أندية المسـنين … ترفع السـتارة

ناهز عمره السبعين عاما ،واصبح يقضي معظم وقته بين الجلوس في الشارع وغرفته التي تتربع في آخر المنزل ،مساحة كبيرة من الفراغ تملأ حياته وليس هناك مايفعله ، فالحياة تبدو مملة بعد رحيل زوجته عن الدنيا ، وبنية جسده اصبحت ضعيفة لاتتحمل ان يمارس أي نوع من الاعمال فكلها تحتاج الى حركة .. الحاج محمد الذي يجلس منذ الصباح الباكر امام منزله ويحتسي (شاي الصباح) وهو ينظر الى المارة بعين بائسة وحزينة فالكل يخرج الى مشاغله ويبقى جالسا الى ان تشتد عليه حرارة الشمس ليدخل الى غرفته حيث السجن المزين فلا احد يتحدث اليه اويسمع اليه حتى الاطفال داخل المنزل ينشغلون عنه وينصرفون الى مشاهدة المسلسلات الكرتونية بدلا من مداعبته ،ولم يجد مخرجا من حالة الفراغ التي يعيشها والحياة اصبحت مكررة بالنسبة اليه ولاشئ جديد وبين الحين والآخر يراوده سؤال الى اين تنتهي به دوامة الفراغ ؟
بحثا عن ايجاد مساحات لأمثال هذا السبعيني طرحت وزيرة التنمية الاجتماعية مؤخرا فكرة لإنشاء اندية للمسنين حتى تتمكن من اخراجهم من حالة العزلة التي يعيشون فيها بعيدا عن المجتمع وبحسب ماعلمنا ان طبيعة هذه الاندية هي ثقافية اجتماعية لتصبح مكاناً للترفيه يقصده كبار السن والمعاشيون من الجنسين .
توجهنا بالسؤال الى مجموعة من المسنين والمعاشيين في احياء الخرطوم ومدى قابليتهم لمثل هذه الاندية وبدأنا بالحاج محمد في الحلة الجديدة الذي كان جالسا على كرسيه بجانبه عكازة وتربيزة عليها كوب من الشاي جلست الى جانبه وبدأت اتحدث اليه وسألته لماذا يجلس في الشارع فالجو بارد جدا وقد يصاب بوعكه صحية بسبب البرد اجابني ضاحكا ماذا افعل يا ابنتي لايمكنني البقاء طوال اليوم داخل المنزل ومللت برامج التلفزيون والقنوات الفضائية التي اصبحت لاتزيل عنه الملل الذي اصبح يلاحقه كيفما حاول التخلص منه وليس لدية سوى الشارع ومراقبة المارة من الناس ،ويأتي اليه الكثير من الجيران ويجلسون الى جانبه ويستأنس بهم ولكن ان بقي داخل المنزل لا أحد سيكلف نفسه ويفقده ويتحدث معه لذا يجلس في انتظار الناس حتى يخرجوه من عزلته التي وصفها بقوله (يابتي الوحدة قاتلة ) وقال ان ابناءه كلهم يخرجون في الصباح الباكر ولايعودون الى المنزل الا بعد الرابعة ظهرا ويعودون منهكين من العمل ولايتحدثون معه كثيراً حيث يكتفون بسؤاله عن احواله وان كان يحتاج شيئا ، وعندما قلت له ان هناك اندية مختصة بالمسنين سيتم انشاؤها في مقبل الايام هل ينتسب اليها ان وجدت ؟ قال لي بكل تأكيد بشرط الا يكون بعيدا عن المكان الذي سكن فيه وكونه يلتقي بمجموعة من الاشخاص يعيشون في نفس الوضع ويتبادل معهم الحديث ويقصون مشاكلهم التي قد تكون متشابهة افضل من الجلوس امام بيته ومراقبة الآخرين ولايمانع ان ارادت زوجته الذهاب الى هناك فهي ليست باحسن منه وتتفوق عليه بحركتها داخل المنزل وتقضي وقتها بأداء بعض الاعمال المنزلية التي تقصر لها الوقت وتسليها بجانب جاراتها اللائي يحضرن اليها من حين الى آخر ، وتمنى ان تتضمن هذه النوادي الانشطة الرياضية التي تناسبهم، هو في السابق كان مهتما بالرياضة ولكن بعد تعرضه الى علة في الظهر حالت دون ممارسته الرياضة وقد اكد على ضرورة الرياضة بالنسبة لكبار السن بجانب البرامج الترفيهية التي تسهم في كسر الروتين اليومي الممل، هناك آلاف المسنين ينتظرون مثل هذه الحلول وتمنى في ختام حديثه ان تجد الفكرة مجالا للتنفيذ وألا تبقى طريحة الادراج ، فيما قال العم بابكر سيد احمد ان الفكرة تبدو جميلة ولكن هل تصبح حقيقة فنحن بحاجة الى هذه الاندية التي نحظى فيها بشئ من الخصوصية وستراعي فيها احتياجاتنا الخاصة كمسنين ومايتناسب معنا من برامج وقال انه يقصد كل يوم احد النوادي بالقرب من بيته ويجلس مع اصدقائه ولكن عندما يرغبون في مشاهدة شئ معين تتضارب رغبته مع الشباب الموجودين في المكان ويختلفون معه حول الشئ الذي يريدون مشاهدته ويدخل معهم في مشادة كلامية دون ان يراعوا الى انه اكبر منهم سنا ولكن عندما تكون اعمارهم متقاربة تكون رغباتهم متقاربة ان لم تكن متشابهة ويستطيعون التوافق على مايريدون في كل الجوانب .
ولكن الحاجة زينب التي كانت تجلس امام باب احدى مدارس الاساس وتضع امامها (حافظة آيسكريم ) ومن حولها مجموعة من الطلاب يهتفون كل يريد ان تعطيه قطعة رغم برودة الجو الا انهم اعتادوا عليها واعتادت عليهم واصبحو جزء من حياتها فكانت رؤيتها مختلفة للأمر ولم تبدِ تأييدها التام للفكرة ولكنها لم ترفضها تماما، وقالت لي انها تجد ما يملأ فراغها فوجودها بجانب هؤلاء الاولاد محفز كبير يدفعها للحركة والعمل على الرغم من انها لاتحتاج للعمل من ناحية مادية وانما هو البحث عن الانس فهي تقضي معظم وقتها في صنع الآيسكريم في البيت والنصف الاول من اليوم تقضيه في المدرسة ، بجانب بعض الزيارات الاجتماعية لذا فهي لم تتحمس كثيراً للفكرة واردفت أنها لوكانت ليس لديها ماتقوم به بالتأكيد ليس هناك حل غير انتسابها لمثل هذه النوادي ان وجدت. وقالت ضاحكة ان الانسان عندما يكبر في السن يبحث عن اي شئ ليملأوقته ويجعل الوقت يمر بسرعة فالحاجة زينب استطاعت ان تخرج نفسها من دوامة الوحشة ولكن هنالك ملايين المسنين فمن يخرجهم ؟
وهنالك تجربة قيد التنفيذ في محلية كرري لنادي كبار السن بمسمى المركز الثقافي الاجتماعي لكبار السن وهي الاولي علي مستوي السودان بحسب ما افادتنا عضوة المجلس التنفيذي شادية محمد صالح وقالت ان الهدف منه رعاية المسن صحيا وغذائيا واجتماعيا ورواد النادي فاقوا الالف مسن ، وقالت هناك مشروع تمكين كبار السن سيتم عرضه على الجهات المسئولة حتى يصبح النادي اكثر مكاناً يستفيد فيه كبار السن ويشمل فصولاً لمحو الامية ويومين علاجيين كل شهر بالاضافة الى عشر عمليات عيون مجانية كل اثنين بمعدل 40 عملية في الشهر ،ولكن المشروع يحتاج الى دعم مادي ، واكدت على ان المركز يشمل مجموعة من الشباب المتطوعين حتى يساعدوا المسنين ويرعوهم والمركز مفتوح يوميا ويرتاده الرجال والنساء مشيرة الى ان المركز تم تشييده قبل خمس سنوات من الآن ومازالت الخطط تعرض على الجهات المسئولة بجانب ان بنياته الاساسية غير مكتملة ومع ذلك تقول شادية ان الدار يزداد المنتسبون اليها يوم عن يوم ممايعني ان المسنين في حاجة الى مثل هذه الاندية فهلا تعجلت وزارة التنمية الاجتماعية في تنفيذ الفكرة على ارض الواقع …
فيما اكدت وزيرة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم عفاف عبد الرحمن حرص وزارتها على قضية المسنين وعزمها انشاء اندية للمسنين في احياء ولاية الخرطوم حتي لاتضطر الى فتح دور لإيوائهم ، لافتة الى اهمية قضية المسنين .
ملايين المسنين في ولاية الخرطوم يجلسون امام ابواب منازلهم في انتظار اندية المسنين التي مازالت فكرة حتى الآن ولم تجدول ولم يتم وضع خطوط واضحة لأماكن الاندية وكيفيتها ، ووجدت تأييداً وسط المسنين وتمنوا ان تجد الفكرة طريقها الى التنفيذ وتخوفوا من موت الفكرة قبل ان تحيا فهم لطالما تلقوا وعوداً ولكنها ظلت وعوداً ، يبقى لوزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم ان تختصر الوقت وتسرع في تنفيذ اندية المسنين وبعد ان وضعت يدها على الجرح فهل تداويه ؟

الصحافة

تعليق واحد

  1. في هذا العمر لازم يكونو قريبين جدا من الله والعباده الدائمه والصلاه في المسجد اذا استطاع المسن والاه يديهم العافيه !!! وسبب الاكتئاب هو البعد عن الله وشكرا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..