حكاية اغتصاب معلن!

بقلم:
*(من عجز عن إصلاح نفسه،
كيف يكون مصلحاً لغيره؟)..
-جمال الدين الأفغاني-
.. اتفق المؤرخون على أنّ العجلة هي أهم اختراع علمي بشري، ولعلّ الصندوق الانتخابي السحري المعاصر لا يقلّ عنه أهمية، فقد خفّف الصراع البشري الدموي على السلطة، وحولّه من المغالبة بالسيف إلى المصاولة بالصوت والغزل: يضع الإنسان فيه ورقة ، فيصنع بصوته رئيساً، يرمز للبلاد.
يستطيع المواطن ، بعد تنظيم صوته في أحزاب وعمليات سياسية مركبة، أن يقول مثل مخرج سينمائي: أنا جعلت من هذا المواطن ملكاً نجماً رئيساً .سحرٌ أن يتحول مواطن كيني أسود وافد إلى رئيس أقوى دولة في العالم ! هذا يشبه الحكايات الشعبية؟
الظروف والعمليات المعقدة التي أحاطت بتولية أوباما مركبة ومعقدة، لكنها وقعت وحصلت في منافسة رئيس أبيض انجلوساكسوني ! قد يرتكب المنتخب “حادثاً” و يخطىء في اختيار رئيسه، لكنه قادر على تصحيح الخطأ بأربع سنوات فقط. وبما أنّ المواطن قد اختار رئيسه فمن حقه نقده، وسبّه، لأنه من عمل يده. كل أربع سنوات يحكّ علاء الدين “مصباحه السحري الانتخابي” فيخرج منه مارد سبق أن وعده وعوداً كثيرة، ليس ثلاثة فقط كما في حكاية مارد القمقم. إن لم ينفذها سيعيده إلى الأرض .
لم يكن سودانيٌ يحلم بأن يصبح رئيساً، الحلم بالرئاسة كان جريمة يعاقب عليها القانون “السري” والعرف السياسي العسسي الباطني، الحلم أصبح لوحة تلفزيونية ساخرة. وهي بالأصل نكتة شهيرة. الحلم بالطيران مسموح لكن بالرئاسة خط أحمر دام.
يقول علماء السياسة أنّ الديمقراطية ليست عداً للأصوات، يعني؛ قد يجري عدٌ صحيح للأصوات التي أستأمنها الصندوق ، بحضور مندوبين من أوروبا “راعية الديمقراطية”، وحكمها في الساحة وخطي التماس.
لكن السباق قد يكون ملفقاً ، بين مرشحين غير صحيحين. مثل أن تجري عملية قيصرية صحيحة وناجحة لعذراء، أو لرجل مصاب بالبروستاتا! في السودان لن يحظى منافسو الرئيس “الحتمي” على فضيلة السباق مع الرئيس، سيقال لهما في الأقبية : يكفيكما فخراً، دخول التاريخ منافساً للرئيس الرمز! المرشح السابق للرئاسة لقب و”منصب” فخري ايضا.
في الممالك العربية المجاورة للسودان؛ الرعية معفاة من ضريبة طابور الانتخاب، أو ذلّ الانتخاب بالإكراه، فالصندوق لم يكن في السنوات الأربعين الماضية أداة تزوير لصوت المواطن وحسب، ولا حتى آلة تزوير إرادة المواطن، وإنما كانت أداة اختيار لقياس خضوع الرعية سياسياً، الغرفة السوداء لا يجرؤ على دخولها سوى الرئيس أمام الكاميرا ثم يخرج باسماً ملوحاً للكاميرا على الحرية الكاملة في اختيار نفسه. وهكذا يصبح الصندوق أيضاً سلاح ذو حدين! أنه العرس الديمقراطي لزواج الرئيس من.. الأمة الثكلى العاقر.
الاستبداد ليس حكراً على أمة أو طائفة، فثمت فرق إسلامية سلفية، ناشزة، تكفّر الديمقراطيين، لكن الطوائف غير السنية، كلها، تؤمن بالسلالة والخلافة العائلية، والوراثة الدموية المقدسة للدين والملك معاً. ويتعدى الأمر إلى كرسي رئيس النقابة ورئيس اتحاد العلماء، ومجلس القضاء وعمادة الجامعة.، والبرلمان، والإدارة المحلية .
لا أعتقد أنّ فترة مرت على الأرض العربية، السودان والعراق وليبيا بخاصة، أكثر استبداداً من النصف الأخير من القرن العشرين، وأظنّ أنّ الأرض كانت ديمقراطية عبر التاريخ الإسلامي، فقد حكم فيها الإخشيديون السود قبل أن يحكم أوباما أمريكا، وساد فيها المماليك الشركس والأيوبيون الكرد والسلاجقة والترك والديلم، الشرط الأهم كان الإسلام. وكانت مكة في أيام الجاهلية ديمقراطية “لقاح” لا تخضع لملك، فكل سيد لها ينادى، “بسيد هذا الوادي”، ثم أتى الإسلام ، فحكمت النبوة، وتلتها ديمقراطية المسجد بين المسلمين برفع الأيدي في سقيفة بني ساعدة، ثم تلتها وصية شورى الستة تولى فيها أول خليفة باستفتاء عام “شفوي” للمسلمين، بعد أن جرى استفتاء رجال المدينة ونسائها، حتى العواتق منهن.
ثم تحولت إلى ملك كسروي عضوض بقي فيه القضاء و المجتمع المدني حياً، حتى منتصف القرن العشرين. فقد غلبت خبرة ودهاء بني أمية المدنية تقوى وزهد علي بن أبي طالب الديني، ويعتقد مؤرخون معاصرون لقبوا عمر البشير بمعاوية بن أبي طالب أنه انتقم من معاوية الذي بنى سلطاناً عظيماً.. فدمره!
إجراء انتخابات ديمقراطية في مصر والسودان، صعب بعد الربيع المنكوب، بدليل أن الانقلاب المصري استطاع ابتلاع خمسة استحقاقات رئاسية “بحساء” الدم، فما أخذ بالقوة، لا يؤخد إلا بالقوة، وأدوات التزوير كثيرة، أدناها الترغيب والترهيب وأوسطها الدعاية الجبارة ، وأمكرها ازدراء الخصم وتبهيته وتشويهيه. أما في الغرب والتلفزيونات العربية التي تعيش عالما اغترابياً تبني في استديوهاته حياة تعويضة فالانتخابات لا تتوقف، وهي انتخابات رابحة مالياً، من خلال الاتصالات التي تصنع ” آلهة” حمقاء من مراهقين ومراهقات بعد حقنهم بفياغرا الأضواء الصناعية، يمكن أن يستخدمها المستبد الأكبر، لخطف الأعين والقلوب.
يومياً؛ تعكف مؤسسات غربية على إجراء استفتاءات شاملة واستطلاعات رأي ، يختار فيها “الضحية” عجائب الدنيا السبع الجديدة، التي لم تكن الأهرامات من بينها في المرة الأخيرة، والنجم الأكثر إثارة، وتشرف أجهزة عملاقة على اختيار أفضل الروايات وأكثرها شهرة، وليس أكثرها قراءة، أو إبداعاً، وأكثر النساء إثارة قد تكون عادية مسحاء نحيلة مصابة بفقر الدم مثل بنلوبي كروز، وتعلو مطربة مثل روبي الى جبال الاولمب العربية فتصير قبلة الذكور العرب، ثم تختفي مثل غيمة صيف لأن الدورة الانتخابية النجومية وجدت غيرها. فالدورة الانتخابية لا تتوقف، الاستطلاعات و”الانتخابات” غير السياسية تصنع آلهة، لا يمكن أكلها كما كان إله أبو جهل..
العرس الانتخابي: الدعوة خاصة لمن هم “+1000” سنة، العنوان قاعة جبل “آلموت”، وبحضوركم تزداد آلامنا . ودامت الأنقاض والمخابرات في دياركم زاهرة. توزع جوالات السكر والتمر بعد “المحفل”.
[email][email protected][/email]
– – – – – – – – – – – – – – – – –
الله ناصر الحق وكل دور اذا ما تم ينقلب
زميلنا وحبيبنا نائل اليعقوبابي: ينتهي مقاله ولا تنتهي أوجاع القارئ ولا دموعه ولا احساسه بمأساة ما ارتكبه الطغاة في تاريخ البشرية.
وهو صاحب الإصدارات الأدبية البديعة.
وهو وافر العطاء ويتمتع بموهبة واعدة.