حُكم البانجو!

منعم سليمان
ما بال القوم في بورتسودان؟ كأنّ المدينة قد نُزع عنها العقل، فتحوّلت إلى مصحّة عقلية مفتوحة على مصراعيها، أو إلى وكرٍ يتناوب فيه معتوهُو السلطة على استنشاق “البانجو” وتوقيع العبث!
من كبيرهم، عرّاب الدمية المضحكة، إلى كيزانهم الذين احتكروا، بنهمهم المعهود، كلّ دُمى السوق السياسي الرديء؛ جميعهم يتصرّفون كما لو أنّ عقولهم تسكنها مسّاتُ جنونٍ لا يعالجها أطباء الإنس، ولا تدركها شياطين الجن!
قرأتُ بالأمس خبرًا يصلح أن يُدرّس كنموذجٍ لمسرح العبث، يقول نصّه: حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، يُكلّف والي وسط دارفور، مصطفى تمبور، بإدارة شؤون الإقليم مؤقّتًا، بسبب سفره في مهمّة رسمية خارج البلاد!
الخبر، في ظاهره، يبدو كأيّ خبرٍ مملّ، لا يُثير الدهشة، ولا يستحق الوقوف، غير أنّه ما إن تقع عليه عينٌ سودانية، ولو كانت عين طفلٍ ما زال يتعثّر في تهجئة حروف وطنه، حتى تتفجّر في داخله الأسئلة كالقنابل الصوتية: من الذي يحكم؟ وماذا يحكم؟ وأين يحكم؟ وكيف؟ ولماذا؟
إنها حكايةٌ هزلية حدّ الشفقة، أشبهُ بقصّة رجلٍ أعمى يبحث في غرفةٍ مظلمة عن قطةٍ سوداء .. غير موجودة أصلًا!
دارفور، يا سادة، بأضلاعها الخمسة، ترزح بكاملها تحت قبضة وحكم الدعم السريع، ومع ذلك ينبري رجلٌ يصف نفسه بـ”حاكم الإقليم”، ليُصدر قرارًا مترعًا بالوهم، يُكلّف فيه رفيقًا له في التيه العقلي والتشرّد الفعلي بإدارتها أثناء “غيابه”.. وهو الغائب عنها على الدوام. إذ إنّ كليهما يستوطنان بورتسودان، التي تفصلها عن دارفور مسافةٌ لا تقلّ فداحة عن المسافة التي تفصل عقليهما عن التّعقّل والاتزان!
إنّها كوميديا سوداء، يكتبها ساسة لا يُجيدون الكتابة، وتُنفّذها حكومة لا تُجيد التنفيذ، ويعيشها شعبٌ لم يعُد يضحك، لأنّه أدرك أن الضحك في حضرة الجنون إسرافٌ في الذوق، وتعدٍّ على سلامة العقل.
هؤلاء المخابيل لا يحكمون، بل يزاولون هوايةً سلطوية قديمة، أشبهَ بأطفالٍ يلعبون بالطين بعد المطر، يصنعون منه تماثيل صغيرة، ثم يهدمونها بأقدامهم، وهم يضحكون.. كأنّ الخراب إنجاز!
هل نضحك؟ هل نلطم ونبكي؟
أم نكتفي بالصمت، وننتظر أن يعود الحاكم من رحلته الخارجية… ليحكم الوهم؟
لستُ أدري!
نيصيبه بصله في أي مكان تمبور بياخد اجر المناولة