«بوليتكو»: هل هناك «دولة عميقة» في أمريكا ولِمَ هي مفيدة لترامب؟

إبراهيم درويش
لندن ?: طرح أنصار إدوارد سنودن الذي كشف عن أسرار وكالة الأمن القومي في تسريباته المعروفة مصطلح «الدولة العميقة» في الولايات المتحدة. وفي علم السياسة يُشير المصطلح للجماعة التي تقوم بالتصرف والتدخل في الشؤون السياسية بعيداً عن الحكومة المدنية. وفي هذا السياق ناقش مايكل كرولي في مجلة «بوليتكو» الفكرة التي دخلت الخطاب السياسي الأمريكي المحافظ في عام 2017 وبات أنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستخدمونها.
وأشار في بداية مقاله إلى ما جاء في كلمة لجون برينان، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) السابق في مؤتمر عقد منتصف تموز/ يوليو، وأن من واجب الجهاز التنفيذي «رفض تنفيذ» سياسات صارخة معادية للديمقراطية من الرئيس ترامب. وأثارت تصريحات برينان انتباه المعلّق الإذاعي راش لامبلو التي رأى فيها تهديداً للجمهورية الأمريكية وأن مدير الاستخبارات السابق «دعا من ناحية عملية للانقلاب». وحذر لامبلو من انقلاب تقوم به قوى «قابعة في البنتاغون والخارجية وعدد آخر من وكالات الاستخبارات». وتساءل الكاتب عما عناه من قوى مرفقة في هذه المؤسسات مشيراً إلى أن مصطلح الدولة العميقة أخذ مظهراً جديداً منذ عام ويعتمد استخدامه على طبيعة من يتحدثون عن ترامب.
مؤسسات أمنية غامضة
ومن السهل رفض فكرة الدولة العميقة من رئيس محبط لم يستطع التعامل مع نظام الحكم برغم مرور تسعة أشهر على دخوله البيت الأبيض. ويعلّق الكاتب أن الأمر ليس بهذه السهولة، فهناك مجموعة تعمل بشكل مستقل عن السلطة، لكن ليس بالطريقة التي يعتقدها ترامب ومن يعملون معه. ويرى الباحثون في علم السياسة وخبراء السياسة الخارجية أن الدولة العميقة هي مجموعة من الأفراد والمؤسسات التي تمارس السلطة بعيداً عن الإدارة المدنية المنتخبة.
واستخدم المصطلح في سياق الدول النامية مثل مصر والجزائر وباكستان وتركيا حيث يقوم الجنرالات ورجال المخابرات باتخاذ القرارات ويقومون باستبدال القادة المدنيين عندما يرون ذلك مناسباً. وفي حالة كل من مصر وتركيا فقد انتقلتا إلى حالة الدولة الأمنية التي أصبحت فيها الدولة العميقة هي الدولة الحقيقية. ويرى الكاتب أن من تحدثوا عن الدولة العميقة في الولايات المتحدة كانوا من اليسار لا من اليمين. وأدت هجمات 9/11 إلى ظهور مؤسسات أمنية غامضة تتصرف في الظل بعيداً عن المحاسبة. ففي بداية القرن الحالي ركز النقاد على «آلة الحرب» من العسكريين ورجال الاستخبارات والمتعهدين الأمنيين والأيديولوجيين من المحافظين الجدد الذين تلقوا تعليماتهم مباشرة من نائب الرئيس ديك تشيني. أمّا في عهد باراك أوباما فقد انحرف الانتباه إلى «القتل المستهدف» من خلال الطائرات من دون طيار، ومن ثم إلى المتعهد السابق في وكالة الأمن القومي، سنودن الذي كشف في عام 2013 عن حجم الرقابة التي تمارسها الحكومة على المواطنين. وفي مقابلة مع مجلة «نيشين» قال سنودن: «بالتأكيد هناك دولة عميقة.. ثق بي، فقد كنت هناك». وبدأ أكاديميون بوصف الدولة المزدوجة في الولايات المتحدة، ووصف مايكل جي غلينون من جامعة تافت في كتاب صدر عام 2014 النظام هذا وحمل كتابه عنوان «الأمن القومي والحكومة المزدوجة». ولاحظ غلينون أن أوباما انتقد نظام الرقابة في عهد جورج بوش إلا أنه كرئيس أذعن واقترح نظام أمن قومي يمارس تأثيرا في الرئيس المنتخب.
تجفيف المستنقع
وفي عهد ترامب، بعد كانون الثاني/ يناير بدت البيروقراطية التي تقوم بشد الخيوط، جماعة أقل شرّانية أكثر من كونها أداة رقابة على رئيس مصمم على تدميرها. فقد كان ترامب معاديًا للحكومة التي يديرها الآن، ولهذا بدأت مؤسساتها بالقتال وأحياناً بطرق علنية. وفعل رجال البيروقراطية هذا بطرق عدة منها تسريب أحاديث ترامب مع القادة الأجانب إلى التغريدات الغريبة من الحسابات الفدرالية مثل وكالة الحدائق الوطنية. وبالنسبة لترامب وحلفائه فقد أصبح الرئيس ضحية بيروقراطية مهددة بسياسة «تجفيف المستنقع» التي أعلن عنها في حملته الانتخابية. ففي آب/ أغسطس عندما حصلت «نيويورك تايمز» على تسريب من وكالة حماية المناخ حول التغييرات المناخية كتب «بريتبارت نيوز» صوت المحافظين عنوانا: «الدولة العميقة تتعاون مع الأخبار المزيفة».
وزاد من الذعر داخل التيار المحافظ تقريرا نشرته في تموز/ يوليو لجنة الأمن الداخلي التي يسيطر عليها الجمهوريون في الكونغرس ووجد أن إدارة ترامب قد عانت تسريبات على قاعدة يومية أكثر من أية إدارة سابقة لها. وبعد أن انتبه اليمين للتقرير كتب دونالد جي آر نجل ترامب تغريدة: «لو كان هناك تأكيد لوجود الدولة العميقة، غير القانونية التي تهدد الأمن القومي، فهذا هو الدليل».
ويتساءل الكاتب عن حدوث تغيير في الأدوار حيث بات المحافظون الذين قللوا من أهمية الدولة العميقة وإساءة وكالة الأمن القومي باستغلال سلطاتها يشتكون من التسريبات التي تربط الرئيس ومَن حوله بالكرملين. فيما وجد الليبراليون تقاربا مع رجال لانغلي من المخابرات الذين طالما اتهموهم بأنهم فوق المحاسبة، على أمل أن يقوموا بالكشف عن المخبأ من الأسرار القذرة وتقديم الرئيس للمحاكمة.
من دون شفافية
وبعيداً عن سياسة المصلحة فإن هناك قطاعات واسعة من الحكومة الأمريكية تعمل من دون شفافية أو رقابة عامة عليها وأساءت استخدام سلطاتها الواسعة بعدد من الطرق. وفي بعض الأحيان تقوم البيروقراطية بممارسة السلطة على حساب سلطة القائد الأعلى للقوات المسلحة. فقد اشتكى أوباما من الضغوط التي مارسها العسكريون عليه وطلبوا منه زيادة عدد القوات في أفغانستان أكثر مما كان يريد. وقادت مجموعة غير مجربة الأمن القومي في عهد جورج دبليو بوش وأقنعته بشن الحرب على العراق لأنها كانت ترغب دائما بإطاحة صدام حسين. ويقول الكاتب: إن حديث ترامب عن الدولة العميقة ربما كان مبالغاً وربما شعر أنصار هيلاري كلينتون بالرضا من كم المعلومات الصادر الذي يكشف عن أسرار الرئيس، إلّا أن برينان اعتبر التسريبات مثيرة للرهبة، وهي غير قانونية وقد تحدث لأي رئيس. وسواء عنى هذا وجود دولة عميقة في الولايات المتحدة، فإنه «يعتمد على تعريفك» فهناك بيروقراطية قوية لديها معرفة بأسرار الرئيس والدولة وأصدقاء أقوياء في الإعلام وبالتأكيد تحاول التأثير في الرئيس من الظل. ولكن في واشنطن هناك تعدد في الأصوات وهي على خلاف البيروقراطيات في الدول النامية، تنفذ أوامر الرئيس وإن لم تكن راغبة لكنها ملتزمة بالقانون.
ويقول: إن هدف التسريبات من الدوائر الفدرالية هو الدفاع عن نفسها ضد الخطط الحكومية لتخفيض ميزانياتها وليس كما يصفها المنظرون التآمريون في اليمين بأنها محاولة إجرامية. أو كما وصف المدون اليميني المتطرف مايك جيرونوفيتش في آب/ أغسطس عندما أخبر المستعمين لنظريات المؤامرة في برنامج أليكس جونز أن الدولة العميقة ستتحول لإجرامية و»سيقتل ترامب وسيقومون بقتلنا وسيقتلونه وسيقتلون كل واحد». وفي النهاية تخدم فكرة الدولة العميقة ترامب، فهي تسمح له بالجمع بين عدد من الأعداء الحقيقيين والمبالغ فيهم والمتخيلين في شرير واحد يستطيع من خلاله تعبئة أنصاره. ويلعب الإعلام دوراً مهماً، فعندما قام شين هانيتي من «فوكس نيوز» بكتابة تغريدة على الإنترتت في 16 حزيران/ يونيو وأنه سيفتتح برنامجه بنقاش حول «حلفاء الدولة العميقة في الإعلام»، قام رئيس الولايات المتحدة بنشر تغريدته.
«إندبندنت»: الروهينغا يقتلون ويحرقون? و«سوتشي الصامتة الآن لم تعد أيقونتي»
كتبت الروائية صوفيا أحمد في صحيفة «إندبندنت» معلقة على الموقف السلبي للزعيمة البورمية أنغ سان سوتشي من المذابح التي يتعرض لها مسلمو الروهينغا قائلة: «قبل سنوات عدة وقبل صدور كتاب «أسرار فتاة الحناء» طلب مني إعداد قائمة عن النساء اللاتي اتخذتهن نموذجاً لي كجزء من حملة دعاية وإعلان على فضاء مدونات التواصل الاجتماعي. ولأن روايتي كانت عن فتاة بريطانية تواجه بنفسها الأضداد وتنتصر في النهاية، اقترح علي ناشري ذكر النساء اللاتي كن بمثابة إلهام لي لكتابة قصة أدافع فيها عن حقوق الإنسان». وتضيف: إن التاريخ حافل بالنساء اللاتي وقفن ضد الاستبداد والأنظمة القمعية وانتصرن برغم عيشهن في مجتمعات أبوية. ولكن من هن النساء البطلات في الزمن الحديث اللاتي يجب وضعهن على القائمة مع أسماء مثل روزا بارك المعروفة «بالسيدة الأولى للحقوق المدنية»؟
وكانت أنغ سان سوتشي، المنافحة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدها بورما التي تعرف اليوم بميانمار. وحصلت سوتشي على جائزة نوبل للسلام عام 1991 لكفاحها السلمي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ضد النظام العسكري الحاكم في بلادها. وبالنسبة لي كانت هناك صلة شخصية بالزعيمة البورمية والتزامها بالديمقراطية، فـ «كبريطانية من أصول هندية فقد كبرت وأنا أسمع قصصاً عن أقاربي الذين خسروا معيشتهم وفروا من بورما بعد انقلاب 2 آذار/ مارس 1962 عندما حل الجيش محل الحكومة المدنية. ولم تكن عائلتي من الروهينغا الذين عاشوا قرونا أقلية في بورما ويتعرضون الآن للتطهير العرقي ولكن من الكوجرات الذين استقروا في بورما تجارا بتشجيع من الراج البريطاني حيث كانت بورما في حينه إقليماً من الهند البريطانية. وبالنسبة لي فقد كانت أنغ سان سوتشي بطلة لا تقاتل من أجل المستقبل بل لتحقيق العدالة لمن خسروا كل شيء وأصبحوا لاجئين في عام 1962 و 1963. واستقر الكثير من هؤلاء الأقارب لاحقاً في بريطانيا منتصف الستينيات وبدأوا حياتهم من جديد في مصانع القطن والصوف في يوركشاير ولانكشاير».
صمت «أيقونة الغرب»؟
ولهذا كانت الزعيمة البورمية تستحق موقعا على قائمة الروائية و»كيف لا وقد التزمت مبادئها وتحملت 15 عاما في السجن الإجباري. وكانت تجسيداً معاصراً لمانديلا ومارتن لوثر كينغ وغاندي كلهم في شخص واحد. وكانت محبوبة للمصورين في وجناتها المميزة والزهور التي تكلل شعرها. وأصبحت محبوبة الغرب الذي أطلق عليها لقب «السيدة» التي شعرنا برابطة معها لأنها درست الفلسفة والسياسة والاقتصاد في جامعة أوكسفورد وتزوجت أكاديمياً إنكليزياً و»بعبارات أخرى فقد كانت واحدة منا تقاتل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان هناك». وتشير الكاتبة لما قاله الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن «كل الرجال يتحملون الشدة ولكن إن أردت امتحان شخصيتهم فاعطهم السلطة». ويبدو كما تقول الكاتبة أن كلام لينكولن يصلح وصفاً حقيقياً على أنغ سان سوتشي ويلبسها مثل القفاز. ولخيبة الكثير ممن رأوا فيها قديسة معاصرة فوصولها إلى السلطة حطم كل ما كان في النهاية «وهما». وبعد فوز حزبها في الانتخابات عام 2015 وبدلاً من تخفيف العنف الممارس ضد الروهينغا فإنه زاد. ومنذ نهاية الأسبوع ذكرت تقارير الأمم المتحدة وشهود العيان أن عملية تطهير عرقي جارية في إقليم ركان. وكان رد سوتشي هو الصمت ورفض السماح للأمم المتحدة بالتحقيق، وكذا الإعلام العالمي الدخول لإقليم راكان حيث يذبح الروهينغا وتمنع عنهم المساعدات التي أرسلتها الأمم المتحدة.
ملالا: إشجبي العنف
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 87,000 هربوا إلى بنغلاديش ومن لم يستطع الهرب اختبأ في الغابات. فيما انتشرت تقارير عن حرق الجثث لإخفاء عمليات التطهير العرقي. ونظراً لتوسع دائرة العنف فإن حائزة أخرى على جائزة نوبل وهي ملالا أصدرت بياناً هذا الأسبوع طالبت فيه سوتشي بشجب العنف. و»على ما يبدو فإن سان سوتشي ليست أيقونة القرن الحادي والعشرين التي تخيلنا أنها هي». الشخصية التي تستحق أن تكون على قائمة النماذج الملهمة للعدالة التي تنسحب على الجميع. فصمتها يقترح أنها رغبت بتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان لأبناء جنسها وليس للروهينغا الذين تعتبرهم «آخر».
وتقول أحمد: إن هناك بعضاً من الذين يحاولون أن يجدوا لها الأعذار وحاولوا تفسير موقف أنغ سان سوتشي تجاه الروهينغا بأنه محايد. وكما قال باولو فيراري «إن تغسل يديك في النزاع بين القوي والضعيف يعني أنك تقف مع القوي لا تقف موقف المحايد». ومن هنا « فلا يمكن لسوتشي الزعم بأنها تقف موقف المحايد أمام إبادة الروهينغا. وكزعيمة لبلدها فهي متواطئة. ويشعر الكثير من دعاة حقوق الإنسان بحس الخيانة منها وأتخيل أن منهم باراك أوباما وغوردون براون اللذان مدحا كفاحها قبل وصولها إلى السلطة. وربما كانت خيانتها لمبدأ حقوق الإنسان للجميع السبب الذي دفعهما لعدم كتابة تغريدات يشجبان فيها الوضع. وأتخيل أنهما في حالة صدمة من الشخص الذي تحولت له ولم تعد لديهما كلمات للتعبير».
«القدس العربي»