“مشكلات نفسية” علاقة الآباء بالأبناء.. صراع التأزم والانسجام

الخرطوم- إجلال فاروق
يعاني كثير من الآباء من مشكلات نفسية مختلفة، لا يستطعون إخفاءها عادة في ظل الاحتكاك اليومي والدائم مع أبنائهم، حيث يلاحظ الأبناء سلوكيات الآباء والأمهات، وتتكرر أمامهم، فيقلدونها وربما كانت تلك السلوكيات متأثرة بما يعانيه الآباء والأمهات من تلك الأمراض النفسية المختلفة.
ويرى بعض الباحثين أن بعضاً من الآباء والأمهات قد تمكنوا من تحويل حياة أبنائهم لجحيم لا يطاق وصدرت لهم أمراض لا يمكن توقعها، والمشكلة الكبرى تكمن في انتقال تلك الأمراض وما يصاحبها من عادات إلى الأبناء بحكم طبيعة تكوينهم الذي يتميز بتقليد وشدة الملاحظة.
انتقال العدوى
محمد عبد المجيد – باحث نفسي – يقول إن مكانة الوالدين في حياتهم مكانة كبيرة، فتنتقل العدوى، ومن ثم تنتشر، وأكثر ما ينقل من الآباء والأمهات لأبنائهم مرض التوتر والقلق، وهو مرض ينتقل للأبناء بسرعة كبيرة، وعادة يحصل ذلك بغير ارتداده من الوالدين، وسببه كثرة المشكلات وأحاديث القلق علي لسانهم، وبعض الأحداث التي يسيئ الوالدين رد الفعل فيها، أو يسيئان التعامل معها. ويضيف: تتمثل الأعراض السلوكية للقلق في تدني مستوى الطفل الدارسي وانخفاض إنتاجيته، إضافة إلى انخفاض مستوى القدرة على الإبداع، كما أن هنالك أعراضاً أخرى تتمثل في الشرود الذهني وصعوبة الاستيعاب أثناء تلقي الدروس، بالإضافة للأعراض الجسدية، وتتمثل في الشكوى من صداع واضطرابات النوم وظهور الكوابيس، وقد يصل إلى التبول اللا إرادي، وأبرز أنواع القلق ما يسمى بالخوف والانفصال، ويعني خوض الطفل من الانفصال عن والديه وبيئته.
قلق وهواجس
أما النوع الآخر، فتصنفه ماجدة خلود بأنه تمثل في القلق المحدد، وهو هاجس الطفل من أن يُصاب بمكروه أو أن يصاب أحد والديه، وعلاج القلق يعتمد بالإساس على الوالدين كذلك ثم على البيئة الاجتماعية للطفل، بحيث تعد الأسرة المصدر الدائم لشعور الطفل بالاستقرار والدفء والقدرة على التعبير عن المشاعر، وبذلك تنتقل للأطفال عن طريق المشاعر، بجانب بث الثقة والطمأنينة في النفس، ويعد المرض الآخر، بحسب ماجدة، هو سرعة الغضب والعصبية الزائدة، وهو نوع من الأمراض النفسية، كذلك تنتقل للأطفال عن طريق المعايشة لأبوين عصبين سريعي الغضب، فالوالدان يغضبان لكل شيء، ويصرخان حين حدوث أي شيء، ككسر شيء ما من الأثاثات أو ضياع شيء من الأدوات الدراسية، ويصرخان في الأبناء عند كسلهم أو عند سوء فهم أو عند حصولهم على درجات قليلة، وغير ذلك.
ردة فعل
والغضب صفة بغيضة وزيادته مرض سيئ، وقد أوصانا الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقال (لا تغضب)، وعلاجه بالنسبة للأبناء يكون بمحاولة أن يسود جو من الهدوء في البيت، وأن تكون ردود الأفعال هادئة وعالقة ومنطقية لا نفسية متوترة، كما يعالج بنشر مفهوم الحوار بالبيت ومفهوم التعبير عن النفس، ومن الأمراض التي تنتقل إلى أبنائنا مرض الانطواء، كما تصف ذلك فوزية عمر التي قالت إن الوالدين إن كانت طبيعتهما الانطواء سعيا دائماً لملاحقة الأبناء والإحاطة بهم، وإغلاق الأبواب عليهم ومنعهم من المصادقة والمصاحبة لزملائهم، بل إن بعض الآباء قد يشوه صورة أصدقاء أبنائه رغبة في ابتعاد الابن عنهم، والبعض يحرمهم من مجرد النزول لشراء بعض الحاجات من دكاكين قريبة، فيخرج الأولاد منطوين على أنفسهم خائفين من مخالطة الناس، فإذا لم يجدوا بيئة صالحة تعالج انطوائيتهم، فيكبر معهم القلق والتوترات النفسية، وتصبح صفة لازمة ترافقهم، وكذلك قد نغفل عن تصدير الاكتئاب لأبنائنا، فنصدر لهم ما يغير حياتهم، فيرى الابن والديه دوما في حزن وضيق، وهما لا يبتسمان ولايتمازحان ولايتحاوران، وتصبح لدى الأبناء صورة قاتمة عن الحياة والناس، فيخرج الابن كارهاً لأقرب المقربين إليه، إذ أن والده شوه صورته في ذهنه، ويخرج الابن ناظراً للمجتمع بنظارة سوء، يسيئ تفسير سلوكيات الناس ويتعامل بإحباط مع الأخبار والأحداث، ويكون منقطع الطموح وعلاج ذلك محاولة التربية دائما، ونشر كلمات التشجيع بينهم، وذكر المديح لهم في سلوكياتهم الإيجابية وتشجيعهم على الإنجاز والتفوق والتقدم وتقديم الهدايا والعطايا لهم تشجيعاً على التفوق والإبداع.
نظرة من الآباء
وتقول الباحثة الاجتماعية هالة نور: على الآباء أن يتنهبوا، فقد يكون البعض مكروهاً من بين أبنائك وأنت لا تدري، ولاشك أن للآباء الصالحين محبة كبيرة في قلوب أبنائهم، ولاشك أن تلك المحبة تزداد يوماً بعد يوم كلما كبر الأبناء، وفهموا معنى التضحيات والعطاء، لكن هنالك جانباً آخر يغفل عنه الكثيرون، وهو هؤلاء المكرهون من قبل أبنائهم، وهم لا يشعرون أنها مصيبة كبرى يمكن أن تقع في بيتك وأنت غافل عنها. وتضيف هالة: وأن لا يكرهك ابنك بينما أنت قائم على سلوكك السلبي مصراً عليه معتاداً على فعله، فانتبه أيها الأب الغافل وتدبر معي تلك الأسباب.
اليوم التالي