مطلوب تكوين جمعية لحماية القاريء

محور اللقيا

مطلوب تكوين جمعية لحماية القاريء

د. عمر بادي
[email][email protected][/email]

دعوني أرتاح قليلا من المقالات السياسية و أعود إلى سيرتي الأولى في كتابة المقالات الضاحكة و الطريفة , و كما ذكرت مرارا فإنني لا أطلق على تلك المقالات كلمة ( ساخرة ) لأنني بطبعي لا أحب أن أسخر من أحد و كفاية ( مسخرة ) !
في الأيام الماضية كنت في نزهة داخل معرض الكتاب الذي أقيم في صالة المعارض بمدينة الرياض , و قد إمتلأت الصالة رغم ضخامتها بالكتب من كل حدب و صوب , و أيضا إمتلأت بالبشر من الجنسين في كل أيام العرض العشر . عدد دور النشر التي إشتركت في المعرض كان يقدر بالمئات من معظم الدول العربية , بجانب دول أوربية كبريطانيا و السويد و النمسا و كانت معروضات تلك الدول الأوربية عبارة عن مخطوطات باللغة العربية و كتب مترجمة إلى اللغة العربية .
الكاتب الصحفي و المذيع السعودي المعروف تركي الدخيل قد إحتل حيزا في حوارات زوار المعرض أمام موقع دار مدارك للنشر و مركز المسبار للدراسات و الأبحاث التي تتبع له , و هي التي أصدرت له عدة كتب بينها كتابين كانا فارغين من أي محتوى ! الكتاب الأول عرفت أنه قد أصدره في نهاية عام 2011 و إختار له الإسم الجاذب : ( كيف تكسب المال بأقل مجهود ) , و كانت أوراق الكتاب المئتين من الداخل كلها فارغة ! و على الغلاف الخلفي كتب : ( بعيدا عن فكرة إستخدام المال في مصارفه الإيجابية أو السلبية , فإن هذا شأن آخر لا يتعرض له هذا الكتاب , بل يتعرض للفرص التي يمكن للمرء أن يقتنصها ضمن الشوارد , ليخلق منها مكاسب مادية يمكن أن تحقق له مآربه , و تساهم في تحقيق الطموحات و الآمال . هذا الكتاب هو خلاصة لآلاف الصفحات و مئات الكتب و العديد من التقارير و التجارب لأباطرة المال و الأعمال الذين حققوا ثرواتهم و كانت لهم صولات و جولات في عوالم الثروة و المال ). أما في صفحة الكتاب الأخيرة فقد كتب : ( أرجو أن تكون الفكرة وصلت بوضوح . يمكن أن يكون الكتاب مناسبا كإهداء , و بإستطاعتك أن تستخدمه لكتابة مذكراتك أو يومياتك , على أننا لا نشترط أن تكون الملاحظات مندرجة تحت عنوان الكتاب ) ! الكتاب مغلف بكيس بلاستيك شفاف لا يسمح بتصفحه إلا بعد شرائه و دفع ثمنه الذي يساوي عشرين ريالا . أما الكتاب الثاني فقد كان تحت عنوان ( ماذا في عقل القذافي ؟ ) و هو أيضا كل صفحاته الداخلية فارغة ! لقد أثار هذا الكتاب إعتراضا من الذين يكنون تقديرا للعقيد الراحل القذافي و رأوا فيه سخرية من العقيد , و لم تهدأ النفوس إلا بعد أن تدخل المشرف على دار النشر و تناول كتابا آخر لديهم عن العقيد القذافي من منظور إيجابي .
لقد إعتبر البعض أن هذا نوع من التحايل على القاريء و مدعاة للكسب الرخيص و ( الإستهبال ) , بينما إعتبر آخرون أنه نوع من ممارسة الذكاء على القاريء في سابقة تدل على المرح و الضحك , و كنت سوف أميل للرأي الأخير لو كان الكاتب قد أصدر كتابيه الفارغين في اليوم الأول من شهر أبريل ! في حقيقة الأمر فقد أخذ الكاتب تركي الدخيل هذه الفكرة من البروفيسور شريدان سيموف الذي الف كتابا بعنوان ( الأمور التي تشغل تفكير كل رجل .. إلى جانب التفكير في الجنس ) , و كانت أوراق الكتاب ذي المئتين صفحة كلها فارغة ! و رغم ذلك كان كتابه الأكثر مبيعا في بريطانيا حتى فاق في ذلك كتابي ( شيفرة دافنشي ) و الجزء الأخير من ( هاري بوتر ) و بيع بسعر 4.7 للنسخة ! الكاتب تركي الدخيل و بعد أن أحس بالهجوم الذي يتعرض له , قام بالتبرع بكتابيه إلى الجمعيات الخيرية , كما سمعت .
رغم كثرة دور النشر التي إشتركت في المعرض , وجدت أن هنالك دارا واحدة قد إشتركت من السودان , و هي مركز قاسم لخدمات المكتبات و هو مركز لتوزيع و طباعة و نشر الكتب و المجلات ووكيل لكبرى دور النشر العربية و الأجنبية و الجامعات و مراكز البحوث السودانية و العربية , كما هو مكتوب في الأوراق الخاصة به , و قد شارك البروفيسور قاسم عثمان نور أستاذ علوم المكتبات بالجامعات السودانية و مدير و مؤسس المركز بالحضور و التواجد في موقع المركز أثناء ايام المعرض . لقد وجدت كتابين لي ضمن الكتب المعروضة و هما ( شتات يا فردة ) و ( القيام بالدفرة ) و هما عبارة عن ذكريات و مواقف طريفة كما هو واضح من إسمي الكتابين , و عندما علم البروفيسور بذلك زاد في حفاوته بي و تواعدنا على اللقاء في السودان في إجازتي القادمة إن شاء الله . أثناء تحدثي مع بروفيسور قاسم علمت أن مبيعاتهم من الكتب جيدة جدا , نسبة لكثرة عدد المغتربين السودانيين في المملكة العربية السعودية , و أيضا نسبة لإقبال السعوديين على إقتناء الكتب السودانية , خاصة و أن نوعية الكتب كانت جيدة الإختيار و تحفز على الشراء , و رغم ذلك ارى دارا واحدة مشتركة من السودان , بجانب عشرات الدور من لبنان و مصر !
نعود إلى موضوع الكتب الفارغة , تخيلوا إذا إشترى أحد الأشخاص كتابا من ذلك النوع دون أن يدري بأنه فارغ , و لم يقم بتصفحه بل إكتفى بقراءة عنوانه الذي أعجبه , و بعد ذهابه إلى بيته هيأ نفسه لقراءته , و لكن لهوله وجد أوراقه كلها فارغة ! ماذا تتوقعون أن يكون رد فعل ذلك الشخص ؟ حتما سوف يظن أن السبب خطأ في الطباعة و سوف يعود إن إستطاع إلى حيث إشتراه كي يستبدله بآخر مطبوع , و لكن سوف يرتفع حاجباه من الدهشة حين يقال له أن ليس هنالك خطأ مطبعي و أن الكتاب هو هكذا , ولن يستطيع إرجاعه بعد أن فض بكارته ! هنا قطعا سوف يحس ذلك الشخص أنه قد ( ُضحك ) عليه مع سبق الإصرار و الترصد ! حتى و لو إستهوته الفكرة فسوف يظل يتقافذ في داخله الشعور بالإنخداع ! و سوف يحتفظ بالكتاب و يعرضه على معارفه كنوع من الغش المبتكر . أما إذا كان ذلك الشخص كبسوري النزعة ( نسبة إلى شخصية كبسور العكليت التي إبتكرها الممثل د. فيصل ) فسوف يصل بالأمر إلى القضاء , و لكن كيف تكون وجهة النظر القانونية هنا ؟ من الواضح أنه لن تكون هنالك وجهة نظر واحدة و إنما وجهات نظر حسب الزوايا التي ينظر منها لهذا الموضوع !
من هنا أتتني فكرة الدعوة لتكوين جمعية لحماية القاريء , على غرار جمعية حماية المستهلك النشطة عندنا في حماية الناس من الأطعمة الفاسدة و المنتهية الصلاحية و من طمع التجار برفع أسعارها . إننا نحتاج إلى ( شلقامي ) آخر لينبري لحماية القراء من الكلمات الفاسدة و التعابير المنتهية أخلاقيا و الكتابات المغشوشة و الكتب الفارغة و من اللغة السوقية التي صارت تنتقل إلى التقارير الإخبارية و التحليلية و إلى الصحف . ما ذنب القراء أن يصيب أعينهم الحول من قراءة تلك الأدبيات الهدامة ؟
إذا فكر أحد كتابنا في تقليد فكرة الكتابين الفارغين فإنني اقترح عليه في حالة كتاب تركي الدخيل الأول أن يكون عنوان كتابه : ( كيف يصير الكاتب المرموق محتالا ؟ ) , أما في حالة كتاب تركي الدخيل الثاني فإنني أقترح عليه أن يضع إسم رئيسه المستهدف مكان القذافي ثم بدلا أن يترك الصفحات الداخلية فارغة عليه ان يملأها بعلامات ( الضرب ) و ( الطرح ) و ( القسمة ) ثم يلطخها بالبقع الحمراء , و أنا أضمن له أن كتابه سوف يكون معبرا عما في عقل ذلك الرئيس غاية التعبير !

تعليق واحد

  1. دا كلام تمام يا دكتور وكمان تحمونا من السموم البكتب فيها المدعو ((الكاتب ))عثمان ميرغني

    تخريمة:
    الاخ القاسمي عيد المقال تاني ح تفهم وربنا يبعد عنك وعننا الجلاطات

    تضامن جبرا:
    اخيار خط هيثرو شنو ؟؟

  2. الحقيقة هي أنه لا يوجد كتابين فارغين فيما ذكرت بل يوجد أربعة كتب فارغة إن إضفنا إليها كتابي (شتات يا فردة) و (القيام بالدفرة). رغم عدم قراءتي للكتابين السودانيين إلا أنهما يصبان في خانة الاسطوانة السودانية المكرورة في المحافل الدولية حيث لا نعرف غير عرض احتفالية (الطهور والحناء والدلكة والخمرة وسيرة العريس)، وها نحن نعرض للخارج ثقافة (القيام سداري والقيام دفرة وشتات يافردة وشمار يا مان). أي انحطاط هذا؟ إذا قابلت ذلك الناشر خلال إجازتك القادمة فقل له أن هناك قارئ اسمه أحمد عبد الباري قال ليك: (شرطتا عينا).

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..