
عماد خليفة
باربرا لي Barbara Lee عضو الكونجرس الأمريكي عن مدينة أوكلاند ، ولاية كاليفورنيا هي العضو الوحيد في الكونجرس الأمريكي التي صوتت ضد تفويض استخدام القوة العسكرية (AUMF) في 14، سبتمبر 2001م والتي أجازها الكونجرس لشرعنة الحرب على أفغانستان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وفي السنوات التالية للحرب قادت جهوداً عظيمة داخل وخارج الكونجرس لإلغاء هذا التفويض الفارغ للحرب. ومع حالة الجنون الجماعي والهيجان العاطفي الكبير التي اجتاحت المجتمع الأمريكي ببرلمانه وحكومته وإعلامه في ذلك الوقت ، واجهت النائبة باربرا لي تهديدات بالقتل وإهانات ورسائل كراهية كثيرة شُتمت فيها شتائم عنصرية لا يمكن تحملها ، لاسيما من نائبة أنثى سوداء من أصول أفريقية ، إلا أنها واجهت هذه الحملات الشعواء بصلابة شديدة وبمزيد من الإصرار والتحدي ، فلم تتراجع عن إدانة الحرب وإنهاء تفويض استخدام القوة رغما عن تهديها من بعض المتشددين من حزبها(الديمقراطي) بالإقالة من الحزب والطرد من البرلمان. وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمان ومقتل آلاف الجنود الامريكان وهدر تريليونات من الدولارات ، انتصرت إرادة باربرا لي بعد أن قرر نفس الكونجرس إيقاف التفويض وسحب الجنود الأمريكان من أفغانستان بعد محادثات سلام طويلة بوساطة قطرية ، تم فيها تسليم مقاليد السلطة لحركة طالبان التي شنوا ضدها الحرب في 2001م.
هذه المقدمة لابد منها لمعرفة حالة الهيجان والجنون الجماعي التي تنتاب الشعوب أثناء الحروب والتي يسيطر فيها الشعور العاطفي (الاهوج) على صوت العقل والحكمة تماما. فالمنطق السليم والحس الإنساني السوي لا يمكن أن يتسق مع قتل الإنسان وتشريده، وتدمير ونسف الاستقرار وتشريد الأبرياء وتحطيم البنى التحتية للبلاد! العقل الراشد لا يدعو إلى استمرار الحروب والتقتيل مهما كبرت وتعاظمت المبررات! العقل الناضج يرى بوضوح أن استطالة أمد الحرب يعني تزايد أعداد الضحايا من الأبرياء ، ويحل معه الدمار والخراب وتتشعب معه تداعيات الحرب على كل المستويات، وتتخلق فيه مجموعة من الانتهازيين مهمتهم الاتجار والسمسرة بالحروب داخليا وخارجيا ، وبالتالي تتعقد وتضيق فرص الحلول السلمية وسط هذا الزخم الكثيف من التضليل الزائف وتفتح الباب على مصراعيه للتدخلات الخارجية التي ربما تفرض حلولها بالقوة مما يزيد (طين الحرب بلة) ، لذلك يتعمد دعاة الحرب على خلق شرعية متوهمة باستخدام الدين تارة وكرامة الشعوب تارة أخرى لخلق حالة من القداسة تتعطل معها أي فرص ممكنة للحلول السلمية.
وعند مقاربة هذه الحالة على الحرب السودانية ، ورغما عن اختلاف المعطيات والجغرافيا والمناخ السياسي والاجتماعي ، نجد أن الحركة الإسلامية التي أشعلت هذه الحرب قد تبنت هذا الخطاب وانتابت منسوبيها هذه الحالة من الجنون الجماعي الهستيري قبل اشتعالها والتي بدأت بالتحضير لها وهندستها ونفخ نيرانها منذ إسقاطهم من السلطة في أبريل 2019م. جرف هذا التيار العاطفي بكل أسف مجموعة كبيرة من الوطنيين المخلصين من الأفراد والأحزاب والمنظمات التي ساهمت في الثورة ضد نظامهم الفاسد الذي عمل على تدمير البلاد وتمزيق أوصالها بحروب استمرت طيلة سنوات حكمهم الكؤود.
ظل خطاب الحرب الذي يجيش العاطفة ، وظلت لغة التخوين وخطاب الكراهية هي السائدة خلال العام الأول منها رغما عن النزيف والموت والتشريد والدمار الكبير الذي تعرض له السودانيين والسودانيات وموجات الهجرة التي لم يشهدها العالم في التاريخ المعاصر. استمر هذا الخطاب رغما عن الهزائم المتلاحقة التي تعرض ويتعرض لها جيش الحركة الإسلامية وكتائبهم المختلفة ومناصريهم.
الاسلاميون ولصوص الحركة الإسلامية بكل مسمياتهم أصبح لا خيار أمامهم بعد أن (ضاقت بهم أرض السودان بما رحبت) غير أن يواصلوا في حربهم التي أشعلوها ، فإذا توقفت الحرب سيخرون وفي استمرارها ستكون خسارتهم أكبر ، لذا يعملون على (هدم المعبد بما عليه). أما الذين أيدوهم وساروا معهم في هذا الطريق المضلل بتجريم كل من ينادي بإيقاف هذا النزيف ، سيتحملون معهم هذا الجرم الكبير ، وستلاحقهم لعنات التاريخ وعار أنهم أعانوا اعداء الشعب والوطن على هذا الهدم والتدمير. والأسئلة التي يجب طرحها عليهم وعلى القوى المدنية المؤمنة بالتحول المدني الديمقراطي ومازالت منقسمة على نفسها وتسعى لتحقيق الانتصارات الذاتية بعد انقضاء العام الأول من هذا النزيف ، والتي سنتجاوز فيها سؤال لماذا قامت هذه الحرب ومن الذي أشعلها ابتداءً؟ نأمل منهم التفكير بعقل مفتوح قبل الإجابة عليها ونبدأها : بما الذي تحقق حتى الآن بعد عام من الحرب؟ وهل عدد الضحايا والمشردين لم يعد كافيا بعد لايقافها؟ وهل حجم المعاناة والضنك والأزمة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني بالداخل وفي الشتات لم يحرك ساكنا في نفوسهم وقلوبهم؟ وهل مازالوا يوقنون بأن هناك طرفا سيحقق الانتصار الكاسح على الطرف الآخر؟ وإلى متى يعتقدون أن تستمر هذه الحرب؟ ومتى تتوقف؟ وكيف ستتم معالجة آثارها الكارثية؟
في ختام هذا المقال لابد أن نشير إلى الشاهد الذي اوردناه في المقدمة بأن هذه الحرب لابد لها أن تتوقف بالتفاوض مهما طال أمدها ، وأن هذا الشعب الصامد سيستفيد كثيرا من دروسها رغم مرارتها وقسوتها وسينهض من تحت ركامها من جديد ، شأنه شأن كل الشعوب التي قامت ونهضت من تحت نيران وبراكين الحروب. فهذا الشعب خُلق ليعيش وينتصر! .
هناك مثل سوداني يقول (من فش غبينتو خرب مدينتو) ..
يا سودانيين .. إتقوا الله في بلدكم وأهاليكم وإخوتكم .. ادركوا وطنكم قبل ان يضيع و تعضون اصابع الندم والحسرة (حيث لا ينفع الندم) .. اتقوا الله حتى لا نصبح لاجئين ونازحين دائمين في بلاد الله بعد ان تضيع بلادنا وتمزقها هذه الحرب العبثية اللعينة ..
ليس هناك عاقل او إنسان لديه حس وضمير يدعو لاستمرار الحرب والقتل في بلاده .. هذه الحرب ممولة من اطراف خارجية و كل يوم تتدخل اطراف اخرى والقادم اسوء واكثر سوداوية .. السلام لا يعني عودة الجنجويد او اي قوى أخرى شاركت في هذه الحرب مرة اخرى لان هذا اصبح من المستحيلات ، لان الحرب افرزت اوضاعا وموقفا جديدا ومغايرا على ما كانت فيه قبل 15 ابريل .
توقفوا .. توقفوا .. وانظروا الى الامام .. الحروب لم تنتهي في جنوب افريقيا و راوندا و اثيوبيا ولم تدرك هذه الدول النجاح والاستقرار سوى بالسلام ..
لقد قُتل الابرياء ودفنوا داخل منازلهم وتاه آخرون في الصحارى اكلتهم الضواري او ماتوا عطشا وهم هاربين من جحيم الحرب .. لقد اُهينت الاسر السودانية الكريمة في المعابر وفي بلاد اللجوء وهي تفترش الارصفة والازقة وتلتحف السماء في البرد القارص وتقف في الشوارع مع اطفالها تتسول من المارة !!!
يا سودانيين اجنحوا للسلم و اتركوا المعاندة وعض اصابع الغيظ على بعضكم .. اقعدوا في الواطة جميعا دون اقصاء لاحد و انقذوا بلادكم و مستقبل ابناءكم قبل ان يُذهب الخلاف ريحكم وتعبث بكم الايام و تضيع بلادكم كما ضاعت غيرها وظل أهلها متسولون منبوذون اذلة في بلاد الله .. انبذوا العنصرية والإستعلاء و الغبائن .. البلد دي ما حقت زول مننا و ما في زول عندو اكتر من التاني .. حسب تجارب الامم والتاريخ القريب والبعيد ليست هناك حرب كانت حلا لمشكلة .. ليست هناك حرب كانت نهايتها انتصار كاسح لطرف .. لا تعتقدوا واهمين ان هذه الحرب سوف تنتهي قريبا ونعود .. اتركوا هذه الاوهام وهذا التبسيط .. الحروب لا تتوقف او تنتهي الا باتفاق اطرافها على حقن الدماء و الجنوح للسلم و اعلاء مصلحة البلاد ..
وال حول وال قوة الا بالله .