مقالات سياسية

*لماذا تمردت قيادة الجنجويد على الحركة الإسلامية ؟*  *”في اصل النزاع واسباب الحرب”*

*لماذا تمردت قيادة الجنجويد على الحركة الإسلامية ؟*  *”في اصل النزاع واسباب الحرب”*

 *د. أحمد عثمان عمر*

 (١) يستغرب الكثيرون لما حدث من تمرد لقيادة الجنجويد على الجناح المنتصر بالمؤتمر الوطني المسيطر على اللجنة الامنية للإنقاذ ، بمستوى لم يترك لذلك الجناح من سبيل سوى اشعال هذه الحرب اللعينة بحسابات خاطئة لإخضاع المليشيا. والاستغراب يأتي من استصحاب حقائق تاريخية، تبدو مقنعة شكلاً ، لأنها تؤكد بأن الجنجويد ما هم إلا أداة للحركة الاسلامية. ومن ذلك طبيعة تأسيس مليشيا الجنجويد كأداة لدولة الاسلامية لضرب حركات دارفور المتمردة وبندقية للايجار لقمع كل من يهدد سلطة المخلوع البشير ، وشريك اصيل في انقلاب القصر الذي قطع الطريق امام ثورة ديسمبر المجيدة وفرض اللجنة الأمنية كسلطة أمر واقع فرضت شراكة الدم على التسوويين، وكأداة قمعية دموية شاركت في جريمة فض الاعتصام المروعة، وشريك اصيل في انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م الذي قصد منه تصفية الثورة، وكتنظيم جميع مؤسساته العسكرية والسياسية معظم قياداتها المؤثرة إسلاميين وأعضاء مؤثرين في الحركة الإسلامية. وهذا بالطبع دفع البعض لعدم الإكتفاء بالإستغراب، يل ذهب إلى القول بأن ما يتم من حرب مجرد مسرحية متفق عليها بين الإسلاميين لتصفية الثورة التي فشلوا في تصفيتها عبر انقلابهم الأخير الذي فشل فشلا ذريعاً. (٢) وفي تقديرنا أن هذه المعطيات غير كافية لتفسير الحرب الراهنة وأسباب اشتعالها، لأنها تهدر معطيات أخرى تؤكد أن الصراع بين قيادة مليشيا الجنجويد والجناح المنتصر في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني ، صراع جدي وهو صراع كسر عظم، لا مجرد مسرحية. ومن ذلك حقيقة أن قيادة الجنجويد لم تقف عند حد نشأتها، بل تحولت إلى عضو أصيل في نادي الرأسمالية الطفيلية ، وارتقت طبقيا وأصبح لها مصالح حقيقيّة وكبيرة ، ولم تعد مجرد بندقية للإيجار، يغدق عليها بالأموال المخلوع ومدير مكتبه، للقيام بحمايته وتنفيذ أعماله القذرة. فقيادة الجنجويد أصبح لها سيطرة فعليا على النشاط الريعي في تعدين الذهب وتهريبه. ونشاط تجاري واسع مرتبط بتجارة الصادر والوارد وشركات إقليمية، ومصارف لتمويل نشاطها المشبوه غير المنتج ، وعلاقات إقليمية ودولية مع دول ومخابرات ومليشيات مؤثرة وفاعلة في الراهن السياسي والعلاقات الدولية، وقوة عسكرية ضاربة ثبت بالتجربة الان انها قادرة على هزيمة القوات المسلحة وحصرها داخل معسكراتها التي تسقط تباعا في يد المليشيا الواحدة تلو الاخري . (٣) تنبهت قيادة مليشيا الجنجويد إلى ان مصالحها المنوه أعلاه التي تستلزم وجود سلطة تحميها في خطر، لأن جناح الحركة الأسلامية المسيطر على اللجنة الأمنية والذي إنقلب على المخلوع البشير في إنقلاب القصر، أصبح يشكل خطرا كبيرا على هذه المصالح بدلا من أن يشكل سلطة حامية لها. فهو نجح في توريط مليشيا الجنجويد في إنقلاب القصر بعد أن إنقلب على ولي نعمته ونعمتها المخلوع الذي كانت المليشيا مجرد ذراعه العسكري وحمايته، كما نجح في توريطها في مذبحة فض القيادة العامة ودق إسفينا كبيرا بينها وحركة الجماهير. وكذلك قام بإستخدامها في احتواء ثورة ديسمبر وإدخالها في شراكة الدم عبر شرعنتها دستوريا بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة ليستخدمها في جميع النشاطات المعادية للثورة. ثم ختم استغلاله لها بتوريطها مجددا في انقلاب أكتوبر ٢٠٢١م، لتجد نفسها في عزلة تامة داخليا وخارجيا ، هددت مصالحها بوصفها شريكا أصيلا في سلطة لا مستقبل لها مصيرها إلى السقوط بعد ارتكابها جرائم ضد الإنسانية ، بالإفراط في قتل المتظاهرين السلميين. فقيادة الجنجويد وجدت نفسها طرفاً في سلطة انقلاب مرفوضة جماهيريا رفضا قطعيا، بمستوى افشل محاولة تعويمها عبر اتفاق برهان / حمدوك الذي دعمه حتى الامين العام للامم المتحدة وأسقطته حركة الجماهير. وهي فشلت في مجرد تكوين حكومة تمثلها وتحكم بإسمها ، والأهم فشلها في الحصول على قبول دولي واقليمي ولو يسير، يحفظ للمليشيا وجودها وقدرتها على حماية مصالح داعميها إقليميا ودوليا. (٤) وسواء أكان هذا التنبه والإدراك قد تم بصورة ذاتية وجهد فردي ، أم عبر ارتباطات المليشيا بالمخابرات الاقليمية والدولية التي تهددت مصالحها بسبب تصرفات جناح الحركة الإسلامية المسيطر قصير النظر ومحدود ودالقدرات ، استنتجت هذه القيادة ان الحل يكمن في تعويمها عبر واجهة مدنية، هي التيار التسووي ذو الارتباطات الاقليمية التي تتقاطع مع ارتباطات المليشيا. وهذا هو سبب اندفاعها الكبير والصادق في دعم الاتفاق الإطاري لا إيمانها بالتحول الديمقراطي كما تزعم. فهي تأكدت بأن الاتفاق الإطاري هو طوق النجاة الوحيد ، الذي سيأتي بواجهة مدنية ترفض حلها بدعاوى الواقعية، وتقبل وجودها وحماية مصالحها بالتبعية والقبول بشرعنتها الدستورية واستمرارها لحين الوصول لمرحلة دمجها في القوات المسلحة غير المحدد موعدا ولا شكلا ولا مضمونا. وفي اندفاعها لتأييد الاتفاق الإطاري، أفصحت عن إرادة واضحة في الخروج عن سلطة جناح الإسلاميين المسيطر على اللجنة الأمنية، وأعلنت خلافها معه علنا عبر تصريحات قيادتها ضد ممارساته في قتل المتظاهرين، واعتذر زعيمها عن المشاركة في انقلاب أكتوبر ٢٠٢١م . هذا التمرد الشامل والصريح، اخل بتوازن الاتفاق الإطاري الذي قبله الجناح المسيطر عبر جناحه العسكري الأمني في اللجنة الأمنية الذي وقع عليه ، وعارضه بشراسة عبر جناحه المدني بهدف توسيع حصته في الواجهة المدنية. فتوازن الاتفاق الإطاري لمصلحة جناح الإسلاميين المسيطر عبر مجلس الامن والدفاع ، يشترط استمرار ولاء مليشيا الجنجويد التام لذلك الجناح. وبخروج المليشيا عن الخضوع وتمردها ، سقط هذا التوازن واصبحت سلطة جناح الحركة الاسلامية المسيطر في خطر الزوال الحتمي فكانت الحرب. أي ان الحرب لم تكن نتيجة للاتفاق الإطاري، بل نتيجة لتمرد قيادة مليشيا الجنجويد على الجناح المسيطر وإخلالها بتوازن الإطاري الذي كان لمصلحة ذلك الجناح في حال استمرار ولاءها. لذلك الحرب ليست عبثية من هذه الوجهة، فهي حرب مصالح واضحة بين جناح الإسلاميين المسيطر الذي تهددت سلطته ومصالحه بالزوال، وبين قيادة الجنجويد التي رأت ان الاتفاق الإطاري هو الحل الوحيد لحماية مصالحها، بشرط دعمه بشكل حقيقي لا قبوله تكتيكيا فقط كما فعل الجناح العسكري الأمني لجناح الإسلاميين المسيطر، مما يستلزم الخروج علنا عن طاعة هذا الجناح، مع استصحاب خيانة هذا الجناح لولي نعمته المخلوع ، وتوريط المليشيا في كافة مواطن الفشل بعد السقوط، وتهديد مصالحها بتكرار الانقلابات غير الضرورية لحماية مصالح المليشيا الممكن حمايتها بواجهة مدنية ترفع شعارات الواقعية والعقلانية. وهذا يؤكد بأن الصراع حقيقي وعنيف ولا يمكن حله بدون إنتصار أحد الطرفين ولو عبر مساكنة شكلية قابلة للانفجار مجددا، وربما يجد فيه الإسلاميين المؤثرين في المليشيا تنفيسا عن غضبهم على الجناح المسيطر الذي انتصر عليهم حين كانوا مجرد حماية وأداة في يده. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! ٢٤ / ١١ / ٢٠٢٣

‫13 تعليقات

  1. مشاء الله ولا قوة الا بالله!

    نعم الفهم و المنطق!

    مقال واحد ينسف مقالات الجنجويدى المدعو “على احمد” للابد ههههههههههه!!
    قوم من نومك ياجنجويدى و بكره تعال احكى هلاويسك بسبب مقال الدكتور!!

    و تعالوا يا قحاتة تعلموا!
    خصوصا القحاتى المدعو السندى الشابكنا الاطارى اقر دمج الجنجويد فى الجيش ولانك اصلا تتعاشى عن كيفية الدمج المزعوم نقولك من شغل الدكاترة الحقيقين هاك دى (وهذا هو سبب اندفاعها الكبير والصادق في دعم الاتفاق الإطاري لا إيمانها بالتحول الديمقراطي كما تزعم. فهي تأكدت بأن الاتفاق الإطاري هو طوق النجاة الوحيد ، الذي سيأتي بواجهة مدنية ترفض حلها بدعاوى الواقعية، وتقبل وجودها وحماية مصالحها بالتبعية والقبول بشرعنتها الدستورية واستمرارها لحين الوصول لمرحلة دمجها في القوات المسلحة غير المحدد موعدا ولا شكلا ولا مضمونا. وفي اندفاعها لتأييد الاتفاق الإطاري) !

    1. يا Abu nana لماذا وقع برهان التوقيع الاولي على الاطاري و كل شيء كان واضحا من أن الحكم الفعلي سينزع من العساكر و يعطى لرئيس الوزراء المدني ؟؟ و لماذا ترك الكيزان البرهان يوقع التوقيع الاولى

      التفسير الوحيد هو أن برهان و الكيزان كانوا يخططون ان يكون رئيس الوزراء المدني منهم و لما فشلوا حدث ما حدث

      1. انت مشلول التفكير و قليل الاستيعاب و قصير الادراك فى ان واحد ؟

        مقال واضح و الدكتور اورد فيه كل ما يدور حول الحرب و اسبابها بمفردات بسيطة مفهومة لابسط الناس!

        لو تمتعت بأقل درجة استيعاب للمقال هذا و خصوصا ما ورد فى الفقرة (4) و تحديدا من النص ( هذا التمرد الشامل والصريح، اخل بتوازن الاتفاق الإطاري………………) ما كنت فضحت قليتك القحاتية دى

    2. طيب المشكله وين لما الاطاري يجد دعم حتي من الشيطان يعني بفهمك العاثر هذا كنت عايز الحريه والتغيير تتنصل عن الاطاري والذي تري فيه الطوق الوحيد لتكملة مشوار الثوار عشان دخل معاهم حميدتي يحردوهوا. اضف نفسك من هذا اليوم لقائمة المسطحين.

  2. الكاتب الوحيد الذي اتمنى لو مقالة لا ينتهي مهما طال يكتب بموضوعية وشفافية دون حساب لايا كان ويسمي الاشياء بمسمياتها

  3. رسكنا لكن الصورة بالمقلوب وبالعديل .
    تحتاجون لعازل بين المطرقة والسندان .عازل يمنع هذه الضربة .

  4. تمردت قيادة الجنجويد على الحركة الاسلامية، بعد القفز على مجريات الأحداث من بداية الحرب الى تاريخ اليوم، هو سنة الحياة حينما يحين وقت المنعرج التاريخي. وصلت الأمور إلى حالة من الانسداد التام من شدة تراكم الفساد بأشمل صوره بل و يكاد يكون بمستويات تاريخية لم يسبق لها مثيل على مر العصور في دولة ما او مجتمع ما . كل مآلات الأمور لابد أن تفضي إلى واحد من شيئين الأول أن يسدل الستار على ما يعرف بالسودان الحالي و يحل محله اقطار بحدود جديدة يرافق ذلك مشاكل و نزاعات تاخد وقتها حتى تخمد و تنتهي. أما الثاني أن يتشكل من ركام الدمار الماثل أمامنا واقع جديد تبدأ فيه رحلة التعافي و البداية الحقيقية لنهوض هذا القطر الذي استبيح إلى آخر مدى

  5. لأن في السودان أمثال الشيوعيين ديل، وهم يعلمون ان اي انتخابات مستقبلية لن تأتي بهم وان اي ثورة شعبية لن ترفعهم لكرسي السلطة وليس لهم قدرة على الانقلاب العسكري لهذا هم يرفضون كل شيء ويعارضون كل شيء …. ولأن في السودان أمثال فحت المركزي الذين يقفون على ضفة النهر ينتظرون الامم المتحدة او الأمريكان او الاتحاد الأوروبي ان يأتي لهم بالسلطة سائغة …. ولأن في السودان فلول وبرهان وكيران …. لن يستقر السودان حتى ينجح قائد لا قلب له في ضرب الجميع وإرغامهم على السير على صراط الوطن صاغرين مكسورين

    1. ليس مشكلة السودان من يحكم السودان بل كيف يحكم السودان بمجرد يتم الاتفاق على كيف يحكم السودان ووضع الدستور لا يعدل ولا يبدل و بحماية جيش وطني بعدها لو حكم الكيزان ما عندنا مانع بس يلتزمون بالدستور ما يشغلوننا بالسماء ويكوشون على الارض وما فيها

  6. التحليل منطقي وجميل، ولكن دسمه يخفي سم المناكفات مع الخصوم السياسيين. مازلنا لم نستوعب الدرس الأساسي، وهو أن نفرق بين الخصم والعدو، بين من يؤمن بطريقة مختلفة لحل المشكلة وبين من هو المشكلة بذاتها. عمى الألوان العقائدي هذا هو بالذات ما يجعل الوحدة الشعبية مستحيلا والخروج من المأزق سراب.

    الحرب هي فعل عنف جماعي ناتج عن عدم توفر المرونة الثقافية لدى الأطراف المتحاربة للقبول بالتنازلات ولتصفية تضارب المصالح بطرق حضارية، وهو شبيه بنمط التفكير الأيديولوجي الذي يشيطن كل من لم يتفق مع نهجه للوصول إلى الغايات الطوباوية. التغيير السلمي يستلزم أن تفهم أن عدوك ما هو إلا منتج ثقافي حتمي لنفس الواقع الذي تحاول تغييره، كسر هذه الحلقة الشريرة يلزم مجهود أكبر بكثير من ترديد الشعارات.

    أعتقد أن من السخف أن تعيب على قحت محاولة إدارة عدو عسكري لا تمتلك الأدوات لسحقه.

  7. المحير ان قحت لا مصلحة لها سياسيا في انتصار اي من الطرفين ومع ذلك تشوش على الحراك السياسي الوطني بالتماهي مع اجندة دول الجوار والمجتمع الدولي دون سند شعبى.

  8. وين كتاب البراء بن مالك و البرق الخاطف و الفهم التالف؟ المغفلين في جبل أولياء فجخوهم فجيخ الطماطم و حرامية بني كوز هربوا بورتسودان بعدما هربوا أولادهم خارج السودان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..