مقالات وآراء

العلاقات السودانية المصرية.. وسد النهضة.

(١)
إشتداد سخونة أزمة سد النهضة هذه الأيام بين الجانبين المصري والأثيوبي، وارتفاع حدة التوتر بينهما، وإحتمالية إنزلاقه لمواجهة عسكرية مسلحة، وموقف السودان الأقرب لأثيوبيا في هذه الأزمة، دفع بقضية العلاقات السودانية المصرية للواجهة مجدداً، وبرزت في الجانبين أصوات تتناول هذه العلاقة التي توصف دائماً ب “الأزلية” من جوانب مختلفة، لكن ما يلفت النظر هو ذلك الصوت في الإعلام المصري المُستغرِب لموقف السودان هذا، والذي يفترض أن السودان بحكم علاقاته التاريخية بالشقيقة الكبرى، وروابطه العربية والإسلامية، كان يجب عليه تقديم هذه العلاقات على مصالحه المؤكَّدة في قيام هذا السد.

(٢)
في تقديري أن أزمة العلاقات السودانية المصرية، وعدم تطورها لعلاقات مصالح مشتركة، وروابط ومشاريع إقتصادية حقيقية تجمع بين الشعبين، وتمنع إهتزازها وجعْلِها تحت رحمة أمزجة الأنظمة الحاكمة في البلدين وتقلبات السياسة، نتجت من سببيْن أساسييْن، تتعلقان بالجانب المصري، حالا دون تطوُّر هذه العلاقات وارتقائها لطموحات الشعبين الشقيقين، على الرغم من الروابط التاريخية والثقافية الكبيرة التي تجمعهما.

(٣)
أول هذه الأسباب هو النظرة “الخديوية” الراسخة تجاه السودان في ذهن الإنتلجنسيا أو النخبة المصرية التي ظلت تحكم مصر منذ عهد محمد علي باشا. هذه النظرة تقوم على أن مصر هي الشقيق الأكبر للسودان، وأن السودان حديقة خلفية لمصر، ويجب أن يكون قراره السيادي تابعاً أو على الأقل مُراعياً للمصلحة المصرية، ولا يجوز له أبداً أن يُقدِّم مصالحه الذاتية على المصلحة المصرية إذا تعارضت هاتان المصلحتان. الشواهد التي تؤكد ذلك كثيرة جداً، منها على سبيل المثال لا الحصر مشروع قيام السد العالي، وكيف تم بناء هذا السد دون النظر لمصلحة السودان أو حتى تعويضه على الأقل بمد خطوط الكهرباء لأجزائه الشمالية، أو قيام مشاريع زراعية مشتركة في تلك المناطق، مقابل دفن مدينة كاملة وما تحتويه من آثار حضارية تحت مياه بحيرة السد وتهجير سكانها منها. مثال آخر قضية مثلث حلايب وشلاتين، ذلكم الصداع النصفي المزمن والذي ما فتِىءَ يُعكِّر صفو العلاقات بين البلدين. الجانب المصري في هذه القضية إتَّبع سياسة فرض الأمر الواقع، وذلك بتحريك جيوشه ووضع يده على تلك الجغرافيا، دون مراعاة للأسس والقواعد المتبعة في فض النزاعات الحدودية بين الدول، ورافضاً لكل مساعي الوساطة والتحكيم الدولي، وكانت كل تصريحات مسئوليه تقول أن هذه أرض مصرية، وتمت ممارسة السيادة عليها، دون الإعتراف بوجود نزاع من أساسه.

(٤)
العقلية الخديوية الراسخة في الذهنية المصرية تجاه السودان تتمثل أيضاً في النظرة إلى السودان على أنه ملف أمني، لذا نجد ملف العلاقات بين البلدين دائماً ما تتعاطىٰ معه الإستخبارات المصرية وليس وزارة الخارجية. وذلك يعود في ظني إلى أن كل ما تريده مصر من السودان هو شيئيْن إثنيْن، الأول عدم المساس بحصتها من مياه النيل وضمان مرور الفائض من حصة السودان إليها دون عوائق، والثاني عدم تسلل الإرهابيين والمعارضين لنظام حكمها إليها من حدودها الجنوبية. هذان الأمران إذا حافظ عليهما السودان تكون العلاقة معه كما يراها الجانب المصري في أفضل أحوالها. أما المشاريع الإقتصادية المشتركة والربط الحقيقي بين الشعبين فلا إهتمام مصري حقيقي به. ودليلي على ذلك هو معارضة مصر القوية، بمختلف حكوماتها، لكل مشاريع السدود التي حاول السودان إقامتها على نهر النيل أو مشاريع التوسع الزراعي المروية بمياه النيل، وإعاقة تمويلها من قِبَل البنوك وصناديق التمويل العربية والدولية (سد مروي وافقت عليه مصر على مضض بعد أن تيقنت أن الغرض منه إنتاج الكهرباء وليس زيادة الرقعة الزراعية). أيضاً فشل تطبيق إتفاقية الحريات الأربعة (التَّنقل والعمل والتَّملُّك والإقامة) بين البلدين، الموقعة بين نظامي مبارك والبشير عام ٢٠٠٤م. هذا الفشل سببه الجانب المصري الذي لم يكن جاداً أبداً في تطبيق هذه الإتفاقية بسبب الهواجس الأمنية التي كانت تسيطر عليه من نظام البشير.

(٥)
ثاني الأسباب الذي يمنع إقامة علاقات حقيقية بين البلدين ومشاريع إقتصادية مشتركة وربط حقيقي بواسطة السكك الحديد أو الطرق البرية أو النهرية في تقديري هو الفيتو الأمريكي المرفوع في وجه القيادة المصرية، والمانع بقوة لمثل هكذا تقارب، والذي لا تستطيع القيادة المصرية تجاوزه، لأسباب ليس هنا مجال لذكرها.

(٦)
لذا في تقديري لابد من البحث الجاد في هٰذيْن السببين إذا ما أردنا تطوير حقيقي للعلاقات بين البلدين، بعيداً عن اللعب على العواطف والكلام المعسول والضحك على الذقون، لأن هذه الأساليب لم تعد تنطلي على أحد. كما أن هذا التقارب بين البلدين لا مفرَّ منه، وذلك لأن حقائق التاريخ والجغرافيا لا يمكن التنكُّر لها.

(٧)
سد النهضة يحمل فوائد حقيقية للسودان تتمثل في الإستفادة من فائض حصته في إتفاقية مياه النيل لأول مرة منذ توقيعها عام ١٩٥٥م (وهذا في ظني السبب الحقيقي لمعارضة مصر لقيام هذا السد)، والمحافظة على مستوى ثابت للنيل الأزرق يُمكِّن من زراعة أكثر من دورة زراعية واحدة في العام، كما يقي البلاد من خطر الفيضانات، ويحجب الطمي الذي كان يتسبب سنوياً في خفض إنتاج كهرباء سد الروصيرص خلف بحيرة السد، كما يُزوِّد السودان بكهرباء رخيصة، تزيد تكلفة إنتاجها إذا قرر السودان عمل سدود داخل حدوده. كل ذلك في مقابل إيجاد منفذ بحري لأثيوبيا من خلال إستخدامها لميناء بورتسودان. وبالجملة فإننا نلحظ أن هذا السد هو مشروع علاقة تشاركية حقيقية بين الجانبين السوداني والأثيوبي كنا نتمنى أن نرى مثله مع الجانب المصري.

(٨)
على النخبة الحاكمة والمثقفة في مصر أن تسأل نفسها عن سر هذا الإجماع الذي يلُف كل السودانيين حول قضية سد النهضة، وهم الذين أختلفوا مع نظام البشير البائد في كل شيء عدا هذه القضية، حتى داخل الحزب الإتحادي الديمقراطي الموالي تاريخياً لمصر؟؟!! كما أن على جميع الأخوة العرب في كل الدول العربية، وليس في مصر وحدها، أن يلحظوا هذا التغيير الكبير في مزاج المواطن السوداني ونظرته تجاه إنتمائه العربي، خصوصاً خلال السنوات العشر الماضية، وتفضيله للروابط والعلاقات الأفريقية، خصوصاً تجاه منطقة القرن الافريقي، على إنتمائه وروابطه العربية، وإعتقاده أن إنتمائه وجذوره وهويته الثقافية ترتبط بهذه المنطقة. كما يجب عليهم أيضاً ملاحظة بروز تيار ثقافي وفكري، آخذٌ في التنامي وسط النخبة السودانية، يدعوا صراحة إلى الإبتعاد عن المحيط العربي والإنتماء للعمق الأفريقي، هذا إذا كان أمر إنتماء السودان لمحيطه العربي يهمهم.
(٩)
مشكلة سد النهضة في تقديري تُحَل في حالة واحدة، وهي الخروج من قوقعة الحدود القطرية المرسومة لكل دولة إلى آفاق التعاون المشترك بين كل دول المنطقة، وإدراك القيادة المصرية أنها لا تملك الأراضي الزراعية ولا الثروات المائية الكافية لتأمين الغذاء ل ١٠٠ مليون مصري، وبالتالي لا بديل عن التعاون المشترك بين دول المنطقة، حيث يقوم السودان بتوفير الغذاء لهذه الدول بتوفير الأراضي الزراعية والمياه الضرورية لذلك، وتقوم أثيوبيا بتوفير الكهرباء الرخيصة، ومصر بتوفير الأيدي العاملة والصناعات الضرورية لهذه المشاريع. وتتوسع هذه الرؤية لإقامة مشاريع أمن وتعاون مشتركة في كافة المجالات. ولكن أدري أن هذا يستلزم قراراً سياسياً مستقلاً، وهنا مربط الفرس. أما النظرة القاصرة لكل دولة، وإنحباسها داخل حدودها، ورفعها شعار نفسي نفسي، فستؤدي لعجزها عن توفير مستلزمات شعبها، مما سيؤدي إلى إثارة النزاعات البينية والحروب، والتي لن يسلم من جحيمها أحد.. والسلام.
علي مالك عثمان
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. نبض المدينة

    مدني عباس والفشل في معاش الناس

    السودان بلد ثقافة اهله مازالت في طور البدائيات ولم يصل مسؤوليه معرفة اهمية المواقع التي يشغلونها وهنا لفت انتباهي كثرة الازمات التي يسببها المسؤولين انفسهم فمثلا وزير الصحة اكرم علي التوم وفي المؤتمر الصحفي سخر من فيروس كرونا المستجد الذي تغلب علي الدول العظمي وراح ضحيته الالاف حتي الان فصرح قائلا (كرونا الصغيرة دي مابنقدر ليها ونحنا قدرنا علي عمر البشير) وهو تصريح ليس في مكانه واخر خبر من ادارة الوبائيات بوزارة الصحة الاتحادية التي يقودها الرجل بنفسه ذكرت ان الاستعداد لمجابهة كرونا خصصت له (10) سراير في العناية المكثفة وإذا لا قدر الله اصبحت (50) حالة ستخرج الامور من السيطرة اها اين نحن من (40) مليون مواطن ولا جهزتو الحجر الصحي بنهر النيل الذي اراه كمواطن سوداني ليس مكانا لائقا لادمية الانسان نفسه ناهيك عن مكان لبحث العلاج فيه.
    وتلاحظ ظهور وزير التجارة والصناعة وغياب الوزير المختص نفسه في زيارة رئيس المجلس السيادي الفريق اول ركن عبدالفتاح البرهان الي الاماكن المقترحة للحجر الصحي والسؤال لماذا غاب الوزير وهو الرجل الاول وفنيا لابد من معاينة المكان بنفسه وابداء رايه فيه ولا الشغلة (ام غمتي).
    ذهاب مدني عباس يدل علي فشله في ادارة ازمة الخبز والدقيق بالبلاد والشواهد كثيرة وكمثال مدينة نيالا تعاني منذ فترة وخرج مواطنوها في تظاهرات كبيرة اجبرت المجلس السيادي بالوصول الي المدينة في سبتمبر من العام الماضي والوقوف علي المشاكل ميدانيا وحينها عرفنا ان حصة الولاية الحقيقية (25) الف جوال يوميا ولكن المتاح للولاية فقط (2500) جوال وتناقصت في الفترة السابقة واصبحت (1500) جوال ولسة صابرين.
    مدني معروف بكذبته الشهيرة امام جموع الشعب السوداني في الحوار الذي اجراه عثمان ميرغني وامام رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك صرح بحل الازمة خلال 3 اسابيع ومرت شهور ولا جديد وربما عليه تقديم استقالته وافساح المجال لشخص اخر اكثر خبرة ودراية وذو مواقف فحل الازمة في الخرطوم وترك الولايات امر غير جيد ويعطي انطباع اننا مازلنا مهمشين كما كان يفعل نظام البشير البائد ونحتاج للخدمات كما هي متوفرة بالخرطوم ولا فرق بيننا وسكان العاصمة.
    مدني ظهر في تصريح زيادة الاجور وهذا ليس مجال تخصصه فالمجلس لديه ناطق رسمي وهو وزير الثقافة والاعلام ووجود وزير المالية والتخطيط الاقتصاي يفي بالغرض فلا داعي لظهوره وكذلك في زيارة رئيس المجلس السيادي للمحجر الصحي فلو استغل الوقت ونظر لامر الولايات التي تعاني الصفوف لكان افضل له.
    انا كمواطن سوداني اوصي قادة قوي إعلان الحرية والتغيير بضرورة تغيير هذا الوزير الذي جاء للمنصب دون كفاءة وتعيين من هو اكفأ وادري بهذه الوزارة المهمة.

  2. لا احجر فكرك لكنك تبحث عن السواقط والعيوب لا اكثر ….تعال انت ابقا وزير في ظل ترهل الدولة وانت ادرى…والكل يعلم مستوى الفساد ….
    بالنسبة لكلام وزير الصحة صحيح كورونا ما اخطر من بشيرك اللي قتل ٣٠٠ الف في دارفور ووانتهك حريات اهل السودان الجد…البديل كفاية غباء..
    اما مدني فهو فارس هذه الثورة وكان وجها مشرقا وهو يناضل وكان رجلا جسورا..وهو يتحدث في القنوات مرفوع الراس …من يعجبكم ….الحل تجي انت بعلمك وتساعد
    بعدين مدني مالو حارق الناس والكيزان…
    ما تقول كذاب قول سرق ونهب زي جماعتكم ممكن نصدقك..
    إن كنت كوز ما عندك حق تتكلم كفاية رضينا تكون مواطن عسى تكون مواطن صالح وتعرف الله حق…
    مصيتوا دمنا كفاية ….تنطع

  3. بالنسبة لموضوع سد النهضة دي ترتيب رباني سبحان الله يعني لو النيل كان بنبع من الشمال للجنوب كان قطرة مويه ما خلوها .
    وبدون كلام كتير المصريين استفادو من مياه نهر النيل الكتير وكانت السبب الرئيسي في تطورهم واستقرارهم .
    فالان .
    ادعو ربنا ساستنا ما يغشوهم وزي ما هم بقولو ( يفرشو ليهم البحر طحينة ) .

    من الاخر وقوفنا مع اثيوبيا من مصلحتنا …. وهم ما قدمو السبت علشان يلقو الاحد .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..