فيتنام.. حرب يريد أن ينساها الأميركيون

واشنطن: محمد علي صالح
بداية يطرح مؤلف كتاب «اقتل كل شيء يتحرك: حرب أميركا الحقيقية في فيتنام» هذا السؤال: «هل كانت حرب العراق تكرار لحرب فيتنام؟» ويجيب بالإيجاب والنفي في الوقت نفسه: بالإيجاب لأن الحربين كانتا تدخلا عسكريا أميركيا على نطاق واسع بهدف حماية الولايات المتحدة من الشيوعية، أو الإرهاب، أو «الأعداء» بصورة عامة. وبالنفي لأن التدخل العسكري في فيتنام كان أطول، وأقسى، خاصة بالنسبة للمدنيين.

ومن هنا جاء عنوان الكتاب: «اقتل كل شيء يتحرك.» وحسب الكتاب، ومسؤولين أميركيين، قتلت حرب فيتنام ثلاثة ملايين شخص تقريبا، وليس مليونا كما أثبتت مصادر سابقة، نصفهم عسكريون، والباقي نساء وأطفال ورجال مدنيون.

طبعا، ليس هذا أول كتاب عن التدخل الأميركي في فيتنام. فقد صدر حتى الآن أكثر من ثلاثين ألف كتاب. أغلبها، وربما كلها، تنتقد الحرب.

ومن المعروف إن التدخل الأميركي في فيتنام بدأ في عهد الرئيس كنيدي عندما أرسل، عام 1961، «مستشارين عسكريين» لمساعدة حكومة الرئيس ديم في فيتنام الجنوبية، وكان حليف أميركا، وعدو فيتنام الشمالية التي كان الشيوعيون، بقيادة هوشي منه، قد حرروها من الاحتلال الفرنسي. في وقت لاحق، كتب هوشي منه في كتاب مذكراته أنه حارب الاحتلال الفرنسي مثلما حارب الأميركيون الاحتلال البريطاني في القرن الثامن عشر. وأنه يريد أن يؤسس جمهورية على خطى «جمهورية جفرسون» (إشارة إلى واحد من مؤسسي الولايات المتحدة).

بعد تحرير فيتنام الشمالية، بدا هوشي منه يساعد ثوار «فيت كونغ» الشيوعيين في فيتنام الجنوبية لتحريرها من ديكتاتورية الرئيس ديم وحلفائه الأميركيين.

لكن نتيجة الحرب حسمت خلال سبع سنوات، عندما وصلت قمتها في عهد الرئيس جونسون، الذي أحس أن الهزيمة آتية لا ريب فيها، فرفض أن يترشح مرة أخرى لرئاسة الجمهورية واعتزل العمل السياسي. لكن، مثلما أوضح التدخل الأميركي في العراق، كان التدخل سهلا، والخروج صعبا. لم يخرج آخر جندي أميركي من فيتنام إلا بعد سبع سنوات من إعلان الرئيس جونسون أنه لا يتوقع النصر.

وحسب هذا الكتاب، هذه «السنوات الضائعة» شهدت أكثر عمليات قتل للمدنيين. ويذكر الكتاب أن الجنود الأميركيين لم يكونوا يقتلون مدنيين كثيرين خلال السنوات الأولى من الحرب، بل كانوا يأملون في كسبهم «لينشروا الديمقراطية». ولكن، خلال السنوات الأخيرة من الحرب، صار واضحا أن أقوى دولة في تاريخ العالم سوف تنهزم أمام ناس شبه عراة، وشبه حفاة، وشبه جهلاء، وشبه مرضى.

لماذا قتل الجنود الأميركيون كل هذا العدد من الفيتناميين المدنيين؟

يعدد الكتاب هذه الأسباب بالشكل التالي:

أولا: عسكريا: لأنهم أعداء، أو يساعدون الأعداء. ثانيا: عرقيا: لأنهم ليسوا بيضا. ثالثا: حضاريا: لأنهم أقل تمدنا. رابعا: دينيا: لأنهم ليسوا مسيحيين.

لا تكمن أهمية الكتاب في أنه ركز على قتل المدنيين فقط، ولكن، أيضا، لأنه يذكر بماض شوه كثيرا، وقدم بشكل معكوس، إذ يصر البنتاغون دائما، كما يقول المؤلف على «تخليد الانتصار في الحرب، والتغاضي عن الهزيمة». لكن نيك تيرس يستدرك بقوله إن العسكريين ليسوا وحدهم في ذلك، وإنما كل الأميركيين لأنهم، أولا، يريدون نسيان الجوانب المظلمة في تاريخهم (حرب فيتنام، وتجارة الرقيق، واضطهاد النساء، واليهود، والآسيويين، واللاتينيين، الخ…). وثانيا، إنهم يخافون من اتهامهم بـ«الخيانة» إذا انتقدوا العسكريين، حتى إذا أخطأ هؤلاء. ثالثا، لاعتقادهم أن الوطنية هي تأييد الحكومة التي تحكم.

وأخيرا، «يتحسر» المؤلف لأن كثيرا من الأميركيين لا يريدون الحديث عن حرب فيتنام (وقال إن نفس الشيء بدأ يحدث بالنسبة لحرب العراق، وحتى بالنسبة لحرب أفغانستان، وهي لم تنته بعد). لكن فضيلته أنه كتب كتابا عن ذلك.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..