مقالات وآراء سياسية

إقتصاد لصوص..!

عثمان شبونة

إقتصاد لصوص..!
عثمان شبونة
* لا حكومة في السودان تتعظ من سابقتها.. لا عسكرية ولا مدنية..! تتعاقب السنوات من فاشل إلى أفشل.. ومن عبث الأقدار أنك لا تجد حاكماً (وطنياً) أنجز لبنة لحكم راشد؛ على الأقل عبر (وريقات دستور) كان يمكن أن يقي البلاد من شر المتعاقبين على الكراسي؛ المتماثلين في المصائر؛ كتماثلهم في خراب الضمائر.. كل متسلِّط يشرِّع وِفق مقتضيات وجوده وكأنه في ظرف (نزوة) خاصة وليس ظرف مسؤولية جسيمة تتعلق بمستقبل وأجيال.. حتى ما ورثه الحكام من حسن الإدارة والنظام في أيام المستعمر؛ تلاشى بضربات الإهمال واللا مبالاة وضيق الأفق وسوء النوايا.. ورغم ما للمستعمرين من غلظة في مشاعر الشعوب؛ إلا أنهم يظلوا أصحاب فضل مرئي في بلادنا.. هذا الفضل ملموس وشامخ بمشاريع ونُظُم حققوها؛ كانت بمثابة فتح لأهل البلاد؛ ثم تلاشت جلائل هؤلاء الأسلاف على أيدي حكامنا الأجلاف؛ ممن لم يطوروا دستوراً أو تعليماً أو إقتصاداً أو مشروعاً (كذاك الممدد منذ سنين في الجزيرة بين الحياة والموت) أو كتلك الموروثات الإقتصادية والثقافية التي قضت عليها سنين (الإستعمار) الثلاثين من حكم الإخوان المتأسلمين الفسدة.. أما الباقي من الوهج القليل في هذا الوطن فإن (الجنجويد) كفيلين بإطفائه وهم يتربعون اليوم على هرم (إقتصاد اللصوص)! يغشون أنفسهم بالسيادة من غير استحقاق أو تأهيل؛ ينعشون (التضخم) وسوق الدولار الأسود؛ ولا يهمهم أن يدخل الوطن كله غرفة الإنعاش؛ أملاً منهم في طول زمن الغيبوبة؛ وآماد الدورة الخبيثة للتسلط المصحوب بالنهب والتجويع وسفك الدماء.. وسيّان هما: (المُتسلِّط الذي تخرّج من الكلية الحربية أو القادم من الخلاء)! كلاهما يستثمر في صبر الشعب وأوجاعه التي آن الأوان لتصبح حريقاً يقضي على هؤلاء السفلة..!
* إقتصاد اللصوص؛ ليس مصطلحاً مشاعاً؛ كما أنه ليس تعبيراً مُستغرَباً على الحالة السودانية الراهنة؛ إنما هو تكييف عفوي لواقع مصنوع مستمر بتشابه السلطات الحاكمة للسودان منذ عقود وحتى الآن؛ حيث يتسيّد (البوم) والغربان..!
(2)
* إقتصاد اللصوص؛ يكون بموجبه الجالس في قصر السلطة أو القريب منه؛ هو المستثمر والمُضارِب ورجل الأعمال والمُنافِس في السوقين (الأسود والأبيض)! وهو الحرامي الذي لا يخشى في القانون لومة لائم؛ لأنه مطمئن بأن القانون في جمهورية الموز العسكرية السودانية ــ بالنسبة للطبقة الطفيلية الحاكمة ــ ينبغي أن يحمل بعض روح ذلك القانون الساكسوني المعروف! أو يكون مثيلاً للنص البديع في فيلم طيور الظلام: (القانون زى ما بيحمي الحق بيحمي الباطل؛ ونحن ناس الباطل بتاعهم لازم يكون قانوني)!
* إقتصاد اللصوص؛ هو اقتصاد الشركات الأمنية غير القابلة للدخول والتفتيش والمراجعة.. وقد كانت استثمارات هذه الشركات في زمن البشير والمتأسلمين الفجَرة موجهة لشراء كل ما يفتك بالشعب من ذخائر وغازات؛ كما هي مسخَّرة للتجويع والترويع وطائرات الإبادة المخصصة لدارفور ومناطق جبال النوبة وغيرها؛ في مهمات قذرة يتولاها ضباط بكامل قواهم العقلية (من أجل أن يربوا عيالهم ويبنوا الطوابق ويشتروا عفش)! فماذا عن الراهن؟!
* أكثر من (بشير) في الراهن يمارسون اليوم ذات الإستغلالية لمقدرات الشعب؛ لتعود تجارتهم بالنفع على شرذمة مرتزقة (ملقطين)؛ وتماسيح يستثمرون في الصحة والخبز والوقود والدواء على حساب الملايين! فحين تعدم البلاد من القوات المُهابة (المحترمة) ورجال العدالة الوطنيين (الصم)؛ يتسيد المال المنهوب في المشهد ويركب أي سفاح على ظهر الشعب ليمارس التجارة كيفما اتفق (بالدِّين؛ بالعجين؛ بكل شيء) يشتري بالمال ما يحلو له؛ عدا الضمير والصحة والعمر وقلوب الأحرار..! يمكن أن يضم اللص المتسلِّط لقطيعِه آلاف الساقطين والساقطات ليزينوه في أبهى صفات (الإنسانية) ويلمِّعوه تلميع من لا يخشى صدأ الأزمان والأفعال..!
* ومن نافلة القول؛ إن هذا الإرث الخائب في الإقتصاد السوداني ليس جديداً؛ لكنه تطور للأمام بالسوء والسفه السياسي بعد تحول ملعب (الصرف الملياري) لمجاهدين كذبة ودفاع شعبي وكتائب ظل ثم جنجويد.. فقبل ما يزيد عن 40 سنة كان أحد كبار السودان يتحدث عن عورات وفجوات اقتصادنا مابين الإنتاج والتضخم والديون وكرامة الشعب: (نحن نذهب إلى العالم الخارجي ونطلب العون.. من أين يأتينا العون؟ هذا العون يأتي لنا من عمل الشعوب التي تعيننا.. كيف نرضى لأنفسنا أن نأخذ من موفورات الشعوب ونحن لا نوفر؟ بل نحن نستدين كل يوم ونشحد كل يوم.. الخ). هذا مختصر من حديث طيب الذكر الشريف حسين الهندي رحمه الله؛ فقد لمس الجرح باكراً حين ربط التدهور الإقتصادي ربطاً منطقياً بفساد الأخلاق..! وهو ما يحدث اليوم بالضبط. لكن.. ليس وباء الإقتصاد أخلاقيات اللصوص الحاكمين فحسب؛ بل الداهية الكبرى الشنيعة تأتي بسقوط دولة القانون في الجيوب.. أو.. تحت رحمة المجنزرات العسكرية..!
(3)
* ليس من المعقول ــ رغم مرور العقود ــ ألا تنتهي من سوداننا دورات المتنفذين اللصوص (أراضي ــ بترول ــ ذهب.. الخ) بعد سلسلة ثورات توحدت غايتها ببساطة في (تحسين ظروف الحياة).. لقد كانت بعض الأحزاب فاتحة إستغلال كبير للأمة بإنتهازية (مومياتها) والتي ماتزال ماثلة إلى الآن في بيوت لا يذكر فيها اسم الشعب إلّا ابتغاء لغنيمة..! وذات ليلة كنا (شخصي والزميل الطاهر ساتي) على مقربة من أحد ولاة زمن المشؤومة (الحركة الإسلاموية) تحدث الوالي مساوماً ذلك الصنم الحزبي.. فكانت من شروط الأخير للجلوس والتفاوض أن تعيد له الحكومة 30 فداناً أخذتها منه..!! في ذلك الليل كان 30 مليون سوداني ينتظرون صباحاً ثورياً يعتقهم من كابوس وبؤس (الحركة) والشخصيات الحزبية الشريكة لها والتي لا تقل عنها دناءة..! تصوروا لو وجد الشعب السوداني ــ قديماً ــ نصف الإهتمام الذي كان يوليه لصوص الأحزاب المُهندمين لبيوتهم وجنائنهم وأولادهم ونزواتهم الخاصة.. كيف يكون الحال؟! بنفس السِمات ــ أثناء كتابة هذه السطور ــ يقفز للدماغ (ضباط الخلاء) المسيطرين على مفاصل حيوية في البلاد؛ وسيرهم على خطى المستهبلين القدامى بينما نحن في العام 2020 م..! إنهم على نهج إنتهازي لا يقل ضراوة عن شراهة الذين سبقوا..! فمن يتصدى لحفرة الإقتصاد السوداني العميقة إذا كان الخبراء عسكر وجنجويد بلا أفق؛ بينما الخبراء الحقيقيين بالعشرات؟! من يتصدى للتخريب الإقتصادي ــ الأخلاقي الممتد؛ ويد القوى المدنية (بحمدوكها) ممسوكة بسطوة القتلة والفاسدين..؟! إن الحاكم الفاسد (الواحد) يُعدِي الوزارات والبنوك والهيئات والأفراد بفساده؛ فيكون الضحية (وطن).
* هل سننتظر طويلاً بالفرجة على أفراد مليشيا (كيزانية) تغرف الباقي من كنوز البلاد وتعمِّق حفرة المعاناة بأطماعها؟! فكلما مرّ الوقت كسبت هذه (الجيفة المليشاوية الأسرية) قلة من الطامعين في العطايا.. وقيل في الأمثال: جيفة واحدة تكفي لجميع الغربان..!
أعوذ بالله
ــــــــ
المواكب ــ الخميس؛ السبت؛ الأحد.

 

عثمان شبونة

 

‫2 تعليقات

  1. والله يا شبونة أنت تكتب بحس وطني رفيع … ربنا يحفظك وأنت فصلت المشكلة الأساس وخلاصنا منها هو خلاصنا من شخصيات بعينها لا ترى إلا مصلحة نفسها خصما على الجوعى والمساكين. والأخطر هو تناميها وشرعنتها بواسطة النفعية والكلاب من الصحافيين وأساتذة الجامعات والسياسيين وكل النفعيين بمختلف أشكالهم. يا شبونة بارك الله فيك وكتابتك بمثابة رصاص في صدر ضباط الخلاء وضباط الكلية الحربية الإستغلاليين جبناء في الحروب أشداء على المواطنين العزل من السلاح….

  2. # لقد أصبت كبد الحقيقة اخي شبونة…فلا يمكن أن يستقيم الظل والعود أعوج!!! فالوضع الراهن والذي تسيطر فيه مليشيات العسكر والجنجويد علي اقتصاد البلاد.. بمعاونة حمدوك وشلته لابد من مقاومته بكل الطرق المشروعة لانه امتداد للرأسمالية الطفيلية!!!
    # لإصلاح الوضع لابد من خطوات عملية…تتمثل في الاتي:-
    ١- قيام المجلس التشريع..وسن القوانين الرادعة…واولها قانون من اين لك هذا…ومسالة كل القيادات المليشاوبة بدءا من البرهان وحميدتي..وحتي آخر جندي…مع الزام كل المسؤلين في الدولة وخاصة في المجلس السيادي..ومجلس الوزراء بتعبئة إقرار الذمة…ونشره في الجريدة الرسمية للدولة..ليعلم الشعب كل الحقيقة عن من بحكمونه!!!
    ٢- قيام كل المفوضيات ..السلام ..ومحاربة الفساد..والقضائية..الخ واسنادها للاكفأ المستقلين ذو الخبرات والقدرات.
    ٣- فتح الوثيقة الدستورية واكمال كل النواقص التي ظهرت من خلال الممارسة العملية خلال الفترة السابقة.
    ٤- قيام المؤتمر الدستوري…لتحديد كيف يحكم السودان.
    ٥- عقد مؤتمر شامل للسلام لكل الحركات الموقعة وغير الموقعة..لوضع معالجة شاملة لجذور ازمة الحروب.
    ٦- إعادة هيكلة كل القوات وعلي رأسها الدعم السريع فورا..وإعادة الدمج والتعبن بناء علي شروط المؤهلات العلمية والخبرة…(ما في تاني رتبة وظيفية عليا للفاقد التربوي)…يعني بالعربي الواضح ما في غتغتة ودس.. .ولكل بالشروط والمؤهلات واللوائح…(يعني بالغانون)!!
    ٧- عدم تغير مدة الفترة الانتقالية..وتركها كما هي في الوثيقة (٣٩ شهر فقط)…والتحضير للانتخابات القادمة.
    # اتمني للجميع المساهمة بالاقتراحات للمحافظة علي التورة من السرقة…ؤذلك من خلال ضغط الشارع مو بواسطة النقابات ولجان المقاومة…ومنتصرين باذن الله تعالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..