مقالات وآراء

العدالة في توزيع السلطة ليست ترفاً سياسياً، بل حجر أساس لبناء الوطن

 

معتصم أحمد صالح

إن اتفاق جوبا لسلام السودان لم يكن تسوية سياسية عابرة أو تقاسماً شكلياً للسلطة، بل جاء لمعالجة اختلال تاريخي في التوزيع العادل للسلطة والثروة والخدمة المدنية، اختلال ظل يحرم ملايين السودانيين من حقوقهم في وطنهم. الحديث عن نسبة ٢٥٪؜ كمجرد “نصيب عددي” هو اختزال مخلّ بجوهر الاتفاق، الذي يمثل تصحيحاً لمسار الدولة السودانية منذ الاستقلال.

إذا كانت القضية ترميزاً شكلياً كما جاء في مقال ( المخاطر و الفرص )، فإن النظام البائد كان أمهر من الجميع في التزييف والرمزية التضليلية، ومع ذلك رفضه الشعب لأنه لم يكن يعالج جوهر الأزمة. أما نحن فننظر إلى العدالة التوزيعية في السلطة نظرة مبدئية ترتكز على شراكة حقيقية تشمل كل مؤسسات الدولة السيادية، التنفيذية، الأمنية، والخدمية من قمتها لقاعدتها، وليست مجرد مقاعد في الحكومة.

أما ما يُثار بشأن تمسك حركتي العدل والمساواة السودانية وتحرير السودان بالحصول على وزارات بعينها، فنؤكد أن الأمر لا يتعلق بأطماع شخصية أو صراعات على النفوذ، وإنما يندرج في إطار الدفاع عن استحقاق مشروع يهدف إلى تصحيح الاختلالات التنموية و السياسية المزمنة.

وبخصوص تحميل أهل دارفور و كردفان مسؤولية مصيرهم، فنقول بكل وضوح أن حماية المواطنين هي مسؤولية الدولة، و أية أسئلة من هذا القبيل يجب أن توجه للجهات المعنية، لا لأولئك الذين ظلوا يقدمون الروح ذودا عن حياض هذا الوطن بلا تمييز  بين منطقة و أخرى كما يفعل البعض.

إن الحديث المتكرر عن “تقسيم السلطة” وكأنما هو هدف في حد ذاته، يقزّم نضال شعوب عانت لعقود وتضحيات قدمها الآلاف من أبناء دارفور وكردفان والنيل الأزرق. معركة الكرامة والشرف التي يخوضها أبناء هذه المناطق مع القوات المسلحة اليوم هي شهادة دامغة على أن حديث المزايدة والتشكيك لا يثنينا عن الحق شيئا ولا يغير حقيقة أننا شركاء في هذا الوطن، لا “فرَّاجة”.

لقد حان الوقت لنؤمن بأن بناء وطن عادل ومستقر لا يتحقق بالشعارات ولا بالتذاكي السياسي، بل بإرادة حقيقية تُقرّ بأن المشاركة المتوازنة في السلطة والثروة ليست منّة من أحد، بل حق أصيل لكل مكونات السودان. إن اتفاق جوبا لسلام السودان لم يكن إلا خطوة أولى في طريق طويل نحو إعادة تشكيل الدولة على أسس المواطنة والعدالة، ومن يرى فيه عبئاً أو ترفاً سياسياً، إنما يُمعن في تجاهل دروس التاريخ وأثمان التهميش التي دفعها هذا الشعب. نحن لا نطلب امتيازاً، بل نطالب باستحقاق، ونؤمن أن لا مستقبل لهذا الوطن إلا بشراكة حقيقية تُنهي عهد الإقصاء وتؤسس لجمهورية جديدة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.

سكاي سودان

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..