسه!! عندما تم الخروج من السجن الثاني، قال لنا الأستاذ، إنما أخرجونا ليعتقلونا من جديد.. في تلك الأيام، زار العم أحمد الطيب خالد الأستاذ.. وعندما ودعه الأستاذ حتى قرب منطقة المواصلات، قال له الأستاذ: خلاص نميري بقى على سوء الخاتمة.. في زيارة للأستاذ الرشيد الطاهر مع بعض الأخوان، قال لنا المرحوم الرشيد: ناس الترابي بدبروا في مؤامرة لاغتيال الاستاذ محمود وكان هذا قبل المحاكمة بفترة طويلة.. وقد ذكرنا ما قاله الرشيد للأستاذ محمود فلم يعلق.. وهذا يذكرني برؤيا منامية، رأيت فيها الترابي يتآمر علينا- وكانت ثقتنا في رؤانا المنامية كبيرة جداً.. ذكرت الرؤيا للأستاذ محمود.. فقال لي: أول مرة تشوفوا؟! قالها بصورة فيها بعض الزجر والاستغراب من جانبه، وكأنه أراد أن يقول لي: كان ينبغي أن تكون قد رأيت هذا قبل وقت طويل.. قبل المحاكمة والتنفيذ، كان يعدنا للحدث بصور مختلفة.. وعندما تمت المحاكمة وقبل التنفيذ، قال العم مختار علي الشيخ من أهلنا برفاعة، وهو صديق للأستاذ: هذا الحكم سينفذ!! وهاجمه البعض، واستنكروا ما قاله.. فقال: والله ده كلامو هو، سمعتو من لسانو.. في فترة الخلوة كنت أزوره.. ففي واحدة من الزيارات، قال لي: أنا حيجي يوم يقتلوني فيهو، واليوم داك الما معانا فاتو شي كتير.. فقلت له: عليك الله يا محمود، وبحكم العلاقة البيناتنا، اليوم داك ما تنساني.
أردت أن أقول، بكل ما ذكرته، أن الأستاذ محمود كان على علم تام، منذ زمن طويل بمؤامرة الاغتيال وكان ينتظرها كحدث هام جداً في حياته.. ربما يكون بالنسبة له أهم حدث.. وقد كان الأستاذ يهيئنا لهذا الحدث.. وعند التنفيذ، كان كل الأخوان والأخوات، في حالة سكينة لم أكن أنا شخصياً أتوقعها.. ولا أعتقد أن السبب في السكينة هو التهيئة، التي تمت لنا.. وإنما هو أمر روحي تنزل علينا، ذكرت ما ذكرت، لأقول أن الأخوان المسلمين هم أساساً من وراء المؤامرة- وبصورة خاصة المرحوم الترابي.. وقد كانوا على يقين، أن بعد مؤامرتهم على الأستاذ محمود ستنتهي الفكرة بصورة حاسمة.. وقد سمعت أحدهم، وهو له صلة رحم بالأستاذ محمود، يقول- ولم يكن منتبهاً لوجودي: بعد محمود ما بتقوم ليهم قايمة!! بعد ذلك كله انزعج الأخوان المسلمين انزعاجاً شديداً بعد أن تأكد لهم، أن اغتيال الأستاذ محمود، لم يقض على الجمهوريين، وفكرتهم وظهروا من جديد- حسب تصورهم بصورة أكبر.. هذا هو موقف الأخوان المسلمين منا، هم يريدون زوالنا الحسي والمعنوي، والقضاء على فكرتنا قضاءً تاماً.. فقد تصوروا إنهم بمؤامرتهم لاغتيال الأستاذ، قد تحقق لهم ما يريدون.. هذا موقفهم هم.. فما موقفنا نحن منه.
من المؤكد نحن ضد الأخوان المسلمين.. وهذا يكاد يكون معروفاً للجميع.. وقد كنا دائماً ننقدهم في محاضراتنا، وفي أركان النقاش، وفي الكتب.. ولكن الموضوع الهام جداً هو أن نقدنا لهم هو دائماً موضوعياً وينطلق من حب الخير لهم وللناس.. من حيث المبدأ عندنا أن الدعوة الدينية الناقصة، هي فتنة، وهذا ينطبق على دعوة الأخوان المسلمين في أصلها عند الأستاذ حسن البنا وفي جميع تنزلاتها ومظاهرها، وعندنا الدين سلاح ذو حدين، يقول الأستاذ محمود: (ثم يجب أن نعرف جيداً أن الإسلام بقدر ما هو قوة خلاقة إذا ما أنبعث من معينه الصافي، واتصل بالعقول الحرة، وأشعل فيها ثورته وانطلاقه، بقدر ما هو قوة هدامة إذا ما أنبعث من كدورة النفوس الغثة، واتصل بالعقول الجاهلة، وأثار فيها سخائم التعصب والهوس)، وما يقوم عليه عمل الأخوان المسلمين من الدين هو الحد السلبي من أجل ذلك نحن نعارض دعوتهم، دفاعاً عن الدين الصحيح كما نراه، ودفاعاً عن المسلمين، ودفاعاً عن الأخوان المسلمين أنفسهم، وذلك بتصحيح رأيهم الخاطئ والمحاولة لدرء فتنتهم.. نحن لسنا ضدهم كبشر وإنما ضد الخطأ والانحراف، في فكرهم وعملهم وهذا لمصلحة الجميع بمن فيهم هم.. القاعدة عندنا، هي ما قاله الأستاذ محمود عن الترابي.. فقد قال: (نؤكد، لمن عسى يحتاجون لتأكيد، أن شخصية الدكتور حسن موضع حبنا، ولكن ما تنطوي عليه من ادعاء، ومن زيف في الثقافة الغربية والإسلامية هو موضع حربنا، ونحن إذ ننتقد الدكتور حسن لا ننطوي على مرارة، إلا بالقدر الذي يؤكد معنى ما نريد، شأن من تدفعهم الغيرة إلى حب الخير للأشياء والأحياء..).. هذا هو منطلقنا: حب الخير للأحياء والأشياء.. وحب الخير هذا، هو ديننا.. فتربيتنا الدينية تقوم على أن نحب الخير للناس مهما كان وضعهم، ومهما اساءوا إلينا.. وهذا المعنى، كان دائماً يؤكد لنا من خلال العمل السلوكي ومن خلال التجربة اليومية.. نحن لا نحقد على أحد، وعندنا من يحقد فإن عمله ضد نفسه في المقام الأول.. والسلوك وفق طريق محمد صلى الله عليه وسلم، كله، يقوم على التخلص من عيوب النفس، ومن عيوب العمل.. ولقد كان الأستاذ محمود، دائماً يحرص على أن تكون صدورنا سليمة، وخالية من العداوات، مهما لقينا من عداوات من قبل الآخرين.. هو يريدنا ألا نتوجه، حتى روحياً ضد من يسيئون إلينا، ويأذوننا وكان دائماً يذكرنا بهذا الأمر.. القاعدة العرفانية السلوكية عندنا هي: تحب الكافر، وتكره الكفر.. وهي تقوم على معاني عرفانية عظيمة.. كان الأستاذ في محاضراته وكتاباته، كثيراً ما ينقد الزعماء السياسين ولكننا عندما نكون معه يذكرنا بمحاسنهم، وذلك من أجل تربيتنا.. كان ينقد قصور السيد إسماعيل الأزهري، وتفريطه في الشأن العام، نقداً شديداً.. وعندما انتقل المرحوم أزهري زاره في مقامه في مساء نفس اليوم الذي توفى فيه مع بعض الأخوان.. ودعا للسيد الأزهري.. وكان ضمن دعائه كما ذكر الأخوان: اللهم إنه كان يحب الرئاسة في الدنيا فأعطه إياها عندك!!.
أواصل
خالد الحاج عبد المحمود *
*مدينة رفاعة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..