*حديث الراحة ضد المحنة(2)2

*بالعربـــــــــــــي
*بقلم:محمد نصر الدين عثمان
[email][email protected][/email]
*حديث الراحة ضد المحنة(2)
هاء:
هبوط اضطراري على مدرجات أراضي الله الواسعة في بلدان المهجر والغربة والعزلة الطويلة بالمدن الكبيرة،بعد أن صغرت خريطة السودان و ضاقت بقاطنيها مساحة و أفق،قبل نهاية الرحلة،حيث البدايات المجهولة التي لا تنتهي بالمحطات والتصورات ولا تحسمها التوقعات و التفاؤلات،..خلال أشهر العام الذي ولَى،كانت الساحات الشبابية هي الأكثر للنار اتقاداً من سواها في سوداننا الجديد والبعيد،فقد عمدوا على تغيير الوجهة على عجل،أوان التوهان الذي لازم بوصلة المستقبل لسنوات (إنقاذية) عديدة،تداركها البعض أخيراً بمحاولات جديرة بالاحترام والالتزام لنيل المبتغى،و ناضلوا بالمستحب في عام المسغبة،من أجل التغيير واللحاق بركب الربيع العربي،إلا أنهم لم يكونوا من أصحاب النهايات السعيدة،ولكنهم لم يفشلوا،بل قالوا قولتهم رغم أنوف (صناجة) السامعين وغفلة النائمين على العسل،و وضعوا حجر الأساس لتغيير قد حان أوانه،و لهم أن يأتوا حتى لو تأخروا،و ذلك خيرٌ من أن لا يأتوا..
و في اتجاه آخر أشبه بـ(تغيير الجو)تحرك أكثر من 190 ألف من شباب الوطن_إحصائية جهة حكومية،وحقائق الحكومة أكاذيب،و قِس على ذلك_بإحداثيات العبور والخروج عن مسيرة النخبة أو الخيبة السياسية الهرمة التي أدمنت الفشل،و أحدثت فجوة جيليه، أغرقت في يمها كل من لم يحكم سترة الحال لينجو بسترة النجاة،وها هي لا تزال ترفض فك الاشتباك القائم بين أوهامها و وثيقة الخذلان المبرمة مع جيل تنصل عن الواقع المشبوه و جرِد من حميميته الوطنية باحثاً عن عقودات خارج الحدود،لتتجسد المشاهد في وتيرة رحلات متصاعدة ومتسارعة بلا ميعاد،من الموانئ الجوية و البحرية و البرية حتى،ولو كان ثمن تذاكرها المغامرة بالأرواح،فضلا عن متوالية البؤساء(خريجين ثم خارجين ثم خوارج) وثمة تمرد و حرابة و موات،إلي أن تلفظ (عازة) من رحمها شباباً كما الأجنة المجهضة..
راء:
رثأ الشباب حينما علموا بأن المحنة عادة سيئة_والمحنة هي وقع البلاء والشدة وشيئاً من عدم المقدرة على اتخاذ القرار_و أحسنوا الابتعاد عن الأشياء السيئة التي يستوجب تركها وعدم الالتفات إليها بعد الامتناع عنها،وذلك خطأ مباح في عرف التأديب و التهذيب،و نفي صريح في لغة الحلول و حزم الأمتعة..!
على نحو يسبق القدرة على القراءة والتحليل،و لأن التوقعات في بلادنا الحبيبة أصبحت ضرباً من ضروب التنجيم و التخمين و رصد اللاشئ كـ(رمي الودع)،و القياس على مسافات الإزاحة الصفرية المعدومة عند الفيزيائيين،إذ لا نستطيع أن نتخيل حتى مفاجأة الكابتن الذي هبط مضطراً من سماء أزرق على مدرج كوكب المريخ..في هذه الأجواء تضعف الإدانة ،و الاتهام يحتار الدليل،إلا أن في تلك المعادلات المختلة، لكل منا زاويته التي ينظر بها،إذ يشئ لنا أن نسمي تلك الظاهرة أو الكارثة التي وقعت و أصابت و أوجعت،أياً كان، ونحن على مشارف العالمية الرابعة.السودان في العام الذي سبق لم،و في اليوم العالمي للشباب،لم يجد من يحتفل به،فأكثرهم قد ذهب لكي يحتل مكانه تحت الشمس بعيداً عن حناذ الوطن،و أبَ أبَه و مضى..
واو:
وشجت العلائق بين الغرباء وغربتهم،و لكن قلَ من تلافق مع الآخرين في تلك الأمكنة،و لعل أغلبهم قد كان يظن برقي الحال و وسعه،مع أن للحياة أشكال و أطوار،و لكل أرض مناخ و لكل مناخ مجتمع تختلف ثقافته؛و إن كانت الرحلة رحلة في معرفة أو نزهة،فهذه توجد بلا عناء أو مشقة ،ولكن في حقيقة الأمر هي غربة ذات اسباب اقتصادية في المقام الأول،وأخشنها بحث عن الذات وسط عوالم لا نجهلها و لا تعرفنا،حيث تكون احتمالات الانتقاص من الحقوق واردة و افتراض الأنفة و(أنا لست لي) لتكتشف بأنك نكره مثلُ الحالة الأولى،لتثبت أن عسر الوطن اطيب من يسر الغربة..في تلك العوالم أشياء تستدعي العجب والدهشة الدائمة،أقلها،أن تشتري (الفول والتمباك)من متجر واحد!..
باء:
بالصحيح أم بالخطأ،نقول إن الجانب المظلم في هذه الرحلة لا بد من أن نرسمه حتى لو نعبر عنه بابتسامة نطلق بها تنهيدة الذكريات الوطنية،بالرغم من أنه لم يكن سبباً في إصابة مآلاتنا بالعطب،فالمستقبل مهما تغيرت وجهاته وتعثرت خطواته و كان المحيط محرضاً على الخروج،لا بد من عودة للموطن تجتاح تلك السدود المنيعة،و في الانتظار نتساءل،هل أخطأ الشباب بظن الصواب في الاغتراب؟..
“سفريتك مي الفي النيه..وميها الكانت محريا”
كاتب بصحيفة الأخبار(سابقا)