مقالات سياسية

ثرثرة تحت حمى الكورونا

محمد عتيق

خارج المتاهة

حمى الله شعبنا وبلادنا من الأوبئة والفيروسات ، القديمة منها والمتجددة ..

إذا كان فيروس كورونا وباءاً قاتلاً أمسك بتلابيب العلماء الباحثين وبأنفاس الأنظمة والشعوب ، فإن الذي لا يعرفه هذا العالم أن شعب السودان قد عاش ثلاثين عاماً في ظل فيروس أشد فتكاً من كورونا ومن كل الأوبئة المعروفة ، فيروس انتشر في أوردة وشرايين الشعب والوطن (بمعنى الكلمة) إذلالاً للإنسان لم تعرف مثله أعتى الانظمة المعادية للإنسانية ، وتدميراً للوطن في مؤسساته وممتلكاته حتى في روحه ، أثبت من خلاله (هذا الفيروس) أنه بالفعل غريب عن هذا الوطن ، أجنبي اسمه “الاسلام السياسي ، الاخوان المسلمون ، الحركة الإسلامية ، الكيزان ، الإنقاذ” ، فليسم نفسه كما يشاء ، هو الفيروس الأشد فتكاً ، الذي لم يشعر به العالم الا في حدود مثالية عند البعض ، وعند البعض الآخر عندما تلسعه ألسنة من شروره اعمالاً ارهابيةً تكلفها ارواحاً وممتلكات ، بينما ظل شعب السودان يئن تحت وطأته ويجمع أنينه ليتراكم مقاومةً متعددة الأطوار والمظاهر ، هادئةً حيناً ومتفجرةً في مقامات أخر ، من أزمات المعاش والطبابة والتعليم إلى ساحات الجلد بالسياط ، من إهانة النساء بالفعل إلى إهانة كل الشعب بساقط القول وبذيء العبارات، مقاومةً توارثها الجيل الجديد وفجرها عنيداً مسالماً في ثورة أدهشت الناس في كل مكان .. وعندما ظن أنه قد قضى عليه بالقبض على رأسه وبعض رموزه ، كان الفيروس الخبيث قد التصق في تلافيف أخرى من الشعب والوطن ليعيد تكرار ذاته النتنة ، فأورثنا الذي أمامنا من ظواهر في كل الصفوف ، ظواهر تشابكت بعضها مع “الخارج” دعماً واملاءاً وتمويلاً ، وأخرى تتمدد في الداخل سرطاناً بعض خلاياه جديدة وبعضها متجددة ، التصق في تلافيف أخرى بدولته الموازية التي ظل يشيدها وبدولة جديدة ثالثة أسماها “الدعم السريع” ..

بالطبع لا شماتة على الإنسانية في هذا الوباء المخيف (فنحن جزء منها في كل الأحوال) ، ولكنها فرصة لتعريفها بوباءنا (الهمزة على الياء/النبرة) الذي ينبت فينا كلما قطعنا له رأساً أو اعتقدنا ، وأن نقول له أن شعب السودان يريد أن يعيش ، أن يزدهر وطنه أخذاً وعطاءاً معكم ؛ أوقفوا كل دعم تقدمونه له أو تعتقدون ، فقط أتركوه ، أتركوا هذا الشعب يرتقي بثورته للذرى والمراتب التي ينتويها ، اتركوه يواجه التركة البشعة التي ورثها في نفس الوقت الذي يعيد فيه ترتيب نفسه ومنهجه وأولوياته ، ففي داخلنا خيوط من جراثيم الفيروس لا زالت تتحكم في وسائل المعاش والاقتصاد ، معركتنا كبيرة وعميقة لم نشهر لها السلاح الصحيح الذي نملك بعد “الشرعية الثورية” ، فالذي عاش القهر والحرمان وكتم الأنفاس ثلاثين عاماً وانفجر هكذا جباراً عاشقاً للحياة للمجد لن يقبل أن تستمر بناءات النظام الساقط مسيطرةً عليه وعلى وطنه ؛ بناءاته في القوات النظامية والأمنية والإعلامية رموزاً ومنابر وفي أقاليم البلاد اجهزةً خفية متحكمة ، وكارثته الكبرى التي ساهمت شبكة المصالح المحلية والخارجية في تأسيسه ؛ سلاحاً لقائمة المطلوبين في الجرائم الدارفورية ، وسلاحاً لمحاربة الهجرة إلى أوروبا ، فانبعث فينا دولةً ذات جيش واقتصاد وتطلعات فاقت سرعتها سرعة انتشار “كورونا” ووصلت “ربطات العنق ” .. نعم ، هذا الشعب لن يقبل أن تستمر بناءات النظام الساقط ..

المعذرة ، نحن مع البشرية جزءاً اصيلاً منها في مواجهة الفيروس الخبيث كورونا ، فقط نريد اخطارها – أي البشرية – أننا في نفس الوقت سنواجه فيروساتنا الداخلية وبمفردنا ، فلتكف عنا الأيدي أياً كانت ، فعلى صعيد الاقتصاد مثلاً “وهو عصب كل شيء” سنواجه مصدر تمويلهم الرئيسي : مؤسسات الوطن الاقتصادية التابعة للقوات النظامية والأمنية والتي سيطرت بها ولا زالت على حياة السودان والسودانيين ، بتأسيس لجنة عليا تعمل على وضع يد الدولة عليها وتسليمها لوزارة المالية ، ولجان فرعية تابعة لها ، تختص كل لجنة منها بواحدة من تلك القوات النظامية ، وتأسيس نيابة خاصة بها بإشراف النائب العام ، وكتيبة مسلحة من القوات النظامية سلاحاً في يدها .. وبنفس الطريقة لجان تشرف على مهمة تصنيف ورصد رموز الفساد واعتقالهم مع إجراءات تغيير العملة ، وتوظيف كل ذلك في تسهيل حياة الناس ، وفي نفس الوقت نريد التعجيل بالسلام وبناء المؤسسة التشريعية التي ستعمل على تشريع الخطوات اللازمة لإعادة بناء القوات النظامية والأجهزة القضائية والعدلية وتأسيس الأقاليم الجديدة بإداراتها ، فنحن ثورة ضخمة محروسة بارادة الشعب كل الشعب ، نساءه ، رجاله وأطفاله …
هل أسرفنا في الحلم ؟ لا أظن..
محمد عتيق
[email protected]

تعليق واحد

  1. يالضبط هو فيروس كوزونا .. اخطر انواع الفيروسات تم اكنشاف المضاد الحيوى الوحيد بعد ثلاثون عاما من البحوث .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..