زمن الرحلة والاكتشاف.. أحزان النهر والغابة.. أدب سوداني

الخرطوم ? رمضان سليم
كل أدب يأتي من السودان يكون مختلفا بأي سمة من سمات الاختلاف والتنوع، وبأي مستوى من المستويات والاختلاف الذي نقصده هنا هو نابع من تمايز مكاني بيئي وتمايز (إنسانوي) جغرافي وديني يقترن في الدرجة الأولى بمفهوم الثنائية الضاربة بجذورها التاريخية لأمد غير قصير.
ولعل كل قارئ لأدب يأتي من السودان أو كل مستمع لفن من فنونه يشعر بظاهرة الاختلاف والتمايز تلك ويدرك أبعاد الثنائية الثقافية المستحكمة بطريقة مطلقة أو الممتزجة في نسق هو أيضا يعد مظهراً من مظاهر الاختلاف.. لننظر إلى تعدد هذه الثنائية ولو من منظور محدود لنجد شمالاً وجنوباً، عرباً وزنجاً من أصول عربية إسلاماً ومسيحية مدينة وقرية، الصحراء والنهر، النهر والغابة، الصحراء والغابة.
قضية الثنائية
وهذه رواية من السودان للقاص مكي محمد بن علي يلمس فيها قضية الثنائية تلك محاولا إبرازها وتجسيدها من خلال وجهة نظر فكرية صرفة تحتويها الثنائية وتعمل لأجل سيطرة الفكر على الواقع وتتخذ من القضية الفكرية والطرح الفكري الهدف والمبدأ بل ما كان العمل الأدبي إلا وسيلة للوصول إلى ذلك الهدف وتحقيقا لذلك المبدأ.
المعمار الفني
لا تفوت الثنائية أن تقسم الرواية إلى قسمين واضحين، قسم أول يقع في بداية الرواية ومنه يبدأ حتى الفصل المشار إليه بالرقم (6) والقسم الثاني يبدأ من الرقم (6) وينتهي بنهاية الرواية ويسيطر على القسم الأول صوت واحد وهو الصوت النسائي (آسيا عبد الحميد)، حيث تسرد وتعيش بعض الأحداث المستمرة القليلة والهامشية على استقطاعات زمنية محددة تتولى فيها القيام بعملية سرد وتذكر لبعض الأحداث الماضية التي تخص علاقتها بالغير.
وحدات الزمن
أما سبب عمليات الرجوع للماضي فهو لغرض تقديم مراجعة لأهم الشخصيات وتقديم انطباعات شخصية حولها وربطها بالشخصيات التي تكتشفها باكتشافها للحاضر والمستقبل داخل الرواية.
ومن ناحية الزمن نجده يتشكل من وحدتين واضحتين.
زمن واقعي، خاص بالأحداث الجارية، وهو يبدأ بالفصل (6) إثر القيام برحلة قصيرة انطلاقا من مكان معين (أوجدين) باتجاه الغابة وهذا الزمن هو الزمن الفعلي، أما الزمن غير الصريح فهو زمن الشخصية ويرجع إلى ما قبل الرحلة الأولى وقبل المجيء إلى (أوجدين) من الشمال حيث كانت تعيش آسيا قبل سفرها نحو الوسط ثم الجنوب وليس هناك حد فاصل زمنيا لتوضيح أبعاد التداعي بالطبع ولكن تجيء الذكريات وهي قريبة العهد وانقائية جداً يسيطر عليها الاختبار الفري وليس الحدث أو الحادثة أو مجريات الحكاية أو قابليات السرد.
عن المكان نحكي
وإذا تحدثنا عن المكان من هذه الرواية وجدناه يرتبط بالثنائية وينسجم مع الدلالة الفكرية الشبه صارخة أن المكان في تصويره وتركيبته التي طرح فيها ليس كما ينبغي أن يكون مغرقا في المحلية ومنسوجاً منه أطرافها أنه ليس حياة نابضة حية تستجيب طبيعة السودان لها بل مجرد تجويد فكري يتحدد وفق الدلالة العامة التي توحي بها كلمة النهر أو كلمة الغابة، ويوحي بذلك العنوان وأحزان النهر والغابة، وكأن النهر والصحراء لهما سمات وخصائص والغابة لها سمات وخصائص تختلف والتقييم يعود إلى وجهة نظر محايدة.
مفاهيم زمانية ومكانية
إن أهم ما يصادفنا عند التطرق لمفهومي الزمان والمكان كما تم صهرهما في الرواية عدم حضورهما الحضور الكافي والجذاب والمميز، كذلك اختفاء الحدث الواضع المتشابك العلاقات الذي يربط أجزاء الرواية والذي يتحكم في الشخصيات ويملي على الكاتب شروطه الخارجية باختفاء كل من مفهومي الزمان والمكان ومفهوم الحدث أصبح الجو ملائماً أو لنقل (المناخ الروائي) مفرغاً تسهل السيطرة عليه بطريقة الطرح الفكري النظري والجدل والنقاش والبرهان والاستنتاج

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..