هل ينجح البعث في انتزاع مزيد من الحريات ويوسع دائرة نشاطه الشعبوي؟

الخرطوم – محمد الخاتم

كانوا أربعة شبان، ملامحهم خليط ما بين التحدي والحذر، كانت نظراتهم موزعة على الاتجاهات الأربعة في موقف جاكسون قبل أن يطمئنوا لركوب “بص الوالي” وظهورهم مثقلة بحقائب قماشية محشوة بحزم من الأوراق.. تحرك البص وقبل أن يبدأ الكمساري في تحصيل قيمة التذكرة، كان ثلاثة منهم يسابقونه لتوزيع أوراقهم على الركاب، بينما علا صوت الرابع مجللاً بدعوة مستمعيه إلى “إسقاط النظام”، تماماً كما تحضهم على ذلك الأوراق المبعثرة التي يصطلح عليها سياسياً بأنها “منشورات”.. كان المشهد مجتزئاً من عملية “الحوار مع الشعب” التي جعلها حزب البعث العربي مقابلاً لدعوة الحوار التي أطلقها الحزب الحاكم وانتهت بعض فصولها في المحاكم بتهمة “الإزعاج العام” الذي يمارسه كوادر الحزب.

عندما قرر الرئيس البشير قبل أسابيع السماح لأحزاب المعارضة ممارسة نشاطها بحرية في كل ولايات البلاد، افترع حزب البعث طريقاً مغياراً للطريق الكلاسيكي المؤدي إلى الميادين العامة وندواتها السياسية، بل قرر الذهاب إلى الجماهير في أماكنها بتوزيع كوادره على رقع التجمعات في أسواق الأحياء الشعبية ومواقف المركبات العامة وعند مداخل الجسور الرابطة بين مدن العاصمة الثلاث لتوزيع المنشورات والملصقات وعقد مخاطبات لا تتجاوز ثلث الساعة لإيصال رسالة الحزب المناوئة للنظام.

ولم يقتصر نشاط الحزب على الجوانب السياسية فقط، بل امتدت حملته التي جعل عنوانها: “أعرف حقك.. حدد دورك.. شارك فى التغيير” إلى الجوانب الخدمية، وكوادره ينظمون حملة لإصحاح البيئة في جنوب الخرطوم، ما ترتب عليه تأثير أقوى لدى الجماهير من التأثير الذي صنعته بقية أحزاب المعارضة التي اختارت الطريق القديم المؤدي إلى ميادين الليالي السياسية.

وبالطبع كانت الحملة مزعجة للحزب الحاكم، لكنه لم يكن في مقدوره أن يتخذ أي إجراءات أمنية استثنائية مثل اعتقال كوادر البعث، لأن الخطوة تعني أول ما تعني مصداقية المعارضة وهي تكذِّب دعوته للحوار، لذلك شرع في “عقد محاكمات سياسية” ضد كوادر الحزب، كما يقول وجدي صالح أحد قادته مستشهداً بالحكم على ثلاثة من شبابهم نهاية أبريل الماضي بالجلد والغرامة المالية بناءً على المادتين 77 المتعلقة بالإزعاج العام و69 المتعلقة بالإخلال بالسلامة العامة والطمأنينة بسبب تنظيمهم مخاطبة جماهيرية في المحطة الوسطى بحري.

وبالأمس أجلت محكمة الخرطوم شمال محاكمة 2 من كوادر الحزب متهمين بذات المادتين إلى الثالث من يونيو المقبل لغياب الشاكي طبقاً لما أشار إليه صالح الذي نبه أيضاً إلى أن ثلاثة آخرين من عضويتهم دونت ضدهم بلاغات في نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة ولم يحولوا إلى المحكمة حتى الآن. وبقناعة مطلقة يقول وجدي لـ(اليوم التالي): “أين الإزعاج في حمل شباب للافتات أو توزيعهم منشورات في الشوارع.. هؤلاء كوادر حزب سياسي وهذا حقهم الدستوري ولا تنطبق على فعلهم أي من المادتين؟”.

ويبدو الحزب مسروراً بحملته ومصمم على المضي فيها بعلاقة طردية مع المحاكمات لأنها أكثر تأثيراً، لكن دون أن يمنعه ذلك من تنظيم أنشطة بالتزامن في الميادين العامة. حيث يرتب الآن لتنظيم ندوة في ميدان الموردة الأربعاء المقبل، يصفها صالح بأنها “مركزية” يذهبون بعدها إلى الحواري غير عابئين بما نعته “تنصل المؤتمر الوطني عن الحريات وسعيه لتقليص الهامش المنتزع منها”.. فهل ينجح البعث في انتزاع مزيد من الحريات وتوسيع دائرة نشاطه الشعبوي.. وهل سيترك له الحزب الحاكم التمتع بالهامش الذي تبرع به للمعارضة خصوصاً مع تمسك خصمه برفض دعوة الحوار وتكريس نشاطه لتعريتها مع الوضع في الحسبان الملاحقة القضائية لكوادره خلافاً لبقية الأحزاب.. ما يعني السخط الحكومي عليه بوقع أشد من غيره

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. رغم إختلافي في كثير من القضايا مع البعثيين إلاّ إنني أقول بكل أمانة أن دورهم الوطني ملحوظ وبارز وانهم شجعان وواعين لذا فهم يتحركون في الشارع ووسط الجماهير مباشرة، وأثناء فترة الطاغية المخلوع نميري كان دورهم حيوياًوواضحاً أيضاً،في رأيي الخاص أن حزب البعث مظلوم

  2. هو ناس البعث البتبجحوا بي الحرية وبنادو بيها ديل يفترض اخر من يتحدثوا في الحاجة دي لأنهم أكتر حزب شمولي وقمعي، ومثال سوريا والعراق أكبر شاهدين
    قوموا بلا فارغه معاكم انتو قايلين في راسنا في كيس جيلاني فاضي

  3. أوافق المعلق “المصباح” أعلاه .. رغم أن فكر حزب البعث غير مهضوم لدى الناس .. لكن شبابهم ديل ما شاء الله منتهى الشجاعة والثبات .. بيقيفوا وبقولوا رايهم في نص السوق وفي مواقف المواصلات وغيرها من التجمعات .. صحيح أنو الأحزاب لا ينبغي أن تقاس عند الناس بعدد العضوية ولكن أولا بالثبات على المبدأ وقبول التضحية وهذا ما يفعله شباب البعث في وقت انكسار الكبار الذين تقبلوا رشاوى الانقاذ من أموال ومناصب بصدر رحب و”جيوب مفتوحة” .. تحية لكم أيها الشباب الشجعان ولو من الضفة الأخرى لمذهبكم السياسي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..